وماذا لو (سُيّس) تقرير ميليس؟

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
في العمل السياسي على مستوى قرارات وأفعال الدول تنتفي العواطف وتتقدم المصالح في مختلف صورها وأشكالها، وتصبح السياسية أشبه ما تكون بلعبة الشطرنج التي يقول قانونها إن تحريك قطعة حجر على الرقعة يعطي الحق للطرف الآخر بتحريك قطعة أخرى من معسكره، وفي هذه الحالة يصبح حال الذي يتكئ في مبرراته وردود أفعاله على (نظرية المؤامرة) في عمله السياسي أشبه ما يكون بالتمليذ الخائب، أو هو تماما كلاعب الشطرنج الذي يطلب من خصمه ألا (يتآمر) عليه أثناء لعبة الشطرنج!! حيث لا وجود للمؤامرة أو الخيانة في هذه الحالة.

هذا هو قانون العمل السياسي في مفهومه الطبيعي، وهو المفهوم الذي يعلمه (كأمر بديهي) كل المشتغلين في هذا المجال، ولكننا يمكن أن نعذر الإنسان العادي في حال قصور فهمه لطبيعة هذا العمل، عندما يكرر مصطلحات (المؤامرة.. الخيانة.. العمالة).. وغيرها من المصطلحات الخائبة الكثيرة الأخرى، ومن الطبيعي أن نعذره أيضا عندما ينخدع بخطاب رسمي (ديماغوجي) يكرس في ذهنه مثل هذه المفاهيم والمصطلحات المخدرة.. ولكننا في المقابل نعيب، ونستهجن على أصحاب القرار السياسي في هذا البلد العربي أو ذاك استعمال اللغة المتخشبة نفسها في خطاباتهم السياسية الرسمية، غير مدركين إن كان هذا الأمر تخديرا لشعوبهم المخدرة أساسا منذ عقود أم أن المسألة تحمل أبعاداً أخرى.

استباحة دم الحريري في وسط عاصمة دولته بيروت، وخلط دمه بتراب ووحل اندفع من تحت الإسفلت إلى أعلاه، وجعل رائحة الموت والبارود تعج في مساحة كبيرة من موقع الحدث وفي وسط النهار هي (عملية سياسية صرفة) من ألفها إلى يائها، وهي وفقا لما طرحت في مفهوم العمل السياسي تعتبر (تحريك قطعة شطرنج) قام بها طرف، وحينما يأتي الدور على الجهة المقابلة لتقوم بدورها بتحريك قطعة أخرى كردة فعل طبيعية، يكون من العيب ومن المخجل أن يطلب من قام بهذا العمل من (الآخر المقابل) ألا يحرك ساكنا من مكانه، وإن فعل كأمر طبيعي جدا، نجده يصرخ بملء فمه أن ردة الفعل تجاه الحدث إنما هي في (مؤامرة) أجنبية.. خسيسة ودنيئة!

إن إراقة دماء بشرية على أرض لبنان لرئيس وزرائها، وأحد أهم رموزها السياسية، هي عمل سياسي قام به طرف ما، لخدمة هدف سياسي ما في أجندته، ولكن عليه أن يعلم أن هناك أكثر من أجندة لأكثر من طرف لاعب على الساحة، وعليه أن يقبل بالقانون نفسه الذي أجاز له (تسييس الدم) أن يقوم الخصم (بتسييس الحبر) الذي ملأ به ميليس تقريره المقدم إلى مجلس الأمن، كما عليه أن يكون منسجما مع المنطق الخاضع لقانون المصلحة، طالما وقد داس بحذائه العسكري على كل معاني (الأخوة والكرامة والسيادة) وكل مكونات الشقيقة الصغرى، ويصبح سخيفا ومضحكا في الوقت نفسه، أن يفتح بوابة إعلامية تتبعه ليقول بمنطق مقلوب: إن ابن الشهيد الحريري بما يقوم به من ردود أفعال لمقتل والده، إنما ينسف كل ما بناه (والده المفجر)، من علاقات (متينة) مع الشقيقة الكبرى!!.. فأي منطق هذا الذي لا يمكن فهمه ولا يمكن قبوله؟.. وأي علاقات متينة يمكن أن تبنى على أشلاء بانيها؟!!

شخصيا كنت مصدوما في مضامين خطاب الرئيس بشار الأسد الأخير، وكنت أتمنى أن يعكس لنا الخطاب ما يفيدنا بأن العقلية العربية السياسية تملك الحد الأدنى من المقدرة على استيعاب المتغيرات والأحداث الجارية، وأنها يمكن أن تستفيد مما حدث في العراق المجاور، حينما تستعرض بتأنٍّ شريطاً دارت أحداثه في زمن قريب وتاريخ قريب جدا، للتعامل مع العاصفة نفسها (بأسلوب آخر) غير ذاك الذي ثبت عمليا أنه كان غير مُجدٍ، وكنت أتمنى أن تكون زعاماتنا العربية قد تجاوزت لغة (التخوين والشتائم) للآخر العربي، معتمدة في ذلك على تسجيل الأهداف السياسية أكثر مما تعتمد على سماع تصفيق الجماهير وهتافاتها الحماسية أثناء خطاباتها الملتهبة.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى