قراءة في نصوص منتقاة من وحي البشارة الأولى لغادة الحرازي

> «الأيام» د. هشام محسن السقاف:

> ليس للمرأة ص مكنونات وجدانية إلى تكوينات أوسع، تتلاحق وكأنها صناعة حجر، تلقيها يد مجهولة في بحيرة آسنة، لتتلاقح في نطاق الارتجاج الوجداني المدوي، وفي صمت التلقائية الإبداعية وصدقها، ودون أن يتراخى ألق التجربة إلا بانتفاء الريادة والصدق، موهبة تحدث الدهشة الجمعية في نفوس المتلقين.

تقول نظماً صاحبة (بوح السنابل) الشاعرة غادة الحرازي:

أكملتُ نصف الدائرة

وحبست حزني في مرافئه الشجية

موجة من بحرها انسلت وغاصت

في فيافي الذاكرة

أكملتُ نصف الدائرة

إن دوائر الإبداع نصفية أو هلالية لا تكملها النصوص القادمة، هناك بحث أسطوري في ثنايا المخبوء يشبه مأساة سيزيف حامل الصخرة - ليس في العبثية التراجيدية التي تخلقها في النفس الأسطورة، بل هي العبث والتراجيديا والملهاة وكل الصنوف المتيسرة، لتحط الفكرة قلقة في سماوات تنفتح على أخرى، ويظل الشتات الحسي مدعاة بحث في ذوات الفكرة حتى ننتج فكرة أخرى وبحثاً آخر عنها.

«يُعرف فوكو (Foucault) الخطاب بأنه طريقة في الحديث عن شيء ما ينشأ بفضل هذا الفعل ذاته، وما نشأ في الحديث عن نظرية أدب أنثوية (Feminist Literary Theory) هو مفهوم أن الشعر، والأدب كله في الحقيقة يحمل خصائص النوع. وتوضح نظرية الأدب الانثوية أن هوياتنا ا 1996).

تبوح صاحبة الديوان (غادة الحرازي) همساً وربما صخبا كالهمس، فيما يشبه التروض في ميدان الشعر، تروح وتغدو بين تقاليعه المختلفة، الحداثية والخليلية، دون أن تخطو - أحياناً- أبعد مما خلفته القصيدة النزارية. نقرؤها في «الأنثى والآخر»:

رباهُ أنثى

ما جنيت إذا أنا أنثى

ولدتُ رباهُ أنثى

ما جنيت إذاً بالفطرة السمحاء مذ يومي فطرتُ..

رباه أنثى

هل لأجل الذل يا ربي خلقت

رباه ضقتُ وضاقت الدنيا ومن فيها علي

والهم يأكلني أيا ربي ولم تجن يدي..

ونحن نتذكر بالفطرة السمحاء نفسها «حبلى» نزار التي التمع قبس الاهتداء إليها على إحدى درجات السلم كما أتذكر، مع استغراق (هنا) أكثر في الياء البكائية وإن بتفعيلات أخرى جديدة غير ملزمة إلا في حدود التضييق على الحس الوجداني ومنعه من التشظي كثيراً من الفكرة ذاتها إلى أفق أرحب، مما عطل قليلاً من انبلاج (الآخر) ووضوحه في النص بعد استغراق في الذات طال حتى نهاية المشهد الشعري.

هل أنا شيطانة

والآخر الخشنُ المبجلُ

جاز أن يُدعى ملاك؟!!

إن الخروج من المألوف بتجليات القصيدة «الومضة» وبإحداثية الدهشة والمباغتة ابتكار يخترق حالة السكون في مجريات النص.

وتطويع لفظة «كرمالي» في قصيدة حملت العنوان نفسه - كرمالي- بتسجيل أعلى درجات الانفعال العاطفي وإفراط محمود في مدح الذات شعراً.

تقول الشاعرة غادة الحرازي:

كل الكلام وقبل تنطقه اشتكى

من روعتي، ومروءتي وجلالي

عانى الحديث، وقبّل الحرف الصدى

لله كم يسبيك فرط دلالي

لي من أريج الزهر أجمل ما به

فتن كثارٌ ما مررن ببال

فإذا رأيت الصبح غرد طيره

فأعلم بأنهما هنا (كرمالي)

وبعد، فإن ديوان الشاعرة غادة الحرازي إشراقة نور في سماء تتوق لوميض القريض وإيحاءاته وتجلياته المتعددة، وهو على صغره (77 صفحة من الحجم الصغير) و23 قصيدة متنوعة، فإنه يشكل إيذاناً بميلاد شاعرة لا تنقصها الموهبة، سوف تتجذر تجربتها الشعرية مع الأيام، وتحتل مكانتها بين أرباب النفوس الشاعرة الذين يترجمون إيقاع حياتنا الرتيب إلى قواف وأنغام من حالة اليباس والتكرار إلى حالة من التجدد والتنوع والتلون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى