الشعر والحداثية بين مدرستي الديوان وأبوللو

> «الأيام» علي محمد يحيى:

> فاتحة، وقبل أن ألج لاستكمل موضوع الجزء الأخير من المقال، أود أن أتقدم بأرق التحايا وأعطرها إلى الأديب والشاعر الجميل الأستاذ عبدالرحمن السقاف على مداخلة له قيمة، خصني بها في ضوء ما جاء في الجزء الثاني من مقالي هذا، تحدث فيها بعناية ودراية حول جملة من المفاهيم التي عنيت بمصطلحي التجديد والحداثية، ولأن مداخلته تلك شكلت محوراً جديداً لموضوع آخر، فإنني التمس منه أن يقبل مني أن أرجئ ما تفضل وعرضه في ذات الاتجاه إلى مقالة قادمة بإذنه تعالى. فله مني أجمل تعابير الشكر والثناء لجميل ما فعل.

والعود هنا إلى موضوع المقال. ففي نهاية الثلاثينيات من القرن المنصرم، جاءت إلى الساحة حركة رومانسية أخرى جديدة، هي جماعة أبوللو الشعرية - هكذا وسمت - حيث كان لمجيئها أثر بعيد في حياة الأدب والأدباء لا في مصر فحسب بل وفي عدد من البلاد العريبة لاحقاً بعد أن وجدوا فيها أنها تسعى بالشعر نحو السمو، وتوجيه أعضائها وأنصارها من الشعراء توجيهاً- شريفاً- وإلى ترقية مستواهم أدبياً واجتماعياً ومادياً، والدفاع عن مصالحهم وكرامتهم، وكذلك مناصرة النهضات الفنية في عالم الشعر. وقد كان لانبثاق هذه الجماعة أن شغلت الحقل الأدبي، وانقسم الشعراء والنقاد فيه ما بين مادح وقادح وامتلأت الصحف الأدبية بالدراسات النقدية عنها - عن هذه الجماعة - منها ما كان مؤيداً وآخر معارض، مما كان سبباً في ظهور الكثير من الدراسات الأدبية حولها.

وفي ضوء هذا الزخم من التباين في قراءة ملامحها يأتي السؤال عن ماهية جماعة أبوللو؟ يقول الأديب الأستاذ أحمد عبدالله اليحي صاحب مؤلف (النزعات الشعرية عند أبوللو): «جماعة أبوللو حركة أدبية رومانسية ظهرت في عصر كان مقفراً من الوحدة الأدبية، مفلساً من التكاتف والتعاون الأدبي، فلا صلة كانت بين الأدباء ولا رابطة تجمع الشتات وتـُحدث الالفة وتشابك الأيادي لرفع هذا الفن الأدبي الممتاز» وأن «الشعراء في ذلك كانوا يعتبرون الشعر تجارة يحاول كل شاعر أن يصعد قمة الشهرة على جثة صاحبه، وكانوا مقسمين على الأحزاب السياسية التي كانت تتطاحن على السلطة وكل شاعر مهمته نشر فضائل حزبه فلم يكن شعره معبراً عن ذات نفسه وعن آمال الناس.. فكان شعرهم شعر مناسبات ومدح الحكام الذين كانوا لا يقدرون إلا أصحاب الشهرة من الشعراء دون إقامة وزن لإنتاجهم» هذه الحالة جعلت غيرهم من الشعراء المغمورين والناشئة منهم دون قيمة تذكر. فكانت فترة قاسية ومحنة عصيبة على الأدب والناشئين من الأدباء. ففي هذا الجو الأدبي المظلم وفي خضم طوفان تلك الوضعية وجمود جماعة الديوان ظهر شعراء راعهم أن ينحرف الأدب والشعر عن رسالتيهما السامية وأن يسخرا لخدمة السياسة وكذلك انحراف الصحافة الأدبية عن رسالتها.. فلم تعد تهتم إلا بشعر المشاهير من الشعراء وعدم الاكثراث بالناشئين والأخذ بأيديهم فما كان من كل هؤلاء وخاصة الشباب منهم إلا المبادرة وإطلاق أصواتهم عالياً نحو وجوب تحرير الشعر من التبعية والاتجاه به إلى غايته المثلى، فالتقت آراء كل هؤلاء الشباب مع بعض الشيوخ من الشعراء فتعاونوا على إظهار هذه الآراء ونقلها من أفكار تجول في العقول إلى عمل وتطبيق وسموا أنفسهم «جماعة أبوللو» وكان على رأس هذه الجماعة رائدها الدكتور أحمد زكي أبو شادي وكما كان للمصريين دور الريادة لهذه الجماعة، إلا أنها ضمت عدداً من شعراء الوطن العربي منهم التيجاني يوسف بشير وأبو القاسم الشابي وأحمد محمد الشامي (من اليمن) وغيرهم من العراق ولبنان وسوريا والمهجر وهم كثر. يقول الدكتور ابو شادي في إحدى مقالاته التي كانت تنشرها مجلة «أبوللو» لسان حال الجماعة: «علينا أن نناهض الديكتاتورية الأدبية والفنية لأنها في النهاية سم للأدب والفن وهكذا هي الديكتاتورية في كل أحوالها.

إننا يجب أن ندافع عن حرية الشعر المطلقة موضوعاً وتعبيراً وأن ندافع عن هذا الفن الرفيع الذي بلغ الذروة بإنسانيته وبقيادته الحرة الجريئة .. فالشعر كان ولا يزال الرائد لحركات الإصلاح والتطهر والتسامي خلافاً للشعر المصنوع الهوائي الوصولي، ندافع عن الشعر الإنساني الذي يحارب الانتهازية».

ثلاثة أهداف من دستور جماعة أبوللو خاتمة للمقال :

1- السمو بالشعر العربي.

2-تشجيع الشعراء الناشئين ورفع مستواهم الأدبي والمادي.

3- مناصرة النهضات الفنية في جميع الأقطار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى