قصة قصيرة بعنوان (الرسالة)

> «الأيام» عبدالله سالم النهدي:

> انقبضت نفسه وهو يقول: تباً ما هذا؟ تشبث مرة أخرى بالرسالة بيدين متشنجتين وراح ينظر إليها دون أن يبصر حرفاً هذه المرة .. ضغط على شفتيه بحنق وأطلق زفرة من أغوارة :ماذا يعني هذا؟

رقدت بين يديه الرسالة مستكينة بهدوء، وهي تحمل من عبارات التهديد والوعيد ما يرعب الصخر، بل هي الشر ذاته.. عاد يكرر قراءة عبارات «سأنسف مستقبلك» «ساجعلك مدار حديث الناس واحتقارهم أيها الهادئ الرصين»، «بل إنك سافل» ، «(هدى).. عندي ما يثبت تورطك في إقامة علاقة معها».

- اللعنة .. ماذا يعني تورطي بعلاقة مع هدى.. ثم «هدى» نعم كانت زميلة أيام الدراسة في الصبا، ولكن أقسم أنها لم تعرني أدنى انتباه أنا تحديداً، صحيح الآن نعمل معاً في مدرسة واحدة ولكن.. ثم هي متزوجة منذ أكثر من عامين .. الكارثة أن علاقتي بزوجها ليست حسنة.. وهذا ما يعقد الأمور ويزيدها سوءاً لو ظهر كلام كهذا.

ما يؤرقه في الرسالة ويثير قلقه أيضاً هو ذلك الشيء المألوف الذي يحسه فيها، يلمحه قريباً منه لدرجة الارتباط بكيانه، وكأن ثمة حلماً حدث له قبل ذلك رأى فيه الرسالة وعاش تفاصيل الواقعة. تحسس رأسه ليتأكد من أنه لم ينفجر بعد.

قرأ أحمد الكلمات بعمق وقلق وكأنها تعنيه هو، كانت كل عبارة تفضح مدى كراهية كاتب الرسالة وحقارته، ولما قرأ فقرات حكاية هدى توقف ورفع رأسه قليلاً وابتسم ابتسامة ماكرة ناظراً بطرف عينه الى معتز بلمحة خاطفة، وعاد يكمل.

كاد معتز يصرخ فيه (ألف لعنة حلت عليك إن صدقت حرفاً واحداً من هذا الهراء) ولكنه تراجع - ربما قالها في أعماقه -وقال بحيرة: حقاً لا شيء في الرسالة يدل على أنها كتبت لي.. لا اسم ولا عنوان .. ولكن وجودها بين أوراقي حتماً يدل على أنها لي.. لقد وضعها مرسلها خلسة حتى لا أعرفه- بالتأكيد هو قريب مني بدرجة مكنته من الوصول إلى أوراقي - فتفسد خطته الشيطانية .. والخط.. نعم يبدو لي مألوفاً، بل أعرفه لكن لمن؟ لا أدري.

أنصت أحمد، وهو يحرك رأسه بأسى وإشفاق باهتمام لما يقول صديقه معتز، ثم عاد يتفحص الرسالة، أمعن النظر في شكلها وبعد أن كاد يلتهما بعينيه قال متعجباً:

- ألا ترى أن الغريب في هذه أنها قديمة جداً، نعم مازالت في حالة ممتازة ولكن انظر إلى الورقة.. إنها من نوع من الدفاتر المدرسية التي لم تعد مستعملة الآن، ربما منذ زمن طويل، دعك من الأسلوب الرديء، أسلوب مبتدئ.

مد معتز يده منتزعاً الرسالة من صديقه في ذهول شديد وهو يقول:

- نعم هذا ما لم أدركه جيداً، لقد شدني المحتوى ونسيت..

بتر كلامه وفتح عينيه بقوة.. أدخل الرسالة فيهما، وتبدد شعور الخوف والقلق والحيرة فانتابته نوبة ضحك هستيرية على إثرها صاح:

- خطي .. نعم إنه خطي.

انتزع أحمد الرسالة وهو يصرخ: ماذا؟ . وبعد النظر فيها قال بإشفاق :

- لا..لا..لا أعتقد ذلك.

- بل هو خطي منذ أكثر من عشرين عاماً.

تصلب أحمد في مكانه وهو يقول بغضب : سحقاً ماذا تقول؟ وبماذا تهذي؟

- نعم هذا خطي منذ اكثر من عشرين عاماً حين كنت صبياً.. وربما هذه الرسالة كتبتها حينذاك من كتاب أو صحيفة أو ربما متأثراً بفلم سينمائي أو ..لا.. لقد كتبتها لأؤذي بها شخصاً ما .. أتذكّر ذلك جيداً .. إنها...

عاودته نوبة الضحك الهستيرية وهو يكمل: لك..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى