من تجليات يوم الفرقان

> «الأيام» ياسر احمد القحوم:

> لبعض الأسماء في حياة الأمم ارتباط ببعض المفاصل الزمنية والأحداث الحاسمة ذات الأثر والأهمية بحيث يصبح ذكرها بدون ذكر هذه الاحداث امراً لا معنى له ولا دلالة، وبالنسبة للأمة الإسلامية فإن اسم (بدر) ارتبط بأول نصر في التاريخ الإسلامي، فهذا الموضع الذي يبعد عن المدينة معقل الإسلام بحوالي 165 كيلومتراً لم يكن ليحظى بهذه الأهمية لو لم يؤيد الله بنصره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أولى المواجهات الفاصلة بين قوى الخير والهدى وجمع الشر والضلالة، في ذلك اليوم العظيم من أيام شهر رمضان الفضيل 17 رمضان الذي فرق فيه الله بين الحق والباطل فكان يوم الفرقان.

ولعل من أبرز وأهم تجليات ذلك اليوم أن النصر لا يكون بالكثرة: فهذا جيش المشركين البالغ قوامه ألف رجل أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف الجيش الإسلامي ومع ذلك كان النصرللمسلين، وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى : {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم اذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون} الآية 123 من سورة آل عمران.

إن النصر من عند الله أولاً وأخيراً ولكن الله يهيئ له الأسباب والظروف، فصحابة النبي [ كانوا بحق {رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه} وعندما ابتلوا لم يبدلوا تبديلاً، فقد كشفت وقائع يوم بدر عن ثبات العقيدة ورسوخ الإيمان لدى هذه الفئة القليلة، وسقطت يوم ذاك حسابات البشر ومنطقهم القياسي عن الكثرة والقلة ورجحت كفة ميزان القوة لصالح المسلمين فقتلوا سبعين من المشركين وأسروا مثلهم وغنموا أموالاً كثيرة خلفوها وراءهم غير أن النصر والتأييد لا يقتصر على الظفر في ساحة القتال فحسب، بل إن له صوراً أخرى متعددة الملامح فمن ذلك انكسار العدو وشعوره بالذل ودوران الدوائر عليه وهذا هو الأمر المعنوي للنصر، ومن ذلك أيضاً نجاة المسلمين وتجنبهم المخاطر والمهالك وانتهاب الثروات والأموال.

لقد نصر الله المؤمنين في مواطن كثيرة كما أذاقهم مرارة الهزيمة وألم الانكسار في مواطن أخرى لم تغن عنهم فيها كثرتهم كيوم حنين ليأخذوا العظة والاعتبار من هذه الوقائع ويظلوا متمسكين بحبل الله ويسيروا على هداه.

إن الوقائع والأهوال التي يعيشها المسلمون اليوم تذكر بأحوال مشابهة مروا بها من قبل مع بعض الاختلاف من حيث المكان والزمان والاشخاص والنتائج، ضاقت الامور عليهم وذاقوا من صروف الأيام ومعاناتهم ما جعلهم يصلون الى حد القنوط والضعف والمهانة، فقد ذكرت كتب التاريخ زماناً يأتي فيه أحد جنود الأعداء المحتلين فيجد قوماً من المسلمين فيأمرهم بالبقاء حيث هم ريثما يحضر سلاحه ويقضي عليهم، ثم رضي الله عنهم وأيدهم بنصره وتأييده وتغيرت الظروف، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والتغيير في هذه الحالة هو حالة وواقعة مشروطة بما يبدله الطرف الأضْعف فيها من اسهام الذي إن تحقق وتم لم يتبق إلا استكمال الفصل الأخير وهو الاستجابة الالهية التي تعد أمراً غيبياً ينبغي ألا يستعجل حدوثه لأنه مرتبط بمشيئة الله وتقديره وإنما لزام علينا أن نحسن الظن بربنا ونستيقن النصر {ألا إن نصر الله قريب}.

مدرس بقسم الدراسات الاسلامية/كلية التربية -جامعة حضرموت

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى