مع الأيــام..الانتقال الى طور متقدم من الحكم

> د. هشام محسن السقاف:

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
يضع البعض تصورات نظرية تبحث في أصل ما قطعناه من شوط في مشوار الديمقراطية مقارنة بالتجارب التي مرَّت عليها بلدان أصبحت اليوم سيدات في الليبرالية المعاصرة، وكأننا من السذاجة أن نطالب بنسخ التجارب أولاً بأول، لا أن نستفيد من تجارب الآخرين ونبدأ القراءات من حيث وصل الآخرون. فالديمقراطية الهندية مثلاً وهي أكبر الديمقراطيات المعاصرة حتى الآن - بانتطار أن تلتحق الصين عاجلاً أم آجلاً بها - قد استثمرت خبرة الشعوب التي سبقتها لتؤسس ليبرالية ديمقراطية بكل ما تحمله الكلمة من معنى في ظروف مجتمع معقدة وفي بلد يكاد يكون قارة. وفي حال مجتمعنا فإنَّ التقنين ديمقراطياً ليس دواء ناجعاً، وكأن الناس هنا خرجوا لتوهم من أدغال الغابة إلا أن تكون هذه الأدغال هي فترة الحكم الشمولية التي أعقبت الثورة، وكان بالإمكان فتح النوافذ على شموس الديمقراطية لتكون شرعية الثورة شرعية ديمقراطية تبز سنين العزلة الإمامية، وتأتي بالذي هو أحسن. أما الثورة في الجنوب فقد أوجدت قطيعة بعد الاستقلال بدلاً من أن تقوم برتق مرحلة ما بعد الاستعمار بتجربة ليبرالية ناجحة في عدن قبله لا زالت حتى الآن تبحث عن دارسين وباحثين يتـّسمون بالحياد والمنهج لتقييم أثرها.

ومع ذلك فإن الراصد لتجربة السلطة المحلية في السنوات الماضية، وقد كانت خطوة ايجابية، يرى أوجه الإخفاق والنجاح فيها من زاويا متعددة. منها ما هو ذاتي يرتبط بالكادر والبيئة التي يتحرك عليها، ومنها ما هو موضوعي يرتبط باشتراطات المركز وقيود القانون، وضيق الحكومة بسلطة محلية ناشئة، لكنها تنافسها في حيز من الصلاحيات المتاحة. ولذلك فإن علاج الحالة ينبغي أن يكون جذرياً نابعاً أصلاً من إرادة سياسية لا معرقلة تذهب بالجميع إلى مشارف حكم محلي واسع وكامل الصلاحية. وقد اعتمد فخامة الأخ الرئيس مبدأ فتح ثغرات في الحواجز الكابحة أمام الشعب لخوض غمار التجربة الديمقراطية بالارتقاء بها لا النكوص والتراجع عنها، ومن هنا جاءت ملاحظات وتوجيهات فخامته الأخيرة عن تجربة السلطة والذهاب إلى أبعد مما تحقق وهو حق مشروع للشعب أن يستثمر ذلك لإصلاح التجربة من خلال التجسيد الديمقراطي في مفاهيمها العامة، من خلال قانون جديد للحكم المحلي يلغي بل ويطوي صفحة القانون الحالي، ويفصل فصلاً جميلاً في أسس العلاقة القائمة بين المحافظات والمركز بما من شأنه تعزيز المبادرة الذاتية للوحدات الإدارية في نطاقها الجغرافي بالاعتماد على مصادر الثروة فيها وتسخيرها لصالح المواطنين في هذه الوحدات، وتجسيد القوانين الداخلية لهذه الوحدات بما يتلاءم وأوضاعها الاجتماعية الداخلية، وتحديد صلاحيات المركز بمرونة شديدة بعيداً عن التعقيد والروتين والبيروقراطية التي تمارس الآن وتثقل كاهل المواطنين في كل مكان، وأسهمت في خلق فساد طاغ في المركز تمارسه جماعات وفئات ومافيات منتفعة.

إن هذه التجربة بصيغها الجديدة المأمولة بما في ذلك الانتخاب الحر والديمقراطي للمحافظين ومدراء المديريات سوف تجدد من دورة الديمقراطية في شرايين الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في بلادنا بدلاً من أن ننتظر أزماناً أخرى في ظل حركة شعبية تطالب بالتغيير الاجتماعي نحو الأفضل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى