«الأيام» تقترب وتطل على ما يعتمل..ماذا يقدم الالمان لمدينة حضرموت العالية شبام؟

> «الأيام» علوي بن سميط:

>
مدينة حضرموت العالية شبام
مدينة حضرموت العالية شبام
مدينة شبام حضرموت إحدى ثلاث مدن يمنية في قائمة التراث العالمي تحظى ببرامج مباشرة وغير مباشرة تجاه حمايتها والحفاظ على معمارها الطيني الذي تتميز به، وإلى جانب هذه الحضارة الطينية فإن قضية الاهتمام في رأيي يأتي من اولوياتها ليس الحفاظ على المعالم وحسب بل ولا بد أن يكون الحفاظ على البشر قبل الأثر، اي ان توفير الفرص لبقاء الانسان بداخل هذه العمارات الطينية وعدم تفكيره بهجرانها يتطلب توفير خطط وبرامج له كي يستطيع الإبقاء على هذا الإثر الحي إلى ما شاء الله .. ومن بين الاهتمامات بهذه المدينة يتجلى الاهتمام الالماني عبر مشروع التنمية الحضري الالماني الذي يتبع مؤسسة التعاون اليمني- الالماني G.T.Z ويعمل المشروع في سياق شراكة مع الاجهزة الحكومية ومع المجتمع المحلي، وهذا الاهتمام لا يبدو غريبا او جديدا للمتابع الذي يعلم ان الالمان هم أول الواصلين الى مدينة شبام حضرموت ربما من بين الاوروبين وتبعهم الهولنديون والبريطانيون والنمساويون ..وصل الى شبام في القرن التاسع عشر قادما من المكلا عام 1843م الالماني اودلف ريد الذي وصف مدينة الطين الشامخة (شيكاغو الصحراء)، أما الالماني الآخر ليوهيرش فوصل شبام بعد الاول بـ (50) عاما اي عام 1893م فيما انطلق من شبام حضرموت في عام 1930م هانز هولفرتز باتجاه مأرب متوغلا في الاراضي اليمنية، واستقرت الطبيبة المعروفة ايفا هوك بمدينة شبام في الخمسينات لتنشئ مستشفى بالتعاون مع السلطات البريطانية والقعيطية آنذاك وبدعم سخي من تجار المدينة وأعيانها، وعاشت سنوات طويلة وشرحت تجربتها في كتاب (سنوات في اليمن وحضرموت). وفي عام 92م قام الرئيس الالماني ريتشارد فون فايتسكر ضمن اطار زيارته لليمن بزيارة المدينة، وزارها المفكر والروائي غونترغراس قبل عامين .. لعل تلك الاشارات التأريخية لابرز الشخصيات الالمانية التي جالت في المدينة ربما جعلت من الالمان وضمن التعاون الجاري مع الحكومة اليمنية يهتمون بالتراث الطيني فعليا من خلال برنامج اسمه ترميم المنازل التاريخية، وفي السطور التالية نقدم ابرز الانشطة الهادفة الى حماية المعالم وتأهيل البشر والأثر.


بدأت منذ عامين تجربة تعد الاولى في المدن التاريخية الثلاث شبام وزبيد وصنعاء من حيث المساهمة في ترميم المنازل الطينية العالية، وجاء هذا البرنامج المخصص لمدينة شبام حضرموت متوافقا والحالة السيئة التي اضحت فيها البيوت جراء القدم الزمني لأعمارها ولارتفاع كلفة صيانتها والتي لا يقدر عليها السكان، ويبدو - برأيي الشخصي - أنه الى جانب الحفاظ على معلم ومدينة حية قديمة ملزمة الحكومة والعالم اجمع بحمايتها فإن برنامج الحماية يهدف لابقاء السكان فيها وتكريس روح الحفاظ عليها وأيضا ابقاء ثقافة وحضارة الطين وربط الجيل الجديد من البنائين من ابناء شبام بمهارات الاقدمين البارعين الذين انتجوا بابداعاتهم الهندسية عمارات طينية موغلة في القدم باقية وعالية حتى هذا اليوم، إلى جانب ذلك فإن البرنامج جعل دورة العمل وتشغيل الايادي (عمال البناء) تشهد حالة دخل مستقره نوعا ما، لا سيما وأن المقاولات لهذه الاعمال هي حصر للعمال من ابناء شبام .. ويتقدم العديد من ملاك وساكني المنازل بطلبات لترميم بيوتهم بعدها يقوم المشروع الالماني بإرسال فريق متخصص هندسي يقوم برسم توثيقي للبيت المستهدف (خارطة لكل طابق) محددا فيه الاضرار وكذا كلفة الاعمال المزمع تنفيذها لحماية المنزل أو نوعيات الترميم، شريطة استخدام المواد المحلية، ويعمل في تنفيذ هذا البرنامج المكتب الالماني مع اشراك للسلطة المحلية والهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية فرع شبام، وكما ذكرنا فإن كلفة الترميمات لأي منزل في شبام مرتفعة بل وتقترب من بناء طابق لمنزل جديد وحديث خارج المدينة لأسباب عديدة وابرزها ان ترميمات المنزل الطيني تحتاج معالجات خاصة وخبرات محلية، وحتى العام الماضي 2004م فإن أكثر من 75 منزلا تم ترميمها بداخل المدينة ما بين ترميم كامل، جزئي، نصفي شامل لكل المرافق والواجهات، وتفيد المعلومات بأن الاعمال المنفذة تعطي عمرا متوسطا للمنزل لصموده مرحلة قادمة تقدر بأكثر من 20 عاما ..اما اعمال التوثيق للمنازل والتي بعضها تنتظر وصول الدور اليها لتنفيذ اعمال الترميمات فيها فإن المشروع الالماني أنجز العام الماضي اكثر من 50% من اجمالي منازل المدينة تم توثيقها، فيما 17% من منازل المدينة حتى السنة الماضية تم ترميمها بدرجات متفاوتة، ويذكر تقرير رسمي أن «معدل الاعمال التي تمت في هذه المنازل تعطي حوالي 80% من الاعمال المطلوبة لتكون حالة المنزل مقبولة حسب شروط الحفاظ التاريخي» ولعل القارئ الكريم يحسد اهالي المدينة بأنهم حصلوا على مثل هذا البرنامج السخي، ولكن لا بد ان نعلم بأن المواطن في شبام يتحمل 65% من اجمالي كلفة ترميم منزله وهو حجم مساهمة باهظ فيما يحصل على دعم وقدره 35% من اجمالي كلفة الاعمال.

خبير اردني وشباب من شبام في ترميم الاثريات
خبير اردني وشباب من شبام في ترميم الاثريات
وتحدد هذه النسبة قبل العمل اتفاقية يوقعها الاطراف، ويعتبر هذا المشروع الرائد والاول من نوعه في اليمن شراكة بين مكتب التنمية الحضري الالماني والصندوق الاجتماعي للتنمية الذي يقدم الدعم الحكومي للمساهمة مع المواطن .. الاهالي في شبام يرون مع ذلك الدعم أن الحاجة ضرورية لرفع نسبة الدعم المقدمة عما هي عليه للضائقة المعيشية والمالية للسكان، الذين يعون ايضا أن مدينتهم نقطة جذب وعامل رئيسي لجذب السياح، اي بطريقة غير مباشرة فإن شبام كعمارات طينية تشكل موردا اقتصاديا للدولة ومع ذلك فإن ما هو جار من اعمال يمكن تصنيفها من حيث النوعية بحملة شاملة للصيانة، وهو أمر يلزم تطويره بإيجاد صورة لنظام مستمر وفق آلية محددة لديمومة الترميمات وإن كانت الترميمات القادمة للبيوت التي سبق ترميمها سوف تكون مجرد صيانات جزئية وعاجلة، وربما يتطلب من الحكومة ممثلة بمجلس الوزراء والنواب استصدار تشريع يضع رسم دخول للمدينة للسياح الأجانب او بحسب اريحية كل سائح تساعد في ايجاد مورد لتمويل اعمال الحفاظ على مدينة وتجديد تأهيلها، وهو طلب الاهالي منذ امد بعيد كي تبقى المدينة فنارا هاديا للسياح العرب والأجانب فذلك الطين والموروث الحضاري بمثابة كنز مُغرٍ ومورد مهم. وعموما فإن ما يقدمه المشروع الالماني اليوم في الحفاظ على المبنى التاريخي يثير الارتياح ..ويمتد نشاط المشروع الى التنمية الحضرية في مختلف اوجهها، اذ يقدم المكتب الالماني مساعدات فنية تدريبية ومادية لمؤسسات المجتمع المدني وبعض المرافق الخدمية بعد اجراء تقييم ودراسات مع السلطات المحلية، وقد استقدم المشروع اعدادا من المدربين لنقل خبرات للمجتمع المحلي عبر اقامة ندوات وروش عمل في كيفية تحقيق أهداف لإقامة مشروع ما. ويدعم المشروع المالي ومنذ فترة جمعيات اجتماعية ورزاعية بالمدينة، وتقديم دورات قصيرة في اللغات وعقد اللقاءات مع عدد من النخب والشخصيات لدراسة أولويات الاحتياجات للمناطق، وتقديم مساعدات للمدارس وتشجيع عدد من الافكار الثقافية والفكرية واكتشاف المواهب بالمدارس بما فيها مدارس المديرية عموما، وإمداد عدد من المدارس بأجهزة الكمبيوتر، وتمويل انشطة لتنمية المرأة وغيرها من المساعدات المنظورة والاستشارات الفنية والتقنية، وتأهيل عدد من المعالم التراثية اذ نفذ المشروع الالماني ترميم مركزين حدوديين بمنطقة الحزم شرق شبام وإعادتهما الى وضعهما، وحاليا فإن مسجد بازياد الواقع بين الجروب الزراعية شمال سور شبام سيتم الشروع في بنائه، وهو مسجد قديم مهدم معظم أجزائه، كما سيعاد تأهيل قلعتين هما كوت الحصاه، المواجهة لشبام من جهة الجنوب والواقعة اسفل خزان المياه، وكوت الخبه، الواقعة اعلى جبل شبام والتي تشرف على المدينة كحارس عليها وشاهد لها والتي تشاهد من على مسافة بعيدة عن المدينة لوقوعها على ارتفاع الجبل وكأنها تراقب القادم اوالمسافر من وإلى شبام مطمئنة عليه، وكذا ترميم ثلاث سقايا شرب قديمة وهي رمز للتكافل الاجتماعي والعمل الانساني الذي شهدته المنطقة منذ قرون من بينها سقايا بوادي بن علي وسقاية كربان وسقاية تحت سور شبام الشمالي وكل هذه المشاريع تأتي بتمويل من الصندوق الاجتماعي للتنمية، وللمشروع الالماني مساهمات نقدية وفنية لإعادة وصيانة اجزاء من شبكة الري التقليدية القديمة المساقي المحيطة بالمدنية وعبر (لجنة الربة)، واستقدم مشروع التنمية الحضرية الالمانية خبيرا لترميم منبر مسجد الجامع وهو م. جمال الجابر من الاردن الشقيق والذي يعمل في ترميم الآثار الخشبية في حلب السورية، الذي يقوم حاليا بعمليات ترميم علمية متأنية لإعادة منبر الجامع الذي صنع بمدينة عدن بحسب ما هو مكتوب على المنبر (بالحفر) ويعود تأريخ المنبر الى سنة 643هـ ايام الدولة الرسولية وأقام المشروع الالماني ورشة عمل للشباب والراغبين من النجارين بشبام لمعرفة الطريقة العلمية لمعالجة الأشياء القديمة المصنوعة من الخشب وكيفية الحفاظ عليها، واستقدم ايضا خبيرا للحفاظ على المخطوطات (يتواجد حاليا في صنعاء ليعمل مبعوثا من اليونسكو)، استقدم لعدة ايام الى شبام على نفقة الالمان لدراسة حالة ووضعية المخطوطات سواء الموجودة بجامع شبام او التي تمتلكها بعض الاسر وهو الخبير انطونيو ماربيل، الذي عمل ايضا في مصر والمغرب.

ويعمل حاليا خبراء في كيفية تدريب عمال و(معالمة) مدينة شبام لانجاز مشروع المجاري المزمع اقامته وتنفيذه بعد فترة من استكمال اجراءاته الفنية وتقديم عروضات الشركات الاستشارية، ويمول المشروع القادم ايضا الصندوق الاجتماعي، ويتم حاليا تأهيل العمال بتدريبهم على اعمال المجاري ومجابهة الاعمال الطارئة والتعامل مع المشكلات اثناء التفنيذ الفعلي تحت إشراف المكتب الالماني بواسطة مهندسين: الخبير السوري الذي اشرف على مجاري حلب السورية نديم رحمون ومهندس عدني ثابت العزب، وينتظر اهالي شبام مشروع المجاري بفارغ الصبر باعتباره اهم مشروع للبنية التحتية ويترتب على تنفيذه خدمات اخرى مطلوبة وسيظل مشروع المجاري على قائمة الاولويات في احتياجات شبام الضرورية.

كل هذا الذي يقدم والذي يخطط له المشروع الالماني يتم دون ضجيج، بل بدراسات متأنية وخطوات لا تتعثر، ومع هذا فإن طموح اهالي شبام كثير وهو طموح مشروع .. إننا نضع امام الحكومة والوزارات المختصة ان تنفذ خططها لهذه المدينة التي طال صبرها كي نعوضها سنوات الانتظار، وإنا لمنتظرون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى