بيت (جوته) في فايمار وبيت (حنبلة) في الشيخ عثمان

> «الأيام» صالح حنش:

> كانت زيارتي الأخيرة التي قمت بها لمركز «حنبلة» للتوثيق مؤخرا زيارة متميزة من بين مجموع الزيارات المتكررة لهذا الصرح الثقافي والحضاري التنويري، والذي يعد من معالم الإشعاع المعرفي في محافظة عدن بل وفي عموم الوطن اليمني، لما يحتويه مركز حنبلة للتوثيق من وثائق تاريخية ومخطوطات وصور وتسجيلات صوتية وكتب ومراجع ثمينة بما فيها من معلومات قيمة وثروة وطنية لا تقدر بثمن - من الناحية المادية - وهي ثمرة جزء من جهد أستاذنا الفاضل «إدريس أحمد حنبلة» المربي القدير والمناضل الوطني الغيور، والشاعر الفحل، والمؤرخ الفذ، رحمه الله عليه وجزاه عنا خير الجزاء، منذ تأسيسه رسمياً عام 1951م وتواصل ذلك الجهد واستمر بعد وفاته ورحيله عن دنيانا الفانية الى دار الخلود والبقاء من قبل كوكبة نوعية متميزة من أقرباء وأصدقاء وتلامذة الاستاذ «ادريس حنبلة» ومنهم تشكل مجلس أمناء المركز، والذين حرصوا بإصرار على أن يظل بيت حنبلة مفتوحاً أمام المثقفين والطلاب والدارسين والباحثين والمهتمين لينهلوا من ينابيعه الصافية التي لا تنضب ما يروي عطشهم الى المعرفة ويعينهم في حصولهم على الاجابات الشافية عما يشغلهم من اسئلة وقضايا في حياتهم ومجالات اهتمامهم.

وعلى هامش هذه الزيارة المتميزة السالفة الذكر، التقيت هناك في مركز حنبلة بعدد من الزملاء والاصدقاء صدفة ولأول مرة بعد انقطاع دام أكثر من 15 عاماً منذ عودتنا الى ارض الوطن الحبيب بعد انتهاء الدراسة في المانيا الديمقراطية سابقاً، وفي سياق حديث الذكريات جئنا على ذكر أستاذنا الراحل الحاضر ادريس حنبلة من وحي المكان الذي جمعنا في ذلك اليوم على غير موعد، والحضور الوجداني لصاحبه بيننا ولربما لتزامن آخر زيارة للأستاذ ادريس حنبلة الى جمهورية المانيا الديمقراطية قبيل وفاته مع فترة إقامتنا هناك.. ففي هذه الجزئية من شريط الذكريات تذكرت حرص استاذنا الفاضل ادريس وبإصرار على القيام بزيارة الى مدينة فايمار Weimar الجميلة، حسبي أن غايته من هذه الزيارة على وجه الخصوص بيت (جوته) رائد الأدب الكلاسيكي الألماني والشاعر الذي يعد من أشهر أعلام الأدب الإنساني ..هذا البيت الذي قضى فيه الشاعر الألماني (يوهان فولفجانج فن «جوته») سنوات طويلة من حياته وفيه ابدع أجمل وأروع نتاجه الأدبي شعراً ونثراً وكذا انتاجه الفكري، وتحول ذلك المبنى من مسكن - بعد وفاة جوته - إلى معلم من المعالم الثقافية والحضارية لمدينة فايمار بل ولألمانيا بأسرها وأصبح مزاراً أثرياً وتاريخياً يؤمه ويتردد عليه السواح والزوار من مختلف أرجاء الولايات الألمانية ودول العالم للتعرف والاطلاع على جوانب من حياة وإبداعات هذه الشخصية الفذة، وظل بيت جوته في مدينة فايمار منذ وفاته في 22 مارس 1832م وحتى يومنا هذا يحظى بكل الرعاية والاهتمام والعناية والمحافظة والحماية لكافة مكوناته ومحتوياته ومقتنياته الخاصة بهذا الشاعر، على الرغم من تعاقب الأنظمة السياسية وطبيعة الحكم السائد، تكريماً وتقديراً لجهوده وأدوار المتميزة في إثراء الموروث التراثي الفكري والثقافي والحضاري القومي، علماً أن كل هذا ليس خصوصية يتفرد بها الشاعر جوته وبيته بل إنها حالة عامة تشمل كل أولئك العباقرة والمبدعين العظماء في شتى مجالات الابداع العلمي والفكري والأدبي والثقافي.

لعل زيارة الى بيت جوته كافية لتبين للزائر مدى الموقف الحضاري الرفيع ومستوى التعامل العالي الذي يبديه المجتمع بكافة تكويناته ومكوناته ومؤسساته وأجهزته المختلفة رسمية وغير رسمية حكومية ومدنية، وفي مقدمتها مؤسسات السلطة التنفيذية المركزية والمحلية المختصة والمهتمة بهذا الشأن، تجاه عظماء الأمة وما تركوه من موروث تراثي قومي وثروة وطنية ثمينة.

من الجانب الآخر وعلى النقيض لما ذكر سابقاً يبدو لنا بيت حنبلة الكائن في أحد الأحياء الشعبية لمدينة الشيخ عثمان شارع الأردن، والذي لا يميزه عن بقية مباني الحي من الخارج سوى اللوحة المعلقة عند مدخل بوابته الرئيسية، المكتوب عليها عبارة (مركز حنبلة للتوثيق) والتي بالكاد وبصعوبة بالغة تقرأ نتيجة لعوامل التعرية ولظروف الطقس والمناخ في عدن.

أما المبنى المكون من طابقين فحدث ولا حرج..!

حشرت كل الوثائق والكتب والمقتنيات في صالة الطابق الأرضي (المكتبة) وبدون إضاءة كافية او وسائل تهوية وتكييف، على الاقل للحفاظ على محتوياتها من التلف والضياع.

وربما يعاني مجلس أمناء المركز من مشكلة تسديد فواتير استهلاك المياه والكهرباء والتلفون، وعدم القدرة على توفير الموارد والسيولة النقدية للقيام بأعمال الترميم والصيانة للمبنى الذي اصبح آيلاً للسقوط، ومن المؤكد أنه حتى جدرانه لم تطلَ منذ سنوات لأن الدعم المادي المنتظم الذي تقدمه مشكورة جامعة عدن لا يفي بكل هذه الأغراض.

اخيراً أتساءل عن المانع في أن يحصل بيت حنبلة في الشيخ عثمان على عُشر ما يلقاه بيت جوته في فايمار؟ على الأقل عملاً بالمثل الشعبي المأثور (من أجل عين تكرم مدينة).

وأجدها فرصة طيبة في هذه العجالة لأتوجه بالدعوة الى كافة المؤسسات والسلطة التنفيذية والمحلية والمدنية ذات الاختصاص للقيام بزيارة ميدانية الى مركز حنبلة للتوثيق لمعاينة حالته على الواقع. بعدئذ سيكون لكل حدث حديث.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى