مع الأيــام..دفعنا الثمن فهل يخذلنا البنك المركزي؟

> د. محمد حسين حلبوب:

> دفعنا ثمن (جرعة الوداع) باهظا، حيث كانت الخسائر البشرية كبيرة (40 قتيلا و375 جريحاً). وكانت الخسائر المادية الناتجة عن أعمال الشغب والنهب وقطع الطرق غير قليلة، انخفض المستوى المعيشي لكثير من فئات المجتمع بما يساوي حجم الزيادة في الأسعار، أما الخسائر المعنوية، وهي الأكبر والأطول تأثيراً على مناخ الاستثمار في اليمن، فلن يعرف حجمها إلا بعد فترة ليست بالقصيرة.

الآن وبعد أن دفعنا الثمن! بدأت تظهر بعض القرارات والإجراءات اللافتة للانتباه، كان أولها قرار تعديل أسعار بعض المشتقات النفطية (من 65 إلى 60 للبنزين، ومن 45 إلى 35 للديزل والكيروسين)، ثم توقيت إجازة رئيس مجلس الوزراء، ثم إجراء تأجيل دفع الزيادة في المرتبات والأجور إلى سبتمبر بدلاً عن أغسطس، ثم تصحيح أو تعديل هيكل الاجور والمرتبات، ثم رسالة رئيس الجمهورية بخصوص درجة (الوزير) التي منحتها الحكومة لعضو مجلس النواب، ثم الغموض حول إمكانية دفع الزيادة في الأجور والمرتبات في سبتمبر من عدمه. وكل ذلك يشير إلى أن السلطة التنفيذية وإن كانت متفقة على الاتجاه العام للإجراءات الاقتصادية المتخذة، فإنها بكل تأكيد ليست على اتفاق تام بخصوص التفاصيل.

وهنا يجب التنبيه إلى أن النتائج الإيجابية التي نأمل تحقيقها، في المحصلة النهائية لتطبيق (جرعة الوداع) - أو (حزمة السياسيات) كما يحب أن يسميها رئيس الوزراء- تعتمد على مدى توافق السياسات المختلفة لجميع وزارات الحكومة والبنك المركزي في إطار واضح ومحدد الاتجاه والسرعة والتوقيت. وهذا غير متوفر - حتى الآن على الأقل - فبينما تسعى الحكومة برئيسها ومعظم وزرائها للسير ضمن الركب العام لدول الخليج والجزيرة وبقية دول آسيا، من خلال الانتقال سريعاً من سياسات الركود الاقتصادي إلى سياسات الانتعاش، عبر تنشيط الطلب (بزيادة الأجور والمرتبات وزيادة الإنفاق على التنمية)، فإن البنك المركزي اليمني يقف متلكئا - كعادته - وعاجزاً عن مواكبة متطلبات عملية الانتقال التي تسعى إليها الحكومة.

إن سياسات البنك المركزي خلال السنوات القليلة الماضية لا تعطينا إلا دلائل واضحة على عدم الكفاءة وضعف التأثير واتخاذ الإجراءات بشكل متأخر، فلا زلنا نتذكر الطبعات المعيبة من فئات الأوراق النقدية (500 ريال) والمسكوكات النقدية المعيبة، وآخر أمثلتها مسكوكة (20 ريالا) - التي تم إنزالها مؤخراً - وذلك دليل واضح على الفساد والتسيب الإداري.

وفي مجال السياسات النقدية، فلا يستطيع البنك المركزي أن يفخر بإجراءاته الصائبة، فلا تزال عملتنا اليمنية تتدهور، حتى عندما وصلت الاحتياطيات من العملة الأجنبية لديه الى أكثر من ( 5 مليار دولار). وتعتبر سياسته في مجال سعر الفائدة أحد المعوقات الرئيسة للاستثمار في اليمن. كما إن تدخلاته في السوق النقدية باستخدام أذون الخزانة كانت مكلفة وضعيفة التأثير.

إن موقفنا المتشكك من قدرة البنك المركزي على مواكبة المتغيرات المالية والاقتصادية، لا ينبع فقط من تاريخ سياساته السيئة، لا بل إن مواقفة الأخيرة - قبل وأثناء تطبيق الجرعة - كانت مرتبكة وغير مفهومة، فلا يمكن تبرير التأخير في تدخل البنك لتخفيض سعر الدولار، الذي وصل في مايو الماضي الى (197 ريالا)، وتسبب في ارتفاع أسعار معظم السلع المستوردة، فوضع الحكومة، قبيل تنفيذ الجرعة، في موقف حرج للغاية.

لقد وعدت الحكومة، على لسان رئيسها وبتصريحات معظم وزرائها، أن الزيادات في الرواتب والأجور لموظفي الدولة سوف تستلم في شهر سبتمبر وبأثر رجعي من يوليو. كما إن التخفيضات المقرة في بعض الضرائب والرسوم الجمركية أصبحت سارية المفعول، ودعم الزراعة، وزيادة الإنفاق على الأسر الفقيرة، أضحى اخلاقياً غير قابل للتأجيل، فهل تهيأ البنك المركزي لمواجهة المتطلبات النقدية لذلك؟

إن امام البنك المركزي خلال الأشهر القليلة القادمة (امتحان انتقالي حاسم) يتمثل في (تلبية متطلبات الحكومة لتحقيق وعودها، مع الحفاظ على مستوى سعر العملة اليمنية، أدنى من 200 ريال لكل دولار، حتى نهاية عام 2006م).

فإذا ما نجح البنك في (الامتحان) فإنه سوف يحافظ على ما تبقى من (مصداقية الحكومة) ويثب جدارته (كبنك الحكومة ومستشارها الاقتصادي) عندها يمكن لاقتصاد اليمن أن ينتقل - مترافقا مع اقتصاديات دول الجزيرة والخليج- من الركود الاقتصادي الذي طالت مدته، الى بدايات الانتعاش الاقتصادي، الذي يقوده الارتفاع الكبير في عوائد النفط.

أما اذا فشل البنك المركزي في الامتحان، ومعيار الفشل يتمثل في:

إما تعطيل او تأخير تنفيذ الحكومة لوعودها (في زيادة الرواتب والأجور، وزيادة الدعم للزراعة، وزيادة الإنفاق على الأسر الفقيرة)، او تحقيق وعود الحكومة مع تدهور سعر العملة اليمنية، ليتجاوز سعر الدولار مستوى 200 ريال يمني.

عندها لن ينتهي (مسلسل الإصلاحات السعرية) القاسية وغير العادلة، ولن يواكب اليمن المسيرة الاقتصادية لجيرانه، في (انطلاقتهم الثانية)، وسيتخلف عن ركب التطور الهائل في قارة آسيا بقيادة الصين والهند. عندها سيكون تخلفه مصدر خطر على ذاته وعلى جيرانه.

باختصار نقول:

اليمن في ملعب البنك المركزي، فبيده إبقاؤها في آسيا وعلى يده قد تنزلق نحو افريقيا.

اللهم ابعدنا عن افريقيا.. آمين.

استاذ الاستثمار والتمويل المساعد - جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى