في ذكراه العاشرة شيخان الحبشي.. عطاء لا ينضب من وضوح الرؤية

> علي السليماني

> تحل علينا في شهر أكتوبر من كل عام ذكرى مناضل وطني، مخلص النية والعمل لبلده وشعبه وأمته العربية والإنسانية قاطبة، كبير الهمة، قوي الشكيمة، صادق القول عفيف اللسان، طاهر اليدين وثاقب البصر والبصيرة، ذلكم هو الرجل، المغفور له بإذن الله تعالى الأستاذ شيخان عبدالله - المحامي- أمين عام رابطة أبناء الجنوب العربي، الرجل الذي أدرك المخاطر التي تحيط بذلك الجزء التعس من الوطن العربي، وبذل جهوداً لتوضيح تلك الأخطار لسلاطين وأمراء وشيوخ الجنوب، وقادة العمل الوطني وشعب الجنوب عموماً.. ولكن الجميع استسهل (الخطوب). لقد وقف عن كثب على مختلف الجوانب المتعلقة بقضية الجنوب البسيطة والعادلة، ولكنه حذر جميع الأطراف من خطورة التعقيدات التي تكمن خلفها، وتطرق في خطابه أمام لجنة تصفية الاستعمار المنبثقة عن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة إلى ضرورة إزالة ما علق في أذهان أصحاب النوايا الطيبة من أن المنظمة لا تلتفت إلى القضايا، إلا بعد إراقة الدماء وارتكاب أعمال العنف، وناشدها إزالة هذه الفكرة في السنين القادمة، لا سيما إزاء الجنوب العربي.

وبعد مضي أربعة عقود من الزمن، ها هي اليوم الأمم المتحدة تساعد سكان تيمور الشرقية على حق تقرير المصير، ويتوصل سكان أقليم أتشيه إلى الحكم الذاتي مع أندونيسيا، ويصل دورها إلى جنوب السودان، ودارفور، والصومال وإرغام الجيوش الاجنبية على الانسحاب من لبنان، وأخيراً وليس آخراً التحقيق في اغتيال رفيق الحريري، حتى وصل الحال أن من حق أي مواطن في أي مكان من العالم اللجوء إلى هيئة الأمم المتحدة لرفع الظلم عنه.. وما زال أمل المظلومين في المزيد من العدالة والإنصاف.. أدعوك عزيزي القارئ إلى الجزء الأول من نص الخطاب (الوثيقة) الذي ألقاه شيخان الحبشي في أبريل من عام 1963م:

«السيد رئيس الجلسة، السادة الأعضاء الموقرين..

يجب قبل كل شيء أن أعلن شكر وامتنان شعب الجنوب العربي نحو الأمم المتحدة كمنظمة دولية وكأعضاء في هذه المنظمة، فقد استطاعت المنظمة أن تحقق استقلال كثير من الأمم الأفريقية والآسيوية واستطاعت أيضاً أن تكفل إلى حد كبير السلام والأمن للعالم، بيد أن ما يستحق الشكر والامتنان بوجه خاص هو أن المنظمة قد أصدرت قرارها الدولي الخاص بإلغاء الاستعمار ومنح الاستقلال لكل الشعوب والأقطار المستعمرة وبوجه أخص إنشاء الجمعية العامة هذه اللجنة كتنفيذ نص ومعنى بنود القرار كيما تستطيع جميع الشعوب والمناطق المحتلة أن تحصل على استقلالها.

لقد حضرت إلى الأمم المتحدة في عام 1959 ظاناً أني سأطرق أبوابها أسألها أن تمنحنا الاستقلال وكان الاعتقاد آنذاك أن الأمم المتحدة تستطيع أن تفعل شيئاً، غير أنها لم تكن قد أصدرت قرار منح الاستقلال، وكذا فقد علمت من الجميع وكنت اعتقد أنني لن أحصل وأتمتع بحق الاستماع في المنظمة ما لم أهدد السلم العالمي وأريق الدماء وأرتكب التخريب والقتل وكثيراً من أعمال العنف، عندئذ فقط استطيع لفت نظر الأمم المتحدة.

والآن وقد صدر القرار المشار إليه آنفاً نستطيع معشر أبناء الجنوب العربي أن نتمتع بحق الاستماع والكلام والفضل يرجع إلى الأمم المتحدة. ورغم ذلك فإن كثيراً من ذوى النوايا الطيبة في العالم ما زالوا يعتقدون أن الأمم المتحدة لا تلتفت إلا إلى إراقة الدماء والقتل والمذابح والتخريب وأعمال العنف، لأن الأمم المتحدة عودتهم على مثل هذا الاعتقاد.. وأنا اعتقد أن الأمم المتحدة يجب أن تزيل هذه الفكرة بأعمالها وتصرفاتها في السنين القادمة، ولا سيما إزاء الجنوب العربي.

إن الجنوب العربي جزء من العالم العربي ومن السهل جداً أن يفعل أهله مثلما فعل الجزائريون والقبارصة، فيريقوا الدماء ويزهقوا الأرواح فيحصلوا على احترام الأمم المتحدة لرغباتهم وأهدافهم.

لقد أتيت إلى الأمم المتحدة بتوجيه من أبناء الجنوب العربي وكلي ثقة وإيمان بأن الأمم المتحدة ستقوم بتنفيذ قرارها العالمي دون الحاجة إلى ما لا يلزم من إراقة الدماء وارتكاب أعمال العنف.

إنني أرى أن أمام الأمم المتحدة فرصة طيبة لتثبت أنها قادرة على تنفيذ قرارها وأنها حريصة على حياة الضعفاء والمستعمرين، وحقن دمائهم حرصها على حياة الأمم القوية.

وأرجو ألا يؤدي حضوري إلى الأمم المتحدة ولجوئي إليها إلى الاستهانة بتصميم شعبي الأكيد على مواصلة كفاحه لنيل حقه ألا وهو الحرية. فعلى الأمم المتحدة أن تلتزم بقراراتها فهي منظمة أمم متحدة لا أمم متنافرة، تنصر الحق والعدل وإذا تحقق العدل في كل مكان، انتصر السلام والأمن.

إن قضية الجنوب العربي واضحة وبسيطة وسهلة الفهم إذا تحاشينا التعقيدات الكامنة خلفها. إنها قضية شعب مُستعمر- أعني شعب الجنوب العربي- يعيش في ظل الحكم البريطاني وتحت سيطرته ليس له من تمثيل لدى أي تنظيم أو هيئة عالمية ولا يتمتع بعضوية المجتمعات الحرة.. هذه هي قضية الجنوب العربي. إنه قطر مستعبد، وعلى الأمم المتحدة أن تجعله قطراً حراً.

إن عالم اليوم لم ير من قبل قطراً صغيراً قليل السكان متأخراً إلى حد كبير، يرأسه هذا العدد الغفير من الحكام، ومقسماً إلى هذا العدد من الولايات لكل منها علمها الخاص وضرائبها الجمركية كالجنوب العربي. في الجنوب العربي عدد من الولايات يضاهي عدد ولايات الأمريكيتين. فيه حوالي 23 ولاية أو تزيد برؤسائها من أمراء وسلاطين وشيوخ، هم أنفسهم ليسوا إلا عبيداً لغيرهم لا حول لهم ولا قوة.أما في المجالات الخارجية، فالجنوب العربي واحة سياسية لا تتجزأ رغم أنه داخلياً مقسم إلى هذا العدد الكبير من الولايات، كل واحدة منها مستقلة تماماً عن الأخرى، إلا أنها تخضع جميعها لعدن وعدن مستعمرة. هذا هو الحال في الجنوب العربي، وأي حال!.

وطالما أن حقيقة الأوضاع هناك لا زالت خافية على هذه المنظمة، فإن من واجبي أن اكشفها وأبينها، لا رغبة في التشهير والفضيحة ولكن لإحقاق الحق وكشف القناع عن الواقع المرير الذي يعيشه ذلك الصقع التعس.

ما هو الجنوب العربي؟

إن بلدى كما ذكرت يتكون من مستعمرة عدن - وهي مجرد مدينة - وعدد من السلطنات والإمارات والمشيخات، لا يعلم عددها أحد لأنها تتكاثر من وقت لآخر. كل هذه المنطقة وهي وحدة في نظر العالم الخارجي تقع على الساحل الجنوبي- الغربي من بلاد العرب. أما عدن فتبلغ مساحتها 75 ميلاً مربعاً فقط، بينما تبلغ مساحة عدن والمحميات حوالي 112,000 ميل مربع. وكانت قد قسمت منذ عهد طويل إلى سلطنات وإمارات متعددة كل واحدة تتبع شيخاً، ثم جاءت قوات المملكة المتحدة في عام 1838 إلى عدن واحتلها بالقوة الحربية واختطفتها من سلطنة لحج. ومنذ ذلك العام استطاعت سلطات المملكة المتحدة في عدن أن تخضع جميع شيوخ المنظمة وتربطهم بالسلطات البريطانية في عدن ولندن. وهكذا تدرج الشيوخ حتى أصبحوا رؤساء لولاياتهم أمام مواطنيهم، أما بالنسبة للمملكة المتحدة فليسوا سوى عبيد لا حول لهم ولا قوة، لا يملكون حق التصرف بدافع من رغباتهم وأهدافهم ويتحتم عليهم طاعة وتنفيذ أوامر ونصائح سلطات المملكة المتحدة في عدن، وقد ارتبطوا بما يسمى معاهدات الحماية ومعاهدات الاستشارة. إنهم بمقتضى معاهدات الاستشارة محرومون من إقامة علاقات أو الاتصال أو التفاوض مع أي جهة في الداخل أو الخارج، إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية بعدن، ولا يستطيع أي منهم التفاوض مع شيخ آخر ولو كان جاراً له، دون موافقة الحكومة البريطانية في عدن.وبمقتضى هذه المعاهدات قسمت المنطقة إلى وحدات سياسية متعددة، وزاد استبعادها وتقييدها إزاء العالم الخارجي. وقد كان واضحاً للجميع أن بريطانيا كانت - ولعلها لا زالت - تطبق سياسة (فرق تسد).

تلك كانت حالة الجنوب العربي، صحيح أن عدن ربما تكون ذات أهمية بالنسبة للملاحة التجارية، ولكن هذا لا يحتم بقاءها تحت الاحتلال العسكري البريطاني.

وطالما أن المملكة المتحدة قد فرضت وصايتها كأمر واقع، فيجب عليها أن تقوم بارتباطات وواجبات الوصية الصالحة، فتطعم من استوصت نفسهاعليهم وتقدم لهم العلاج وترعى مصالحهم. وهو ما لم تفعله المملكة المتحدة، فلم تطعم أبناء البلاد ولم تأبه لصحتهم ولم تنمّ مصالحهم الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية بأي حال من الأحوال. فحتى عام 1956 لم يكن بالجنوب العربي أية مدرسة ثانوية عدا مدرسة واحدة في عدن وهي إحدى مستعمرات التاج البريطاني، ولم يكن في البلاد طبيب من أبنائها. ونقلاً عن تقرير اللجنة الخاصة بالمعلومات المتعلقة بالمناطق المستعمرة، ليس بمستشفيات الجنوب العربي كله أكثر من 104 أسرة، بينما يبلغ عدد السكان حوالي مليون ونصف المليون. هذا ما حققته الوصية التي نصبت نفسها على المنطقة».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى