مع القرآن

> «الأيام» علي بن عبدالله الضمبري:

> يقول الله - تبارك وتعالى- في الآية 155 من سورة الأنعام: {وهذا كتاب أنزلناه فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون},وحينما ننظر إلى كلمات أو تعابير القرآن سنجد بركة في المدلولات، وعمقاً في التناول، وغنى ثرياً في المضامين والمعاني، فكلمة (الرحمة)- على سبيل المثال- تكتنفها معان مختلفة ينفتح الذهن المتأمل على بركتها، ويتفكر فيها العقل والفع، فتعطي دلالات غزيرة، ومعاني متنوعة، وأفكاراً متداخلة ومتفاعلة، ومضامين متشابهة ومتشابكة.. وحينما نتصفح كتاب (قرة العيون النواظر في الوجوه والنظائر) للإمام ابن الجوزي (ت 597 هـ) فإننا نجده قد ركز على كلمات القرآن من خلال اختلاف دلالاتها في السياق التعبيري.. فمثلا استنتج أن لكلمة (الرحمة) في القرآن 16 وجهاً هي:

(1) : الجنة، كما في قوله تعالى {يرجون رحمة الله) البقرة 218، وفي النساء {فسيدخلهم في رحمة منه} أية 175. وفي الآية 107 من آل عمران، والآية 57 من الإسراء، والآية 23 من العنكبوت، والآية 30 من الجاثية.

(2) : الإسلام: ومنه في البقرة آية 105{يختص برحمته من يشاء) و{يدخل من يشاء في رحمته} الإنسان 31.

(3): الإيمان: ومنه في هود {وآتاني رحمة من عنده} الآية 63 وكذلك الآية 32 من السورة نفسها.

(4): النبوة: ومنه في الزخرف الآية 32 {أهم يقسمون رحمة ربك} وفي سورة ص الآية 9 وهي قوله تعالى {أم عندهم خزائن رحمة ربك}.

(5): القرآن: ومنه في سورة يونس {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا} الآية 58.

(6): المطر كقوله في الآية 57 من الأعراف {بشرا بين يدي رحمته} وفي الروم {فانظر إلى آثار رحمة الله) الآية 50 وفي الآية 46 من السورة نفسها {وليذيقكم من رحمته} أي من مطره.

(7): الرزق ففي الإسراء {لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي لأمسكتم} آية 100 وفي الآية 10 من الكهف {ربنا آتنا من لدنك رحمة) وفي الآية 16 من السورة نفسها {ينشر لكم ربكم من رحمته}.

(8): النعمة كما في الآية 83 من النساء {ولو لا فضل الله عليكم ورحمته} وفي الكهف {آتيناه رحمة من عندنا} 65.

(9): العافية ففي الآية 38 من سورة الزمر {أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته}.

(10): النصر، ومنه في الآية 17 من سورة الآحزاب {أو أراد بكم رحمة} أي من نصره.

(11): المنة كقوله في الآية 46 من القصص {ولكن رحمة من ربك} أي: منة وامتنانا.

(12): الرقة ومنه في سورة الحديد {رأفة ورحمة ورهبانية} الآية 27.

(13) : المغفرة، ومنه في الأنعام {كتب ربكم على نفسه الرحمة} أي: المغفرة، الآية 54.

(14): السعة، ومنه في الآية 178 من البقرة {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} أي: سعة.

(15) المودة، كما في الآية 29 من سورة الفتح {رحماء بينهم}.

(16): العصمة، ومنه في الآية 53 من سورة يوسف {إلا ما رحم ربي} أي إلا ما عصم ربي.

وهكذا نجد أن للكلمة القرآنية معاني وأسراراً ومدلولات تختلف بحسب السياق الذي ترد فيه، ولعل هذا التنوع الدلالي للالفاظ يدفعنا - ونحن نقرأ القرآن- إلى مزيد من التأمل في الكلمات والتدبر في الآيات، والتفكر في الأساليب والتعابير، وتحليل الصيغ الأسلوبية حتى ندرك بعض ما فيه من إعجاز بلاغي، وتصوير فني، وإيقاع نغمي، وإيحاء نفسي وروحي لنتحقق بعمق اليقين وصدق الإيمان. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى