الحكم المحلي واسع الصلاحيات كيف يبدأ؟ و ما هو؟

> بدر سالمين باسنيد:

> في المقال السابق في عدد «الأيام» 4609 يوم الثلاثاء 11 أكتوبر 2005م الموافق 5 رمضان 1426هـ ذكرت أنني سوف أتحدث بعد ذلك المقال عن طبيعة وماهية ما نريده من تغيير في بناء سلطة محلية بصلاحيات واسعة تعمل في إطار ديمقراطي داخل دولة واحدة.

وبطبيعة الحال لن أسجل نصوصاً للقانون المطلوب، لأن هكذا مقالات ليست مجالاً لكتابة وعرض نصوص للقانون، ولكن سوف نستعرض بقدر الإمكان بشكل واضح القواعد الأساسية التي يجب اعتمادها في نصوص تنظيم الحكم المحلي الواسع الصلاحيات المنشود ليكون طريقاً من طرق التغيير المطلوب للوصول نحو مجتمع ديمقراطي حقيقي. الديمقراطية وحقوق الإنسان شرط جوهري لا بد من الإقرار بهما، وتحسين سجل البلاد في الديمقراطية وحقوق الإنسان هو أحد الأركان الهامة التي سوف يتم بناء قانون سليم لحكم محلي واسع الصلاحيات عليها.

والآن - كما قلنا سابقاً - إجراء تغيير في (قانون السلطة المحلية) قد لا يبدو واضحاً من هذا التغيير سوى تعديل لنصوصه، وليس لقواعد الأساس للقانون ولو صدق هذا المعنى فإن الأمر برمته لن يكون التغيير الذي ينشده الناس، لأن التغيير الذي يطلبه الناس واسع في معانيه ويصل إلى تغيير المفهوم الذي أخذ به قانون السلطة المحلية ويمكن الإشارة مثلاً إلى أن المجالس المحلية المنتخبة محلياً من قبل المجتمعات المحلية ليست مستقلة في قراراتها.. وقراراتها يمكن أن يلغيها ويؤثر فيها وزير الإدارة المحلية، وهناك بعد ذلك إجراء شكلي (يوحي بالديمقراطية) وهو حقيقة عكس ذلك وهو إنه إذا أصر المجلس المحلي على موقفه فإن الأمر سيتقرر في مجلس الوزراء، وهذه الصورة يستطيع المبتدئ في القانون أن يشاهد فيها هيمنة السلطة التنفيذية وجهاز صغير فيها على نشاط (السلطة) المحلية، ويشاهد الخلط في الألفاظ كما يظهر في تسمية القانون (سلطة) وإشراف الوزير «للإدارة» المحلية.. ويمكن مشاهدة أمور عدة أخرى تؤدي في الأخير إلى فهم أن هذه المجالس المحلية لا تحكم، ولا تقرر إلا ما يتوافق مع مصلحة (السلطة) (الدولة) ويظهر بشكل واضح الصلاحيات الواسعة لأجهزة الحكومة في رقابة نشاط هذه المجالس وجهازها التنفيذي.

لذلك نقول إنه على الناس أن تعرف جيداً حقيقة الطبيعة لمثل هذه التشريعات والتي تعطي صوراً من الوهم حول الديمقراطية وترسل إشارات غير حقيقية عن الديمقراطية في المحليات، ولذلك فإن ما هو مطلوب اليوم هو أن يكون لهذه المحافظات حقوق واضحة في حكم نفسها، مطلوب أن يكون هناك قانون وتعديل أو تغيير مجموعة قوانين تضع قواعد واضحة وصريحة.. يتم كتابتها بألفاظ واضحة، وبدون التواء تعطي المجتمعات المحلية حق حكم نفسها بنفسها وبموجب صلاحيات واضحة أيضاً، ولتحقيق ذلك لا بد من إقرار حق هذه المجتمعات المحلية في انتخاب مجالس محلية تشريعية، وتشكيل حكومات محلية وبصلاحيات واسعة في الحكم المحلي للإقليم وأن يتجدد في دستور جديد العلاقة بين السلطتين المحلية والمركزية.

ولكي تقوم هذه السلطة المحلية في الإقليم- أياً كانت التسمية- محافظة أو غير ذلك فإنه يتوجب أن يكون لهذه السلطة المحلية من الأموال ما يكفيها للقيام بهذا الحكم. وهنا أذكر بما أشرنا إليه في المقال السابق إلى ما جرى ووضعنا فيه من وهم كبير حول (المال /الإيراد السيادي) و(المال/ الإيراد المحلي).

مسألة المال ربما هي الركيزة الأكثر أهمية في إنشاء حكم محلي واسع الصلاحيات، لأنه بدون - أولاً- الاعتراف بحق سكان المناطق في ثروات مناطقهم وحقهم في استعمالها واستثمارها بما يكفل لهم المستويات التي ينشدونها في حياتهم.. بدون مثل هذا الإقرار أو الاعتراف بهذا الحق للمناطق، فلا يمكن أبداً الحديث لا عن ديمقراطية ولا عن حكم محلي، ويكون استمرار مثل هذا الحديث سوف يكون عبثاً بل وليس صادقاً وثروات وإيرادات المناطق ستبقى في يد المركز وتحت سيطرته.

ربما يقول البعض ويردد الحجج المتكررة «ثروات الشعب أجمع»، أو «كيف ستعمل الدولة وتشغل أجهزتها؟»، أو غير ذلك فنقول الحل لهذه الأمور سوف يأتي بالحوار والتفاهم والاتفاق بشكل جماعي حول كيف سيكون تمويل المركز من إيرادات المحافظات اوالأقاليم وبأية نسبة.. ليقوم المركز بعد ذلك بمهامه (الاتحادية) تجاه الأقاليم ولو شئتم نقول (الحكومية) بدلاً من (الاتحادية) وهي كلمة ربما تخيف البعض. وعموماً يجب الوصول إلى حل اتفاقي حول الأمور المالية الكثيرة المتعددة بعيداً عن مفهوم الإيراد السيادي أو الثروة السيادية وسوف يشمل هذا الاتفاق الجماعي بين كل الأقاليم (المحافظات) إلى جانب نسبة من الثروة والإيراد سوف يشمل الضرائب والجمارك، بحيث لا يجري أي إجحاف على المناطق من جانب، وأن يتم ردف المركز بالمال الكافي. كثير من الفساد سوف تنقطع جذوره من الأرض والذي استفادت قمم الفاسدين من مركزية الثروة والإيرادات بحجة (السيادية) الوهمية وحيثما نقرأ في تجارب شعوب العالم سوف نرى أن التوجه العام الديمقراطي يسير في هذا الاتجاه.. ماعدا الدول التي تكون الكثير من الثروات تقع ضمن القطاع الخاص. والمركز أو الحكومة المركزية ستكون بالضرورة ضمن إطار مشاركة حقيقية للمناطق في اتخاذ القرار، وسوف تكون قراراتها تخضع لرقابة نواب الشعب ونواب المناطق من خلال مؤسسات نيابية مركزية ومؤسسات تنفيذية للمركز، سوف يكون للمناطق مشاركة فعلية في اتخاذ القرار، المشاركة في الثروة وفي اتخاذ القرار بشكل حقيقي هو المبدأ الأول الذي يجب اعتماده وهو في نفس الوقت الضربة القاضية الأولى للفساد.. والذي سيحتاج حتماً إلى ضربات هامة أخرى تتمثل في مبادئ وقواعد الديمقراطية والحكم المحلي واسع الصلاحيات، ليس في مجال الحياة السياسية فقط ولكن أيضاً في الإدارة.. وحتى لقاء آخر رمضان كريم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى