قم للمعلم..

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
قصة التعليم الأهلي في عدن تستحق أن تروى للأجيال، وأنا شخصيا لست ملما بخباياها وتفاصيلها وسير رجالها الذين مثلوا منارات هادية لنشر المعرفة بين أوسع الأوساط من الفتيان والشباب المتعطشين للعلم والقادمين من مختلف أنحاء اليمن حيث لم يكن مسموحا لهم الالتحاق بالتعليم الرسمي لـ «مستعمرة» عدن الذي بالكاد يستوعب «مخاليق» المدينة، وقد عرف عن الإنجليز تقتيرهم في الصرف على المرافق العامة وبما يسد الحاجة فقط و«على قدر فراشك مد رجليك» فالالتزام بالميزانيات المقررة صارم لأن الموارد محدودة، كما أن السير إلى الأهداف المرسومة لا يحيد عن الطريق، وقد كان هدف التعليم الرسمي سد حاجة «المستعمرة» من الكوادر الدنيا والمتوسطة وإشاعة قدر من الثقافة والألسنية الإنجليزية، مع تمكين عدد محدود جدا من مواصلة تعليم أكثر رقيا في إنجلترا ليتمكنوا من تبوء مناصب قيادية، ولهؤلاء الذين كان مسرحهم التعليم سير وحكايات تداولتها أجيال من التلاميذ والخريجين، وكانت «عدن» تبدو في خمسينات القرن الماضي وحتى الاستقلال في1967م مسرحا بهيجا للتنافس السلمي بين التعليم الرسمي والأهلي، والأخير انفتحت أمامه آفاق غير محدودة بالابتعاث إلى الدول العربية وخاصة مصر وسوريا والعراق وبعض دول المعسكر الاشتراكي، أما عقب الاستقلال حيث أصبح التعليم موحدا فقد انفتحت الأبواب بلا حدود داخليا وخارجيا وإن كان الكم إلى حد ما قد غلب النوع، ولكن الفرصة كانت تاريخية لانعتاق أجيال من ربقة الجهل وأسر الظروف القاهرة، وفي مرحلة ما بعد الاستقلال تمازجت السياسة بالتعليم بالصراع الايدلوجي بالتنافس الدولي في المنطقة والتشكيلة العقلية السائدة اليوم هي بعض ذلك الموروث، وهكذا هي الحياة تنفتح في مراحل حتى تتلاشى الحدود ثم تنغلق في مراحل أخرى حتى تستنفد نفسها وطاقتها.

الأستاذ عمر محمد باناجة من أقدم أساتذتنا في مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية رائدة التعليم الأهلي في كريتر -عدن، ولم يفارق ذاكرتي أبدا بسمته الوقور ودأبه الذي لا يعرف الكلل وكذلك قناعته بالمقسوم «سيماهم على وجوههم»، وهو رجل مخلوق للتعليم فلم يتخذه مجرد محطة في حياته كما هو شأن كثير من المعلمين العابرين، وقد عرفته أيام «خليل أبوغبن» الفلسطيني الذي كان يزمجر كالأسد فيرعب كل من في العرين من «زُغب الحواصل» الذين يلوذون بالحوائط عندما يطل على المساحة من الطابق الثاني حيث مكتبه، وكان «أبوغبن» يحيّر الناس في موقعه من الإعراب فهو يبدو أكثر من معلم وأقل من سياسي وكانت بيئة الخمسينات الناصرية مرتعا خصبا لمثل هذا الانشطار باختلاط المفاهيم، وقد أمر الإنجليز بترحيل «أبو غبن» الذي يبدو أنهم احتاروا في أمره، وقد خرجنا في مظاهرة احتجاجية وتضامنية مع «أستاذنا» وحملنا اللافتات من مقر المدرسة في «العيدروس» حتى الميدان بجانب مقهاية «زكو»، ولم يغير ذلك من الأمر شيئا واستمرت الحياة بعد أبوغبن كما كانت قبله، وقد التقيته بعد ذلك في القاهرة يبيع «انتيكات» في كشك صغير بجانب فندق «نيوتي كريس» الذي كان مركز السياح القادمين من عدن، وبدا لي شخصا آخر تماما خارج جلباب التعليم وهيبة «الخيزرانة» ودويّ الصوت الذي يشبه الزئير..

و... قم للمعلم وفّه التبجيلا..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى