حصـــاد الفســـــــاد

> علي الجبولي:

>
علي الجبولي
علي الجبولي
قد يتفنن الفاسدون في طمس آثار فسادهم المشوه لوجه الوطن، أو تلميع قروحه النازفة في جسده، وقد يجتهد المكابرون في إنكار الفساد أو تصويره بصورة مغايرة لصورته البشعة، غير أنهم عبثاً يفعلون دون أن يفلحوا في إخفاء استشراء سرطانه الذي يواصل دونما هوادة نخر جسد الوطن وإنتاج التذمر والكراهية والإحباط بين أبنائه، منذراً بتهيئة مناخ خصب ينتج الفوضى والعنف والتطرف.

وباء الفساد اليوم بمختلف مظاهره وأشكاله أضحى يهدد الجميع، وأخطاره تفوق أخطار أوبئة كثيرة ترتجف فرائص الشعوب من مجرد السماع باقترابها منها، مع أن كوارث الطبيعة والأوبئة الصحية ربما تقتصر أضرارها على مناطق محددة وخسائر محدودة، كثيراً ما ينجح تكاتف الاسرة الدولية في تخفيف وطأتها، ومثلها وباء الإرهاب الذي يقض مضاجع البشرية اليوم حتماً لن يطول تهديده أمام تحالف المجتمع الدولي في مواجهته. أما خطر الفساد الذي تعاني من استفحاله بلادنا ضمن عدد من البلدان الهشة والمتخلفة، فلن تقف أضراره على حاضرنا بل ستطول مستقبل أجيال لم تولد بعد، وآثاره لن تقف عند جانب محدد من جوانب حياتنا، سيما بعد أن اقتحم مختلف صعد الحياة السياسية والاجتماعية القضائية والأمنية والإدارية والمالية والاقتصادية واكتسب مناعة تقيه وتغذي انتشاره.

فتحت جنح ليل الفساد المرعب تمادى الفاسدون في استغلال مناصبهم ومواقعهم الرسمية لجمع ثروات ضخمة خاصة بهم ينهبونها من خيرات الوطن وموارده، وبدستوره تحنط ناهبو المال العام في مناصبهم لعشرات السنين، رافضين مبارحتها حتى بعد تقاعدهم، وبعباءته تدثر أصحاب التعدد الوظيفي مثنى وثلاث ورباع، وتلفع باعة الوظائف لطلاب مازالوا في الثانوية مما تسبب بتبديد طاقات الشباب من حملة المؤهلات الجامعية ووصول البطالة إلى الحال الذي هي عليه اليوم.

بالفساد يحتمي ناهبو مساعدات المنظمات الدولية واعتمادات المشاريع الخدمية مما أدى إلى تعثرها أو تشييدها خلافاً لمواصفات ومقاييس الإنشاء. وتحت مظلة هيمنته تنهب مافيا الأراضي آلاف الكيلو مترات من الأراضي دون وجه حق، وتواصل آلة الثأر القبلي الجهنمية حصد أرواح المواطنين ونشر الرعب وتعطيل النشاطات في عديد المناطق، ويسرح ويمرح قتلة أمام أعين أسر ضحاياهم.

وبشرع الفساد استحق قانون الأجور لتربوي خدم ربع قرن بمؤهل جامعي أقل مما أعطى آخر مؤهله معهد معلمين وخدمته لا تزيد على سبع سنين. ولولا أفظع أضرار الفساد على التنمية والاستثمار ما تغيب القانون، وتعطلت فرص استثمارات حقيقية ليحل محلها استثمار النهب المتلون بلون الفساد والمتطبع بسلوكه في نهب الموارد الطبيعية والثروات الوطنية.

بل لولا هذه الآفة ما هوت بلادنا إلى قعر المرتبة 151 في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة لهذا العام، وهو الدرك الذي لا تستقر فيه سوى البلدان الأكثر تخلفاً وفساداً في أنظمتها، والأشد فقراً في مواردها.

وضع كهذا يستفحل فيه داء الفساد ويغيب تطبيق القانون، يصبح معه الصمت تخاذلا، والسلبية انهزاما لا يليق بمجتمع يتطلع لانتهاج الديمقراطية نظاماً لحكمه، في حين يدرك أن هذا النظام لن يصلح إلا بالقضاء على الفساد باعتباره إلى جانب احترام حرية الرأي والتعبير وتطبيق القانون شرطاً لازماً للنظام الديمقراطي.

فهل آن الأوان لمبادرة أهلية سلمية تسهم في استئصال شأفة هذه الآفة قبل أن تزداد تغوّلاً وتتحول إلى طوفان جارف لا يرحم في طريقه أحداً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى