التسامي

> «الأيام» أبوبكر السقاف:

>
أبوبكر السقاف
أبوبكر السقاف
أدخل س. فرويد هذه الكلمة الألمانية «سبليميورنج»، مفهوماً لوصف أحد ميكانيزمات توظيف طاقة «اللبيدو» ذات الميول الجنسية لإشباع حاجة نفسية، وفي معناه العام يستخدم المفهوم باعتباره مرتبطاً بمسار تتحول فيه الطاقة الغريزية بعد شحنها إلى سلوك غير غريزي، كما يقول وايكروفت، فالفرد في ظل مبدأ الواقع، أي كل القيود التي يفر منها الوسط الاجتماعي يحاول البحث عن طرق يعوض بها غياب الإشباع الجنسي المباشر، والتسامي يحتل مكانا خاصاً في نطاق هذه الطرق. فالنزوع الجنسي يرفض هنا هدفه الأساسي: استمرار الجنس البشري، ويوجه طاقته نحو هدف آخر، يرتبط وراثياً بالهدف الأساسي، ولكنه لم يعد بعد جنسياً، بل يستحق أن يوصف بأنه هدف اجتماعي (فرويد).

إن نظرية التسامي بما هي أساس للإبداع الفني، أو أي إبداع آخر، هي لب التصورات الاستاطيقية (الجمالية) في التحليل النفسي، فكل عمل فني يفسر على أنه عملية تسام، يقوم بها الفنان، عندما يكظم النزوع الجنسي، ويصبح السياق الجنسي كامناً في مسار تفسير العمل الفني، وهذا يعني قضايا الأسلوب، وبناء الصورة الفنية تخرج عن دائرة اهتمام المحلل النفسي، ويبقى المتاح أمامه الجانب العام من الموضوع والنمط النفسي الذي ينتمي إليه الفنان. وهذا سبب النقد الموجه إلى مدرسة التحليل النفسي، فهي تقوم باختزال للعمل الفني إلى أطر أحداث جنسية، تقوم بالتنقيب فيها، فيتغيب تعدد الصور الفني في العمل الفني عن مجال التحليل. إن ما يقدمه فرويد، أي الدور الاجتماعي النافع للتسامي ، يبدو غير كاف لتفسير ظهور العمل الفني «إن المنفعة الاجتماعية، هي ورقة التوت التي تطمح إلى ستر الجهل، عندما يدور الحديث عن مشكلة القيمة، التي تثيرها نظرية التسامي» (ب . ريكور) لا يجيب التحليل النفسي، بنظرية التسامي عن ظاهرة الإبداع بما هو قيمة، إذ تطل هذه القضية خارج إطارها. ولا إجابة أيضاً عن لماذا ينتج عن التسامي هذا اللون من العمل الفني وليس ذاك؟ إن التسامي ميكانيزم وصف تفسيري. يقول عنه عالم الأمراض العقلية الكبير!. بيرن، إن الجهد البشري الهادف يمكن تفسيره بفكرة «فيسيس» الطبيعة وهذه جبلة فيه، تدفعه في طريق التقدم.

ينصب نقد مذهب فرويد، على تشاؤمه المتطرف، فهو منذ البداية مدفوع بعقدة أوديب (أوديبوس) إلى مأزن لا فكاك منه. والفنان يتحرك في مجال هذا المأزق، ولكنه يملك إمكان التسامي، فيحول إحساساته الجنسية إلى مسارب الإبداع، ويمكن بالطبع العثور على تلك الرغبات الأرضنة. فالتحليل النفسي قادر على العثور على صفات الشخصية المخصية، أو المرحلة الشرجية من التطور الجنسي في أكثر الأعمال الفنية سمواً وتسامياً.

تتركز نظرية التسامي، مثل سائر مقولات ونظريات التحليل النفسي على ما يمكن تسميته «بالسيرة الجنسية» عقدة أوديب، مثلث أوديب، وهو ما أثار نقداً شديداً في منتصف القرن العشرين، وقبل ذلك بقليل، بل إن ظهور الفرويدية الجديدة، كان محاولة للخروج من أسر مثلت الأسرة، إلى رحاب المجتمع ، ولكن النقد الأشد جاء على يد ج. دولوز، وف. جايتاري، في كتاب مشهور: «الرأسمالية والشيزوفرينيا»: ضداً على أوديب (1972) وأصبح يعرف بالعنوان الفرعي بعد ذلك، وكان رداً يسارياً وفوضوياً معاً في غمرة تمرد الطلاب في الستينات ومطلع السبعينات، وكذلك «علم النفس: فوق الذاتي» عند س. جروف ، وذلك في إطار مفهوم الفنون الهامشية، بل إن دولوز وزميله جعلا الفنان مريضاً في «مجتمع مريض» ولا يمكن فهمها إلا بالتحليل الشيزوفريني (الفصامي).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى