مع القرآن

> «الأيام» علي بن عبدالله الضمبري:

> يقول الله جل وعلا في الآية 183 من سورة البقرة : {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} وتركيزنا ينصب هنا على الكلمتين الأخيرتين من الآية {لعلكم تتقون} لأنهما تحددان هدفية الصوم، وبهما تتضح أهميته، وتتجلى غايته، وهذه العبارة القرآنية المقدسة توجز وتختصر البعد التربوي لهذه العبادة السامية بأهدافها الاعتقادية، والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية على حد سواء..إن هذا القرآن الحبيب يهدي إلى تشكيل شخصية الإنسان وفق رؤية توحيدية عبادية تؤهله لامتلاك القدرة على تحقيق التفاعل الإيجابي من خلال منظومة المبادئ القيمية القيمة التي تثبت وتؤكد وتحقق الإعجاز القرآني بالانجاز القرآني،ضمن الطاقات المذخورة والإمكانات المتعددة التي أيقظها الوحي القرآني في الوعي الإنساني.. ذلك لأن القرآن منذ كلماته الأولى.. حدد أهم الأسس التربوية القادرة على تعزيز وتكوين الارادات الخيرة، واكتشاف وصقل المواهب المتنوعة وتنمية القدرات وتربية الميول والرغبات، والتزود بالمهارات العلمية والعملية التي تهيئ المسلم للتعامل مع واقعه للارتقاء به إلى المثل الأعلى.. وبهذا كله ينمو (تقوى القلوب) حتى يتحول إلى موقف وسلوك ورؤية وإرادة. وكلمة التقوى مشتقة من قولك: وقاه الله وقياً ووقاية بمعنى صانه صيانه، ووقاه بمعنى حماه والتوقية: الكلاءة والحفظ، واتقيت الشيء: حذرته، ورجل تقي ويجمع على أتقياء - معناه: أنه موقٍ نفسه من العذاب والمعاصي بالعمل الصالح (راجع معجم لسان العرب - لابن منظور).

إذن توحي كلمة التقوى بمدلولات متعددة أهمها: الوقاية، والحفظ،والحرص، والحذر، والانتباه، واليقظة، والاستعداد، والشعور بالمسؤولية، والإحساس بالتبعة والخوف من العواقب، ولذلك يؤسس المسلم بنيانه العقدي والفكري {على تقوى من الله ورضوان} التوبة 109. ويتزود في حياته العلمية والمعرفية والسلوكية بالتقوى : {فإن خير الزاد التقوى} البقرة 197 . ويجعل التقوى شعاراً ومناراً ودثاراً ولباساً وستاراً {ولباس التقوى ذلك خير} الاعراف 26.

إن فريضة الصوم تعمل على تشكيل القيم والمثل ذات الأساس العبادي والهدف الاجتماعي، لأن الامتناع الجماعي عن الطعام والشراب والشهوات يتحول إلى جسر للعبور إلى مثاليات رائعة تعلم المسلم الصائم أن يمتنع عن الكذب والغيبة والنميمة والزور والصخب والسب والشتم والنظرة المحرمة، مع الشعور بجوع الجائعين لتعميق الرغبة الوجدانية في الإسهام بالتخفيف عنهم بالزكاة والصدقات، وهذه كلها اختبارات وابتلاءات لكل { الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} الحجرات 3 . فمن هو الذي سينجح في هذا الشهر؟ ومن سيربح إلى أبد الدهر؟ اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ومن العمل ما ترضى .. آمين. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى