مشكلة التعليم الجامعي وضعف المناهج الدراسية

> «الأيام» د. محمود شائف حسين:

> المعضلة الأساسية التي تواجه مجتمعنا اليوم وتمثل تحديا حقيقياً في المستقبل تكمن في مشكلات التعليم وتدني مستوى المناهج الدراسية وعدم قدرتها على مواكبة التطورات المتسارعة التي تفرضها الثورة العلمية والتكنولوجية في مختلف المجالات، وهو ضعف ناتج عن خلل بنيوي في الجهود الحالية لمختلف أنساق العملية التعليمية والتربوية، بما فيها هيئات ومراكز البحث العلمي المنوط بها عملية إنتاج المعرفة وإعداد الأجيال بما يحقق أهداف المجتمع وأهداف العملية التعليمية في بناء جيل مكون تكوينا سليما ومتوازنا من كل النواحي العقلية والنفسية والاجتماعية والمعرفية والقيميّة، جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل واستيعاب متغيرات العصر الجديدة برؤية نقدية وتحليلية ثاقبة ومتنورة وبما يمكنه من المساهمة الفاعلة في بناء مجتمع الغد وتحمل مسؤولياته الاجتماعية وقيادة سفينة المستقبل نحو بر الأمان.

والواقع أننا لا نستطيع أن نفصل مشكلات التعليم الجامعي وما يعانيه من خلل عن تلك المشكلات المتراكمة التي يعيشها التعليم الأساسي بمختلف جوانبه التنظيمية والإدارية والمعيارية والقيميّة، والذي لازال يغرد في أفق بعيد جدا عن ملامسة إيقاع العصر وظروف الواقع وهمومه بكل تجلياته المتعددة.

لا شك أن ثمة جهوداً (مبعثرة) تبذل هنا وهناك لإصلاح التعليم، لكنها تفتقر الى وجود رؤية علمية حقيقية وإلى الاستمرارية والشمول.

إن مفهوم الإصلاح والتحديث لا يقاس فقط بمدى نشر التعليم وتوسيع نطاقه، ولا بعدد المدارس والجامعات أو بعدد التلاميذ والطلاب على أهمية ذلك، بل بمدى قدرة المدرسة والجامعة على تحسين مستوى الاداء التعليمي والارتقاء بنوعية التعليم الذي يتلقاه التلاميذ والطلاب وبقدرتهما على القيام بوظيفتهما الاجتماعية والانسانية في حياة المجتمع.

كما أن المفهوم الجديد للتعليم يقوم على كيفية تحقيق التفاعل بين طرفي العملية التعليمية (المدرّس والطالب) وهي الحلقة الغائبة في التعليم المدرسي والجامعي على السواء، وذلك بهدف تنمية الجوانب الفكرية والمعرفية لدى الطالب وتحفيز واستثارة قدرته على التفكير الحر والمستقل وعلى الخلق والابتكار والبحث والتحليل لكل ما يتلقاه ويعطى له من معارف ومعلومات.

بمعنى آخر أن التعليم التقليدي المتبع حتى الآن في المدرسة - الذي للأسف مازال يسحب نفسه على التعليم الجامعي- يقوم على ثنائية العلاقة المباشرة التي تربط بين شخص راشد يقوم بتعليم أسس ومبادئ المنهج الدراسي عن طريق التلقين والحفظ والسرد، وبين طفل صغير عليه أن يصغي ويستمع دون أن تترك الفرصة له للمشاركة والنقاش والتعبير عن آرائه وأفكاره.

هذا النوع من التعليم لم يعد يتماشى مع ظروف الواقع الجديد ولم يعد قادرا على تلبية متطلبات الأجيال وإشباع احتياجاتها المختلفة في ظل التقدم التكنولوجي الذي يمثل ثورة خاصة في مجال المعلومات والاتصالات «حيث يمكن لهذا الأسلوب أن يجعل دور المعلم هامشيا الى حد كبير، ويمكن الاستغناء عنه إذا توافرت أساليب أخرى أكثر فاعلية تحقق للطالب درجة أعلى من التفاعل والتواصل، والدليل على ذلك هو أن الدارس اليوم يمكن أن يتلقى المعلومات عن طريق أشرطة الفيديو أو التلفزيون دون الحاجة الى حضور الدروس في المدارس والمعاهد»، كما يقول (احمد ابو زيد في مقال في مجلة «العربي» الكويتية، العدد 549 ص 34) كل ذلك يؤكد أننا لسنا فقط بحاجة الى تحديث وتطوير المناهج الدراسية وطرق وأساليب التدريس المستخدمة حاليا، بل إلى إعادة النظر بفلسفة وأهداف نظم التعليم نفسها حتى يمكن للتعليم الجامعي تجاوز حالة العجز الذي يعانيه والنهوض بدور الجامعة على نحو يحقق أهداف المجتمع وأهداف العملية التعليمية وتطلعات الاجيال المتعاقبة في التقدم والرقي والاستقرار.. في عصر تتغير فيه المعلومة كل دقيقة وكل ثانية، بينما مازالت أغلب مراجعنا ومناهجنا تعود إلى خمسينات وستينات القرن الماضي.. ومع ذلك نتحدث عن التحديث والتطوير!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى