مع القرآن

> «الأيام» علي بن عبدالله الضمبري:

> يقول الحق الذي قوله الحق: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذابُ بغتة وأنتم لا تشعرون} الزمر 55 .

في هذه الآية المقدسة المباركة أمر إلهي قطعي الدلالة على اتباع القرآن والسير خلفه، واقتفاء أثره، والاهتداء بنوره والاقتداء بتشريعاته.. لكننا نجد أن أشكال العناية بالقرآن في حياتنا المعاصرة تركز على الشكل لا المضمون، وتهتم بالظاهر لا بالباطن!

إن هناك ملايين الحفاظ للقرآن عن ظهر قلب، وملايين النسخ المطبوعة بشكل فاره فاخر، وملايين اللوحات المعلقة على الجدران لتحسين الديكور.. بل إن آخرين فتحوا عيادات للعلاج بالقرآن.. وهذه البدعة لم تعرف عن الصحابة وتابعيهم، لأنهم عرفوا وعلموا واستيقنوا أن بركة القرآن ليست في التزيين بل في التبيين وليست فقط في حصره وقصره على العلاج من مس الجان، بل في توسيعه وتعميقه لتنوير الأذهان وتحريك الوجدان وتحرير الإنسان من الشرك والظلم والفقر والجوع والجهل والمرض والطغيان.

إن معنى {اتبعوا أحسن ما أنزل اليكم} هو أن نجعل القرآن لنا إماماً وقائداً وموجهاً، نمشي وراءه ونحكم به ونتحاكم إليه، ونجاهد لتحكيمه ونعمل بدأب لا يعرف الكسل ولا الكلل ولا الملل ليحكم القرآن كل مناحي وآفاق أعماق حياتنا لأن هذا القرآن هو أحسن (هكذا بصيغة التفضيل المطلقة) ما أنزله الله من كتبه السماوية العظيمة التي تهدف إلى تربية المسلم لكي يحقق الأحسن في كل أقواله وأفعاله وأنشطته الحياتية، فهو يقول: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} الإسراء 53، وهذا في مجال القول والخطاب والكلام.. وأما في مجال الاستماع إلى الآخرين وتقويم آرائهم ووجهات نظرهم فيقول: {فبشر عبادü الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب} الزمر 17-18 . حتى جدال غير المسلمين من أهل الكتاب -اليهود والنصارى- يحكمه قول القرآن {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم} العنكبوت 46 والآية الأخرى {وجادلهم بالتي هي أحسن} النحل 125، بل إنه وحتى في حالة الخصام والنزاع والاختلاف يجب دفع سيئات الأقوال والأفعال {بالتي هي أحسن} المؤمنون آية 96 وفصلت الآية 34 . وفي المجال المالي {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} الأنعام 152 والإسراء 34 . وإذا كان إفشاء السلام وإلقاء التحية بين الناس من العادات الروتينية فإن الاسلام يعطيه مظهراً عبادياً لقول النبي الأعظم [: «ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» ولا يجوز أن يكون إفشاء السلام تقليداً بارداً باهتاً بل {إذا حُييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها} النساء 86 .

إن غاية هذه الحياة المحدودة القصيرة أن نتبع أحسن ما أنزل الله وأن نفعل أحسن ما أراده الله {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} الملك آية 2 وهود آية 7، ويجب علينا أن نضع نصب أعيننا هذه الآية {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً} الكهف 7، ويجب أن نكون من الذين قال الله فيهم: {أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ماعملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة} الأحقاف 16 .

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال واهدنا لأحسن الأقوال والأفعال، وثبتنا على أحسن العقائد والأحوال.. وأعذنا من سوء المنقلب والمآل، ياذا الجلال والإكرام.. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى