قراءة سريعة لبعض جوانب قانون الوظائف والأجور والمرتبات

> «الأيام» عبدالله محمد سيف

> لم يحظ أي قانون بهذا الحجم الهائل من الجدل والنقاش، كالذي حظي به قانون الأجور والوظائف والمرتبات رقم (43) لعام 2005م، فلقد تناول هذا القانون الكثير من الأخوة الأساتذة والمختصون عبر صحيفة «الأيام» الغراء، وكذلك في الندوة التي أقيمت في منتدى «الأيام» وشارك فيها الكثير من الأخوة من ذوي الأختصاص ورجال القانون، وكل تلك النقاشات اتسمت بالإيجابية والصراحة وهدفت إلى إثراء القانون وتبيان أوجه السلب والإيجاب فيه، لكن الجهات المسؤولة لم تول تلك الآراء أي اهتمام كما هي عادتها، ولو تم الأخذ بالشيء البسيط من تلك الآراء لخرج علينا القانون بصورة أفضل واكثر عدلاً مما هو عليه الآن.

إن النقاش لهذا القانون يذكرنا بما جرى منذ 15 عاماً عندما تمت عملية الاستفتاء على دستور دولة الوحدة وإن اختلفت الظروف والرؤى، وما أحدثه الدستور من جدل آنذاك، والمتابع للنقاشات الجارية حالياً وتحديداً عبر صحيفة «الأيام» يرى مدى الجهد الذي بذله الأخوة المختصون والكتاب من مختلف المشارب والاتجاهات وذلك بهدف تعريف الناس بهذا القانون والذي يهم شريحة واسعة من المجتمع اليمني.

وكم يؤسفنا حقاً ذلك التعتيم الإعلامي المتعمد حول القانون من قبل الجهات المسؤولة والتي تركت الناس في حيرة من أمرهم حتى اللحظة، حيث لم تتضح الرؤية بعد، حتى إنه لم تذع حلقات النقاش في مجلس النواب إلا منذ بضعة أيام وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على تلك المناقشات مما أفرغها من محتواها وكان الأجدر أن تتم إذاعة تلك الحلقات في نفس الوقت لأنها تتناول قانون يهم المجتمع ككل، فمتى يمارس المسؤولون الشفافية وشرح الأمور في وقتها حتى يكون الناس على بينه من أمرهم؟ ففي عصرنا الحالي لم يعد يخفى على الناس شيء، عصر الفضائيات والحاسوب والأنترنت وتقنية المعلومات العابرة للقارات، فلقد أضحى الكون عبارة عن قرية.. فهل تدركون؟

إن لدي بعض الملاحظات السريعة حول قانون الأجور والمرتبات الأخيرة، وأرجو أن يوفقني الله في إيصال ولو اليسير من الإيضاح، مع العلم أنني لست مختصاً في علم الإدارة ولا رجل قانون، فمجال عملي يختلف كلية عن هذين المجالين.. وملاحظاتي عامة وسريعة حول بعض جوانب القانون فأرجو من الله التوفيق والسداد.

ما قبل التنفيذ:
أليس من الأجدر وضع خطة واضحة المعالم ومحددة زمنياً للإنتقال من الهيكل القديم إلى الهيكل الجديد وفق معايير وأسس علمية لا يختلف عليها اثنان بدلاً من التخبط وعدم التدقيق في تحديد الفترة الزمنية للتنفيذ، فتارة نسمع أنه سيتم التنفيذ خلال شهر وأحياناً شهرين لكن الواقع يثبت العكس، فمتى نعتمد التخطيط الصارم في حياتنا.

كما ان التنفيذ يتطلب قبل كل شيء مرحلة إنتقالية يتم فيها تنفيذ استحقاقات لازالت قائمة حتى يومنا هذا ولم يتم تنفيذها، وكان من الأفضل تنفيذ تلك الاستحقاقات قبل الخوض في تفاصيل القانون ومن هذه الاستحقاقات ايجاد الحلول لأزمة مستفحلة ومزمنة وقائمة منذ زمن بعيد وهي مشكلة ما يسمى بالازدواج الوظيفي والتي نسمع عنها منذ سنوات ولا نجد لها حلاً كذلك مسألة من وصلوا أحد الأجلين ولم يحالوا إلى التقاعد مع انه في بعض المناطق تجاوزت بعض خدمات الناس (40) عاماً او ربما أكثر.

اضيف إلى ذلك من يسمون بالعمالة الفائضة والذين لايزالون في طابور الانتظار حتى يتم حل مشاكلهم بصورة تخدم وترضي جميع الأطراف وغيرها كثير من المشاكل العويصة والمزمنة، فالحل بالمسكنات لن يجد ي نفعاً، فلابد من ايجاد الحلول الجذرية والصائبة في آن واحد وأن يتم ذلك قبل البدء بالقانون الجديد، حيث انه لا الامكانات ولا الظروف تسمح بحل الصعوبات القائمة في وقت متزامن ومواز لتنفيذ ذلك القانون فالأجدر بالجميع وضع أولويات قابلة للتنفيذ خلال فترة زمنية محددة وايجاد حلول صائبة لتلك المشكلات القائمة، وعندها سيتم تنفيذ وتطبيق ذلك القانون بصورة سلسة.

كذلك فجدول الأجور والمرتبات المنشور أخذ من البعض وأعطى للبعض الآخر، فكان من الأفضل ايجاد نوع من التوازن في هذا الجانب واعطاء كل ذي حق حقه وفقاً لما وصل اليه من درجة ومرتب وليس عبر اعادته إلى الخلف، ونتمنى الا يحدث المزيد من الاختلالات عند التنفيذ فعلى سبيل المثال لا يمكن أن تنفذ نفس الشروط على من خدم طويلاً ومن خدم بالأمس القريب، فهذا سيدخلنا في متاهات نحن في غنى عنها، ومن المستحسن تطبيق الشروط الجديدة على من توظف حديثاً وليس تنفيذها بأثر رجعي لأن ذلك يعني اهدار الوقت والجهد والمال.

ومرة أخرى نقول إن حل المشكلات المزمنة بحاجة إلى مزيد من التروي والدقة وليس بحاجة إلى الانتقائية والعشوائية والاستعجال، لأن هذه الحلول تتعلق بمصائر الناس وأي خطأ سيزيد الوضع تعقيداً بدلاً من ايجاد الحل الصحيح والصائب وتلك الحلول يجب أن تراعي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والانسانية للناس والظروف التي يعيشونها فسياسة الجرعات المتتابعة اخترقت الجلد وما تبقى من لحم ووصلت إلى العظم فهل تذيبه هو الآخر؟

ونحن بعد هذه السنين الطويلة لسنا بحاجة إلى إضافة آلاف جديدة من العاطلين عن العمل ورميهم إلى الشارع مما سيؤدي بالتالي الى ازدياد ظاهرة البطالة المستفحلة في البلد والتي أصبحت مشكلة عويصة يصعب حلها في الزمن المنظور.

تعميم وزارة الخدمة المدنية:
صدر تعميم يحمل الرقم 7 بتاريخ 31/7/2005م مذيلاً بتوقيع الأخ وزير الخدمة المدنية والتأمينات ومرفقاً به العديد من الاستمارات والتي يجب استيفاؤها قبل 17/8/2005م مقروناً بها العديد من المطالب تقتضي على وحدات الخدمة العامة القيام بها، ومن خلال فحص تلك المطالب نرى أنها طموحة للغاية، حيث انه لا يمكن لأي مرفق القيام بتلك الأمور خلال تلك الفترة الوجيزة المحددة في ذلك التعميم، فلا يكفي أسبوع أو شهر أو نصف شهر لحل تلك المشاكل العالقة والقضايا الادارية المتراكمة والمزمنة لفترة طويلة من الزمن تتجاوز الـ 40 عاماً، ويراد حلها بجرة قلم.

إن الواقع المعاش والامكانات المتاحة لتلك المرافق تؤكد لنا أنه لا يمكن انجاز تلك الاستمارات في تلك الفترة الجيزة.. وهكذا عمل يتطلب الكثير من الدقة والوقت والجهد حتى يتم تنفيذه بصورة جيدة وعادلة، أما الاستعجال فسيؤدي حتماً إلى مزيد من الأخطاء خصوصاً وأن الأمر متعلق بمصائر آلاف الناس وحياتهم وحياة أسرهم، وهنا لا يمكن احتمال الخطأ حتى في حده الأدنى، فهل سيتم حل تلك القضايا المعلقة طويلا بهذه السهولة وهذا اليسر؟ ومن خلال ما تقدم لا يسعنا إلا أن نوجه هذا السؤال للأخ وزير الخدمة المدنية: ما هو مصير هؤلاء الناس الذين يراد تصفيتهم من كشوفات الراتب؟ وكيف سيحصلون على رواتبهم ومن أي جهة؟ مع العلم أن هذا الراتب هو مصدر الدخل الوحيد لهؤلاء الناس الذين يعيشون به هم وأسرهم رغم ضآلته، فهل تدركون ذلك؟ والمثل الشعبي يقول «قطع الراس ولا قطع المعاش».

إننا نقول للأخ الوزير وبقية أعضاء الحكومة إن مصائر هؤلاء الناس أمانة في أيديكم فلا تخذلوهم وارفعوا الظلم عنهم. ولنا جميعاً أسوة حسنة فيما قاله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين نبهنا إلى الظلم وعواقبه حين قال «الظلم ظلمات يوم القيامة» فهل نعي ذلك جميعاً؟

شرعية وقانونية التعيينات السابقة:
ففي المادة رقم 22 من قانون نظام الوظائف والأجور رقم 43 لعام 2005م جاء ما يلي:

«تلغى جميع المواد الواردة في القوانين الخاصة والتشريعات والقرارات الجمهورية وقرارات مجلس الوزراء ومجالس الإدارات وغيرها من القرارات التي تنظم المرتبات والأجور والبدلات والتي منحت صلاحيات الوزارة لوحدات الخدمة العامة، وصلاحيات الوزير لرؤساء تلك الوحدات أو مجالس إدارتها».

إن هذه المادة تلغي كل القوانين والقرارات السابقة، وكأنها لم تكن سائدة في يوم من الأيام والتساؤل لدينا هل وجود مادة في قانون ما تلغي كل الواقع المعاش ببضع كلمات؟ وهل بنص هذه المادة سيتم إلتهام استحقاقات الناس بالرغم من قانونيتها وشرعيتها والتي جاءت بموجب قوانين نافذة وسارية المفعول؟ ولو فرضنا جدلا أنه تم إلغاء جميع القوانين والقرارات السابقة فمن المستحيل أخذ استحقاقات الناس المادية والمعنوية وتأميمها، هل نحن في عصر جديد للتأميمات وتخفيض الراتب؟

كما أن ما يحز في النفس هو تصريحات بعض مسؤولي الخدمة المدنية وكذا التخطيط عبر وسائل الإعلام المختلفة، والتي جعلتنا نعتقد أنهم يخوضون حرباً شعواء ضد عدو مجهول، فهناك التعيينات والترقيات غير قانونية والراتب غير القانوني.. الخ.. فأين هي الحقيقة الغائبة الحاضرة؟ اننا نقول بدورنا هل تعيينات هؤلاء المسؤولين شرعية مادامت قد تمت تحت مظلة القوانين والقرارات السابقة؟ إنه سؤال مشروع، فالجميع متساوون أمام القانون.

ثم إننا نتساءل بدورنا هل ما تم خلال أكثر من 40 عاماً من الثورة والجمهورية والوحدة وما كان معمولاً به في شطري الوطن ما قبل الوحدة وما بعدها من قوانين إدارية، هل تلك القوانين عبارة عن لعب أطفال؟

أننا نؤكد لهؤلاء الأخوة أن كل التعيينات والترقيات تمت وفقاً لقوانين صارمة وأطر مشروعة وقانونية وإن لم يعوا ذلك فعليهم الرجوع إلى تلك القوانين وقراءتها بتأن حتى يتبين لهم صحة ما نقول. أما بعد الوحدة فقانون الخدمة المدنية رقم 19 لعام 1991م يحدد في مواده رقم 30 و 31 ومواده رقم 41،42،43،44 من هي الجهات المخولة قانوناً بالتعيينات والترقيات الخ.. وكل التعيينات السابقة تتم وفقاًُ لهذا الإطار وهذا لا يدع مجالاً للشك حول شرعية وقانونية التعيينات والترقيات السابقة للقانون الجديد.

كما انه وفي القانون الجديد رقم 43 لعام 2005م وفي المادة 25 فقرة (ب) ورد الآتي: «بالنسبة للحاصلين على درجات ورواتب وفق قرارات خاصة من جهات مخولة قانوناً بإصدار تلك القرارات يتم تسكينهم وفق وظائفهم التي يشغلونها أو شغلوها أو على وظائف تتناسب والشروط المتوفرة فيهم أيهما أفضل».

فمن هي الجهات المخولة قانوناً بذلك، لقد حددها قانون الخدمة المدنية في المواد التي ذكرناها آنفاً وهذه الجهات هي 1- رئاسة الجمهورية، 2- مجلس الوزراء، 3- الوزراء المختصون أو من ينوب عنهم أو من هو مخول قانوناً بذلك.. وكل ذلك لا يتم طبعاً الا بعد موافقة الخدمة المدنية والمالية ومعرفة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبات.

ولذا نرجو أن يتم العمل بالمادة رقم 25 فقرة (ب) في القانون الجديد وكذلك المواد الأخرى في قانون الخدمة المدنية، وأن يتم تطبيق ذلك على جميع موظفي الخدمة العامة والذين حصلوا على رواتب ودرجات مستحقة وفقاً للقوانين السابقة ودون أي اجتهاد يمس حقوق العاملين. والنقل إلى الهيكل الجديد يجب أن يتم وفق ما وصل إليه الموظف من درجة وراتب وليس عبر ارجاعه إلى سنوات خدمته الأولى وبتسكينه وفق مؤهله فقط عند التعيين مما يعني المساواة بين موظف اليوم وبين من خدم واكتسب الخبرة وقدم لهذا البلد زهرة شبابه وفكره وعمله، فهل يعقل هذا؟

كما أن ذلك يعني عودة الموظف إلى الوراء عدة عقود وبدء توظيفه من جديد، فهل لدى الخدمة المدنية القدرة لإعادة هؤلاء الناس إلى سن الشباب والبدء من جديد؟ لا أعتقد ذلك.

أما المادة رقم 134 من قانون الخدمة المدنية رقم 19 لعام 1991م فقد نصت على الآتي:

«لا يترتب على نفاذ هذا القانون سقوط مستحقات الموظف القانونية عن خدمته السابقة على نفاذ هذا القانون. كما لا يترتب على نفاذه أي مساس بالحقوق والمزايا القانونية المكتسبة للعاملين» .

فهل كان المشرع اليمني أكثر وعياً وإلماماً بإستحقاقات الناس مما هو عليه مشرعو القانون الجديد؟

إننا نؤكد أنها مواد ونصوص قانونية غاية في الوضوح والقوة وهي جزء من قوانين سارية المفعول. وإذا كان يراد الالتفاف على تلك المواد واستلاب حق الناس، أليس من الأجدر قبل كل شيء إلغاء تلك القوانين ثم تمرير ما شئتم؟ أما أن يتم تحييد تلك المواد فهذا أمر مخالف للدستور والعرف السائد.

إن ما حصل عليه موظفو الخدمة العامة خلال العقود السابقة هو حق مكتسب ومصان بقوة القانون ولا يمكن الالتفاف عليه من أي جهة كانت ولا يمكن تجاوزه أو تمرير اجتهادات مشبوهة تمس حقوق الناس وتقوم باختصار خدماتهم وحقوقهم المكتسبة وفق النسب 1:4، 1:5، 1:6 أي بما يوازي 1/4، 1/5، 1/6 خدماتهم الفعلية وحقهم المكتسب.

إن الشيء الوحيد في التعيينات السابقة هو وجود الازدواج الوظيفي وهو عمل غير شرعي وغير قانوني حيث أن هناك الكثير من الناس يشغلون أكثر من وظيفة في آن واحد فلماذا لم تتخذ بحق هؤلاء الناس الاجراءات اللازمة وفقاً للقانون النافذ في البلد؟ مع ان هذه مخالفات صريحة ولا لبس فيها.

التقسيم الوظيفي:
لاشك أن الكثير منا يدركون أن الإدارة الحديثة تهدف إلى تبسيط الاجراءات وهذا بدوره يؤدي إلى تقليص النفقات والجهد والزمن الذي يمكن إهداره في إنجاز عمل بسيط.

والإدارة المبسطة تعني تخفيف القيود على متخذي القرار وإعطائهم حرية التصرف في حل المشكلات القائمة، وهذا يعطيهم الثقة في قدراتهم ويدفعهم بالتالي إلى مزيد من العطاء الذي ينعكس خيراً على البلد.

ولقد أصبحت الإدارة الحديثة والمبسطة هي روح العصر، فأين نحن منها؟ فلماذا لا نعطي للفروع والإدارات حرية اتخاذ القرار؟ هل لأن الثقة شبه منعدمة بين المركز والفروع؟ وعلى أية حال يجب أن ندرك أنه لا يمكن إجراء أي اصلاح حقيقي يمس حياة الناس في ظل وجود الفوضى الإدارية والمركزية الشديدة والتعقيدات والروتين والبيروقراطية فالإصلاح الإداري يعني وقبل كل شيء الثقة بالناس وكذا تبسيط الاجراءات وشفافيتها.. وما هو معاش الآن في حياتنا للأسف الشديد بعيد كل البعد عن ذلك.

بعد ذلك نأتي لنلقي نظرة سريعة على هيكل الأجور والمرتبات الأخير والذي لم يكن موفقاً في عملية التقسيمات الأخيرة.. فكان الأجدر عمل تقسيمات وظيفية تتوافق مع ما هو موجود فعلا حيث أن ذلك سيؤدي الى سهولة الانتقال الى الهيكل الجديد وسيعطي كل ذي حقاً حقه حسب الدرجة التي وصل اليها فعلاً وليس العكس، فبعد أن كانت التقسيمات السابقة أكثر بساطة اصبحت اكثر تعقيداً الآن، حيث تم التقسيم الى 6 مستويات وظيفية وهي تشمل ما يقرب من 20 درجة مع وجود فجوات بين كل مستوى وآخر وبين كل درجة وأخرى، وهذا ما يحاول تجاوزه القائمون على القانون.. فالصعوبة ستكون ولا شك كبيرة عند البدء بالتطبيق الفعلي للقانون والذي لا شك سيأخذ وقتاً أطول مما يتصوره البعض.

وعند مقارنة الهيكل الجديد بالهيكل السابق سنجد أن الهيكل السابق أكثر بساطة وأكثر مرونة وهو يتكون من 5 مجموعات وظيفية و13 فئة وفي البدء كان هيكلاً للمناطق الشمالية الى ان تم تطبيقه على جميع موظفي الخدمة العامة في دولة الوحدة، ولقد اثبتث الأيام صلاحيته ومرونته اثناء العمل به.

أما هيكل الاجور للمحافظات الجنوبية فقد تكون من 21 درجة وظيفية تشمل كل المستويات من الأدنى إلى الأعلى، وكان ما يميز هذين الهيكلين أنهما كانا يتيحان للموظف المزيد من الحركة والترقي في سلم الوظيفة العامة سواء بصورة أفقية أو رأسية..أما الهيكل الجديد فكان من الأجدر أن يكون أكثر رقياً واكثر عدلاً، لكنه على العكس من ذلك أتى ليفرض مزيداً من القيود على حركة الترقي بل انه عمد إلى الالتفاف على الكثير من الاستحقاقات المكتسبة للناس، واعتبر أن كل ما صدر قبله وكأنه عمل غير مشروع، وهذا يعبر عن منتهى الافلاس، لأنه لا يمكن لا يمكن نفي أو إلغاء الآخر حتى وفي أحلك الظروف كما أنه لا يمكن الارتقاء إلى الجديد الا عبر المرور من خلال القديم وهذا ما أثبته العلم وكل التجارب الطو يلة البشرية، فالجديد يبنى دائماً على القديم.

وعند مقارنة الجدول الجديد للأجور بالقديم سنجد أن مجموعة كبيرة من الناس ممن كانوا في المجموعة الأولى تم انزالهم الى المستوى الثاني والثالث والرابع في الهيكل الجديد. ومن كانوا في المجموعة الثانية تم انزالهم إلى مستوى أدنى بين الثالث والرابع وحتى الخامس، فهل يعقل ذلك؟ ومن كانوا في المجموعة الثالثة تم انزالهم إلى المستوى الخامس والسادس.. وهكذا دواليك.

وكذلك من كانوا في المجموعة الرابعة والخامسة سيتم إنزالهم إلى المستوى الخامس والسادس، وحتى من حيث المربوط للمستوى الخامس والسادس نجد أن الفروقات بين درجة وأخرى ضئيلة جداً وتتراوح بين 1000، 400، 200 ريال.

فلماذا هذا التعقيد ؟ وما هي الحكمة من هذا التقسيم؟ حيث أنه كان بالامكان دمج درجات المستوى الخامس والسادس في مستوى واحد طالما أن الفرق بين درجاتهما ضئيل إلى هذا الحد.. وطالما أن الوظائف فيهما متشابهة للغاية وهي حرفية وشبه حرفية وخدمية. أما المستوى الثالث والرابع فيمكن أبقاؤهما 3 درجات فقط بدلاً من أربع حيث لا يوجد سبب منطقي لذلك التقسيم الطويل.

النقابات ودورها:
إن العمل النقابي حق مشروع قد كفله الدستور اليمني، وكذلك القوانين النافذة في البلد، وتاريخ العمل النقابي في بلدنا يعود إلى خمسينات القرن الماضي، والدور النضالي للنقابات محفور في وجداننا وهو معروف للجميع، والنقابات العامة تمثل جميع عمال وموظفي اليمن الذين ينضوون في اطارها، والنقابات العمالية متواجدة في معظم بلاد العالم حتى الرأسمالي منها.. وهي الممثل الحقيقي والوحيد للعمال في كل نشاط جماهيري أو نضالي وهي إحدى أهم مؤسسات المجتمع المدني المتحضر.. لكن للأسف الشديد عند البدء في مناقشة قانون الأجور والمرتبات لم يتم إشراك هذه المؤسسة في مناقشة هذا القانون، حيث أن ذلك حق مشروع لها، كونها تمثل معظم عمال وموظفي اليمن.. ولو أعطيت لها الفرصة للمشاركة لخرج علينا القانون في صورة أفضل مما هو عليه الآن، ولكان قد احتوى معظم استحقاقات الناس المشروعة عبر مشوار خدمتهم الطويل في اطار الوظيفة العامة. لكن للأسف الشديد لم يتم إعطاء هذه المنظمة دورها الرائد حيث انها في الأساس تمثل هؤلاء العمال والقانون يخص هذه الفئة من الناس بالدرجة الأولى فهل كتب علينا دائماً ان يقوم بمناقشة أمورنا أناس آخرون نيابة عنا وكأننا لم نشب عن الطوق، هذه هي المصيبة بعينها.

أنه لا يمكن بأية حال من الاحوال قيام الديمقراطية الا في ظل بروز دور مؤسسات المجتمع المدني والتي تمثل شرائح المجتمع كافة دون استثناء والتي هي قادرة على الاضطلاع بدورها الريادي في تحديث المجتمع وفي بناء حياة ديمقراطية تتحقق فيها مصالح الجميع.

فمتى يا ترى تعاد الهيبة للنقابات ويعود اليها دورها النضالي البارز الذي افتقدته في الآونة الأخيرة؟

وللأسف الشديد فقد كان الاجدر أن تبادر النقابات بالتوجه بمطالبها المشروعة أثناء المناقشات لهذا القانون في مجلس النواب، حيث أن شرائح كثيرة توجهت بمطالبها إلى المجلس فتم إدراج تلك المطالب كحق مشروع لها ضمن قانون الوظائف والأجور والمرتبات الأخير، ومن تلك الشرائح أساتذة الجامعات والأطباء والمعلمون ورجال القضاء ومراكز البحوث وغيرهم.

إننا نؤكد أنه بإمكان النقابات الآن القيام بتقديم مطالبها المشروعة الى الحكومة مباشرة حتى يتم تحقيق ولو الحد الأدنى من العدل للشرائح الدنيا من العمال والموظفين وكذا المتقاعدين والعمالة الفائضة ومن هم في حكمها فالجميع متساوون كأسنان المشط أمام الله وأمام القانون.

الخبرات والمهارات:

إن الكثير من الأدبيات وكذلك التجربة الإنسانية الكبيرة تتحدث عن الخبرة والكفاءة والمهارة وتؤكد أنها مرادف لصيق للتعليم وأنه لا يمكن فصل احدهما عن الآخر، وأنهما ركنان في اساسيات اي عملية معرفية متراكمة لدى الانسان منذ الأزل، لكنا للأسف الشديد فوجئنا كما فوجئ غيرنا من الناس بأن الخبرة والمهارة لها دور ثانوي وغير اساسي في قانون الاجور والمرتبات الأخير، فأي منحى يتخذه ذلك الموقف المتعمد من الخبرة في هذا القانون؟

لقد أتيحت لنا الفرصة للاطلاع على بعض القوانين الخاصة بالاجور والمرتبات لبعض الدول فوجدنا أنه لم يتم يوماً الفصل بين الخبرة والكفاءة عن التعليم بمختلف مستوياته، فأي عبقرية تلك التي أتحفنا بها المشرعون اليمنيون؟ تلك العبقرية التي تتجاوز وتلتف على استحقاقات ومكاسب حققها الناس بعد سنين من العمل المضني في إطار الوظيفة العامة.

فالموظفون والعمال حصلوا على تلك الخبرات والمهارات عن طريق التعليم والممارسة والتدريس المستمر، فلا يحق لأي جهة كانت اهدار هذا الحق المكتسب عبر سنوات العمر الطويل، وبهذا الصدد لا يسعنا إلا أن نذكر ما قاله أحد علماء الإدارة، حيث يقول د. مهدي حسن زويلف في كتابه (التنظيم والأساليب) ص 40 : «إن المهارة ستبقى رمزاً للعمل الجيد، كما ستبقى الخبرة مشعلاً ينير الطريق أمام كل عمل منتج»

وهذا يؤكد لنا أن الخبرة الانسانية كنز لا يفنى وأن التعليم دون خبرة يكون منقوصاً دائماً وهذا ما أكدنا عليه قبل 13 عاماً في إحدى دراساتنا حيث جاء فيها «إننا كنا ولا نزال نعتبر أن الانسان بخبراته المتراكمة سيظل اغلى رأسمال وأن الجهود الكبيرة والصادقة التي تبذل في سبيل تطوير الخبرات وتأهيل الموارد البشرية وبما يتناسب واحتياجات الاقتصاد الوطني إلى الكوادر والعمالة الفنية الماهرة ونصف الماهرة لهي أكبر إنتصار حققته اليمن في هذا المضمار».

فإذا كان هذا التصور يمثل اهم القناعات لدينا فلماذا نتراجع إلى الخلف بعد اكثر من عقد من الزمن؟

وللتدليل على أن للخبرة أهمية كبيرة في حياتنا نورد هذين المثالين:

1- في القرن الماضي ذهب مجموعة من عمالنا من ذوي الخبرات والمهارات الفنية لمواصلة التدريب في الخارج، بعضهم ذهب الى دولة عربية شمال افريقية والبعض الآخر ذهب الى يوغسلافيا السابقة، لقد ذهبوا للتدريب فتحولوا الى مدربين فقضوا فترة دوراتهم وهم يقومون بالتدريس، كان ذلك في القرن الماضي فهل تعون ذلك يا أولي الألباب؟ فمن اين اكتسب هؤلاء العمال تلك المهارات العالية؟ لقد اكتسبوها بالخبرة العملية ومن خلال عملهم مع خبراء اجانب من مختلف الجنسيات.

2- أثناء عملي في احدى المؤسسات في 80، 90 القرن الماضي، كان يأتي الينا طلاب من الجامعة ومن المعاهد التقنية للتدريب تحت اشرافنا ولم تكن لديهم الخبرة رغم دراستهم الجامعية التقنية، لكن بعد مضي بعض الوقت اكتسبوا بعض الخبرات البسيطة، بعدها تخرجوا وعملوا في مرافق ومؤسسات مختلفة وفرقنا الزمن.. ولكن بين الحين والآخر نلتقي ببعضهم، فماذا كانت النتيجة؟ إننا نرى امامنا اناساً آخرين غير الذين عرفناهم فهم الآن اكثر خبرة ودراية بتخصصاتهم وأصبحوا من الذين يشار اليهم بالبنان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى