ادريس حنبلة..مناضل وطني وشاعر كبير بحجم اليمن

> «الأيام» شكيب عوض:

> ذكرياتي لا تعد ولا تحصى مع المناضل الوطني الكبير والشاعر الكبير الاستاذ إدريس حنبلة، الذي نستقبل هذه الأيام الذكرى الـ(14) لرحيله في عام 1991م بإحياء مركز حنبلة للتوثيق بالشيخ عثمان الفعاليات المختلفة وتستمر حتى 20 ديسمبر الجاري حسب إعلان المركز بهذا الخصوص الذي نشرته «الأيام» في الصفحة الأخيرة مفصلاً تحية وتقديراً منها لمكانة الاستاذ إدريس النضالية ضد الوجود الاستعماري الأجنبي في مدينة عدن، والذي استمر بالصمود إلى أن خرج هذا الاستعمار من عدن وبقية مناطق الشطر الجنوبي من الوطن اليمني، رغم تعرضه لكل صنوف التعذيب وأودع بسجن عدن المركزي لفترات مختلفة، وكان يقضي في السجن أكثر مما يقضي خارجه في محاولة بائسة للضغط عليه وحرمانه من الحرية والعيش بسلام، حتى يوقف هذا النضال الوطني السياسي المشروع وتحريضه الجماهير على الثورة بالشعر الوطني الحماسي الملتهب الأبيات، وبوسائل المقاومة الأخرى. ثم بعد أن قامت ثورة 14 أكتوبر 1963م كان من أبرز المناصرين لها، ودعمها بما يمكن دعمه لها حتى تحقيق الانتصار في 30 نوفمبر 1967 ونيل الاستقلال الوطني للشطر الجنوبي من الوطن اليمني وخروج آخر جنود الاحتلال من الجنوب عامة، إضافة إلى ذلك تقدير «الأيام» للمكانة الأدبية المرموقة لهذا الشاعر المناضل ودوره الوطني النضالي وكذا تميزه في جانب الشعر الحماسي الوطني.

وظل مركز حنبلة للتوثيق وفياً للمناضل الوطني إدريس حنبلة، ويحيي فعاليات رحيله أولاً بأول وحتى اليوم بميزانية متواضعة، وعملاً كذلك بوصيته إلى مجلس أمناء المركز لإحياء ذكرى رحيله وعدم إغلاق المركز مهما كانت الظروف لتقديم الخدمات المجانية للباحثين بالوثائق النادرة التي يملكها المركز، وكذا لمن أراد المطالعة فيه من افراد الجمهور الآخرين.

وأستغرب الموقف السلبي تجاه المناضل والأديب من قبل النظام السياسي القائم وقتها في الجنوب، والذي كان يحكم هذا الشطر من اليمن، الذي أهمله ولم يدعمه وظيفياً بما يوفر له الاستقرار الاجتماعي والنفسي بعد طول معاناة من الاستعمار الأجنبي.

كما أعاتب السلطة المحلية في عدن وكذا المركز في صنعاء لعدم مشاركتهما في إحياء الذكرى بما يليق بمكانة المناضل إدريس حنبلة. وكان الاستاذ إدريس بتواضعه المشهور قنوعاً بوظيفته التربوية ومعاشه المتواضع المحدود، ولم ينحن لأحد طوال حياته مهما كانت ظروف معاناته، ويعتز بما قدمه لهذا الوطن سياسياً ونضالياً.

وكان من أبرز المساهمين معي في الصفحة الثقافية اليومية التي كنت أشرف على تحريرها وإعدادها، وقد توثقت علاقتي به أكثر وأكثر إذ أسبوعياً أنشر له في الصفحة قصيدة، وكان يتفضل ويشرفني بزيارته لمكتبي في مقر الصحيفة الذي كان وقتها في دار اكتوبر بدار الهمداني قبل تهديمه بعد ذلك لبناء المشروع الالماني للدار بأجهزة الطباعة والنشر، وظل طوال عامين مواظبا على المساهمة الشعرية في الصفحة الثقافية (1980-1981) وهما كما هو معروف ملتهبان سياسياً بين أركان قيادة الدولة والحزب ويهددان بانفجار قوي بين القيادة في أي لحظة، وكان يسخر من الدولة بشجاعة مطلقة بنكته الظريفة الموجهة، وشعره السياسي الوطني الذي كان ينشره في الصفحة الثقافية بصورة مباشرة لا لبس فيها ولا غموض مستتر، وبصراحته المعهودة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت أشعاره مكتوبة بلسان الحيوانات والحشرات ومنها (الحمام)، (الوزغة)، (الصفافة)، (الذباب)، (النامس)، (القمل)، (الحنش)، وعندما كنت أصارحه في الأمر وأقول له «يا أستاذ بنروح في داهية (أنا وأنت)، فالمعنى واضح وجلي بما يحمله من مضمون سياسي مباشر، على تطور تلك الأحداث إلى الأسوأ ووصولها بعد ذلك إلى الانفجار، وأحدثت التغييرات السياسية على مستوى قيادة الحزب الاشتراكي والدولة، والحمد لله أنه محد انتبه لنا لأن الجماعة مشغولة بتصفية الحساب فيما بينهم. وكان يحاول أن يهدئ من روعي ويطمئنني بقوله «هذه قصائد أدبية صرفة، أجدد فيها قالبي الشعري الأدبي على طريقة (كليلة ودمنة) ولا غير».

ولكن انتبه لها رئيس التحرير وقتها الشهيد (عبدالله شرف) رحمه الله، وطلب مني أن أوقف نشر هذا النوع من الشعر، وكان يحترم كثيراً الاستاذ إدريس ويعتز بمساهمته في صحيفة «14 أكتوبر»، ويرحب به كامل الترحيب كلما هل على مقر الصحيفة، ولما أشعرته بتوجيهات رئيس التحرير، رفض هذه التوجيهات وكان حساساً جداً من مثل هذه المواقف التي اكتوى بنيرانها حتى تلك اللحظة، وقرر قرارا لا رجعة فيه التوقف عن المساهمة في الصحيفة نهائياً، وخسرته كمساهم مشهور في الصفحة الثقافية وكنت أسرّ بحضوره المنتظم إلى مكتبي، وكان يحكي لي وقائع من نضاله وتمتعت بحلاوة حديثه وعشرته وظرفه اللافت للنظر.

وكان الاستاذ إدريس يحترم فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية- وقتها - وكان يعتز برعايته له كلما قدم إلى صنعاء، وكان يحب صنعاء ويقضي فيها سنوياً إجازته الصيفية، وقد وجه فخامة الرئيس بطبع دواوينه على نفقة الدولة، وتقديراً لمكانة الاستاذ إدريس حنبلة النضالية والأدبية اتفق مع قيادة الشطر الجنوبي بمنحه ترخيصا خاصا يقضي بسفره إلى صنعاء كلما أراد ذلك، ودون الاجراءات المعقدة الأمنية والإدارية في هذا الخصوص في كلا الشطرين التي كانت تقصف العمر وتعرض صاحبها إلى القبض عليه وسجنه من قبل أجهزة الأمن في كلا الشطرين، وكان يسافر إلى صنعاء ويعود منها بعد ذلك إلى عدن بأمان ودون استفزاز من أحد.

وبهذه المناسبة أدعو الدولة إلى إحياء هذه الذكرى، فالأستاذ إدريس يستحق أكثر من هذا الإحياء دون شك، فهو رمز من الرموز الوطنية التي يعتز بها اليمن ويفتخر، ولا يفوتني الإشارة في نهاية المقالة إلى أن موقف القيادة السياسية في الجنوب السلبي المعادي للشاعر المناضل، لم يكن كاملاً من قبل الجميع، فقد حظي برعاية الأخ علي ناصر محمد والشهيد عبدالفتاح إسماعيل، وكانا ينفذان طلباته أولاً بأول، ولم تكن الطلبات شخصية متعلقة به، بل كانت خدمة ورعاية منه للآخرين الذين لا يمكنهم الوصول إلى هذه القيادة بحكم التعقيدات الأمنية الصارمة المتخذة لتأمين سلامتهما من أي صراع دموي من قبل الإخوة الأعداء.

وقد أكد لي ذلك الأستاذ إدريس بعظمة لسانه عندما فوجئنا بالأخ علي ناصر محمد يقوم بزيارة تفقدية لدار الهمداني ومقر الصحيفتين الحزبية «الثوري» والسياسية اليومية الناطقة بلسان الدولة «14 أكتوبر»، وكان المقر المشترك في الدور الأرضي من المبنى وكانا بجوار بعضهما البعض، وكان مكتبي يطل على مدخل المقر، وكانت بوابته مفتوحة نشاهد عبرها كل من يزور المقر وكان علي ناصر محمد على بعد مسافة عشرة أمتار منا ويمكن أن يشاهدنا ونشاهده بسهولة ودون عناء.

ولكنه لم ينتبه لنا لأنه كان مشغولاً بكتابة التوصيات إلى مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية استجابة منه لمطالب أصحاب الرسائل المقدمة من قبل أفراد الجمهور الذين تقاطروا على مبنى دار الهمداني، عندما علموا بزيارة علي ناصر المفاجئة للدار وصحيفتي «14 أكتوبر» و«الثوري».. ووقفوا طابوراً طويلاً أمامه كل ينتظر دوره بفارغ الصبر. وطبع له دار الهمداني مجموعته الشعرية الكاملة في فترة قيادة الشهيد أحمد سالم الحنكي لهذه الدار في سنوات 1981م-1986 فقد كان يحترم المبدعين اليمنيين مهما كان موقفهم من النظام السياسي القائم في الجنوب، وكانت الدار تطبع سلسلة من الإصدارات الأدبية والسياسية المختلفة في طبعات أنيقة تضاهي ما يطبع في الخارج وتوزعها محلياً وخارجياً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى