من تاريخ الحركة النسائية في عدن

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

>
ماهية نجيب مع الرئيس جمال عبدالناصر
ماهية نجيب مع الرئيس جمال عبدالناصر
في العام الثاني من تاريخ صدورها تواصل مجلة «فتاة شمسان» الكتابة المتعلقة بقضايا المرأة العدنية، في العدد السادس من هذه المجلة الصادر يوم الخميس 1 يونيو 1961م الموافق 18 ذو الحجة 1380هـ ينشر تقرير شامل عن الحركة النسائية في عدن ويعد هذا التقرير من المصادر التاريخية الهامة التي تقدم عدة معلومات عن وضع المرأة العدنية في ذلك الوقت.

في عام 1959م بلغ عدد سكان عدن 140 ألف نسمة، وفي عام 1961م وصل حوالي 250 الف نسمة من أهل البلاد وممن جاءوا إليها من مختلف دول العالم، وقد بلغ عدد النساء المقيمات في عدن من أصول أجنبية حوالي 15819 امرأة، كما بلغ عدد النساء العاملات في مجال تكنيس الشوارع حوالي 105 نساء وهن من نساء الطبقة الفقيرة وعدد نساء الصومال حوالي 4435 امرأة، وهناك النساء الهنديات والباكستانيات المسلمات وعددهن 6913 والاوروبيات عددهن 1332 واليهوديات عددهن 351 امرأة.

تعليم الفتاة في عدن
يعود تاريخ تعليم المرأة في عدن إلى عام 1925م وكان ذلك في مدينة الشيخ عثمان حيث فتحت اول مدرسة أهلية تحت إشراف السيدة نور حيدر، وكان التعليم في تلك الأيام مقتصرا على الكتابة والقراءة والحساب البسيط. وفي عام 1935 افتتحت الحكومة مدرسة ابتدائية للبنات في عدن. وفي عام 1941م انشأ رجل الاعمال الفرنسي المقيم في عدن توني بس مدرسة في الشيخ عثمان وقدمها هدية لحكومة عدن وقد عينت السيدة نور حيدر مديرة لها حتى عام 1961م. وفي عام 1947م افتتحت حكومة عدن أول مدرسة ابتدائية في التواهي وبعد ذلك فتحت عدة مدارس للبنات وكلية البنات، وفي بداية عام 1960م شهد المجتمع العدني اول حدث في تاريخ المرأة العدنية المعاصر اذ نجحت ست فتيات عدنيات لأول مرة في امتحان شهادة الثقافة العامة وكان عدد الطالبات في مدارس عدن الابتدائية حتى عام 1961م (2172 فتاة) و(512) طالبة في المدرسة المتوسطة، وهناك فتيات في كلية البنات بخورمكسر، هذا عن المدارس الحكومية المنتظمة، وكانت توجد مدارس خاصة للفتيات اللائي تخطت أعمارهن العمر المطلوب وهي مدرسة صف ابتدائي تدار من قبل الحكومة، أما المدارس الاهلية للبنات كانت توجد ثلاث مدارس وتدير الحكومة في ذلك الوقت صفوفا مسائية للبنات الكبار والأميات ويتعلمن فيها العربية والانجليزية والكتابة والقراءة والحساب والخياطة.

وعند زيادة تعليم البنات تطلب هذا الجهد معلمات جدداً نظرا للتوسع في هذا المجال وحول هذا الامر يذكر التقرير : «فقد اخرجت الحكومة إلى حيز الوجود مشروع تدريب المعلمات حتى يتخرجن للتدريب في مدارس البنات المختلفة، واستوردت الحكومة مدرسات من الجمهورية العربية المتحدة في بادئ الامر وقد خدمت هؤلاء المدرسات المصريات تعليم الفتاة في عدن بكل إخلاص وبعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م غيرت الحكومة الانجليزية المدرسات المصريات بمدرسات أردنيات، وعدد المدرسات العدنيات في عدن حتى الآن 105 بين مدرسات ومديرات المدارس الابتدائية، وهناك ايضا 20 فتاة تحت التدريب، أما عدد المدرسات المستجلبات من الخارج فهو 12 ما عدا المدرسات الانجليزيات والهنديات.

وكانت أول بعثة من المدرسات قد ذهبت إلى السودان عام 1947م وقد كانت مكونة من 8 فتيات».

ومنذ عام 1950م حتى عام 1960م أسهمت المرأة العدنية في عدة مجالات عملية مثل التدريس والتمريض وعددهن في هذا العمل 132 ممرضة، وعاملات في التلفون وعددهن ثلاث وإدارة الخزينة وعددهن ثمان والمعارف وعددهن ثلاث وإدارة البلدية وعددهن 105، وسبع في إدارة الصحة المحلية وثلاث عاملات في السجن وامرأة تعمل في اذاعة عدن وواحدة في المطار وثلاث في البنك الشرقي وواحدة في البنك العربي وسبع في سينما بلقيس وذلك ما يوضحه تقرير عام 1961م.

الجمعية العدنية للنساء
كان أول ناد نسائي أسس في عدن عام 1941م، وفي عام 1950م أسست في عدن حركة الخدمة النسوية .. ومن تاريخ الجمعية العدنية نقف أمام بعض أحداث تلك الفترة:

كانت رسالة الجمعية العدنية للنساء الهدف التعليمي والتثقيفي وإقامة الحفلات الاجتماعية، وكانت توجد في مقرها مكتبة للقراءة وكانت ترأس هذا النادي سيدة عدنية وهي نبيهة حسن علي، وقد ازداد عدد المشتركات من العدنيات العربيات، أما الهيئة الإدارية في هذه الجمعية فتتكون من عضوات من مختلف الجاليات العربية والأجنبية، وفتحت صفوفاً لتعليم اللغة الانجليزية كما كانت للجمعية نشاطات رياضية ورحلات.

في عام 1957م حدث انشقاق داخل الجمعية عندما جرت الانتخابات ورشحت السيدة سعيدة محمد علي باشراحيل وأيدتها جميع السيدات العدنيات غير الانجليزيات وغيرهن من الأجنبيات اللاتي حاربنها ومن هنا حصل ذلك الخلاف، مما دفع بالسيدات العدنيات والعربيات ليؤسسن جمعية أسمينها (الجمعية العدنية للنساء) وشمل نفوذها كل أنحاء عدن، ووصل عدد العضوات فيها في الشهر الأول 500 عضوة، وقد فتحت صفوفا دراسية مسائية للأمهات البالغات وكانت تدرس اللغة العربية والانجليزية والحساب والخياطة وكان الفضل يعود في تأسيس هذه الجمعية إلى سيدة عدنية هي رقية لقمان والمعروفة باسم أم صلاح لقمان.

وعن إسهامات أم صلاح لقمان يقول التقرير : « فتحت هذه السيدة دارها لهذه الجمعية الوليدة وكانت تستقبلهن بصدر رحب وتقدم لهن كافة التسهيلات المتطلبة في أية جمعية حديثة أو ناد جديد، هذا إذا أخذنا في بالنا الصعوبات التي كانت تعانيها المرأة العدنية وهي في الحجاب، وزاد تحمس هذه السيدة لهذه الجمعية لأنها بفضل تجاربها في خدمة مصلحة المرأة العدنية بدأت بنشء اجتماعي نسائي لم تعهده مدينتنا الخالدة عدن وبطبيعة الحال فقد نشأ من هذه الجمعية الوعي القومي النسائي».

وعن نشاطات الجمعية العدنية للنساء جاء في التقرير : «قامت هذه الجمعية بنشاط رياضي فقامت برحلات عديدة وكانت ناجحة ومن هذه الرحلات كانت رحلة الى الجمهورية العربية المتحدة، حيث استقبل الوفد النسائي العدني السيدة عواطف الكيلاني سكرتيرة الاتحاد القومي، وقامت الجمعية أيضاً برحلة إلى جيبوتي ورحلة إلى المحميات. وجاء عام 1956م ففي أكتوبر من ذلك العام حدث العدوان الثلاثي فخرجت النساء العربيات وهن بالحجاب في الشوارع وجمعن التبرعات لمنكوبي بورسعيد الأبطال، وجمعت في ظرف أسبوع مبلغ 2000 الف جنيه استرليني، وكانت هؤلاء النساء هن نساء الجمعية العدنية».

حقوق المرأة السياسية في عدن
العدد الثامن من مجلة «فتاة شمسان» الصادر يوم الثلاثاء 1 أغسطس 1961م الموافق 19 صفر 1380هـ السنة الثانية يذكر أن السيدة ماهية نجيب أثناء مقابلتها في لندن مع زعيم من زعماء حزب العمال، أثارت موضوع حقوق المرأة السياسية في عدن وكان رده على التساؤل حول هذا الموضوع بأن مثل هذه الطلب يجب ان يأتي من كل نساء عدن بموافقة الجميع وذلك يكون عن طريق منظمة سياسية أو هيئة نسائية كبيرة، وقد وجهت السيدة ماهية نجيب هذا الكلام إلى الأحزاب السياسية في عدن وإلى الجمعية العدنية للنساء.

وفي العدد 11 الصادر يوم الأربعاء بتاريخ 1 نوفمبر 1961م الموافق 23 جمادى الأولى 1381هـ يتحدث المستر ريجنالد سورنسن، عضو مجلس العموم البريطاني عن حقوق المرأة العدنية في مجال الانتخابات وكذلك في حقل الصحافة النسائية وفي هذا الجانب قال : «أنه أمر يشجع على تقدم المرأة في عدن أن نرى سيدة عدنية هي السيدة الجليلة ماهية نجيب تحرر صحيفة هي «فتاة شمسان» وذلك في كتيب أصدره باللغة الإنجليزية في لندن بعنوان «عدن والمحميات واليمن».

وعن مجلة «فتاة شمسان» ومحررتها قال : «والمعروف أن مجلة «فتاة شمسان» هي أول مجلة نسائية في جنوب الجزيرة العربية وأن السيدة العصامية ماهية نجيب هي أول صحفية تملك وتحرر صحيفة في هذا الصقع من العالم العربي».

وفي كتابه يقول المستر ريجنالد سورنسن عن الحقوق الانتخابية للمرأة العدنية :«إن الحقوق الانتخابية في عدن تستبعد المرأة في الوقت الحاضر.. إنه من المعقول جداً أن يكون هناك إجماع عام واتفاق شامل قبل تقديم الحقوق الانتخابية للمرأة في عدن.

إن سويسرا وشمال نيجيريا لا تعترفان بحقوق المرأة الانتخابية في الوقت الحاضر، ولكن هذه الحقيقة لا يجب أن تقلل من الانتظار للمرأة العدنية فالمرأة العدنية حتى وإن لم ينضج بعد وعيها السياسي وحتى وإن كان كل همها الآن هو المنزل وتربية الاطفال إلا أنها لا تقل وعياً عن المرأة الهندية وعن المرأة في غرب وشرق نيجيريا حيث تمارس المرأة حقها الانتخابي، ويجب أن لا يغرب عن البال أن المقارنة في هذه الحالة لسبب سليم لأن الاحزاب السياسية في الهند وشرق وغرب نيجيريا هي التي قررت ذلك، بينما الأحزاب السياسية في عدن أو في المحميات لم تقرره.

إنه من الممكن جداً أن نفرض حقوق المرأة الانتخابية بالرغم من رد الفعل الذي قد يحدث عند الرجال، ولكن هذا قد يثير السخط عند الرجال فيكون من المعقول أن يحذوا حذو نيجيريا ومع مرور الأيام سوف تخف الحركات العدائية المركزة ضد حقوق المرأة الانتخابية وسوف يتوسع تعليم الفتاة وحينئذ سوف تكون المساهمة في تحقيق تحرير المرأة قوية جداً وأنه لأمر مشجع حقا على التقدم أن نرى سيدة عدنية تحرر صحيفة نسائية اسمها «فتاة شمسان».

في العدد الثاني من نفس المجلة الصادر يوم الأربعاء 1 فبراير 1961م الموافق 15 شعبان 1380هـ ينشر في الصفحة الأولى هذان العنوانان (ماهية نجيب وقدرية زين تمثلان عدن في مؤتمر نساء آسيا وأفريقيا) و(مندوبة اليمن تحتج على وجود ممثلات لعدن والجنوب العربي).

فتاة شمسان تدخل مع الوفود بيت الرئيس جمال عبدالناصر
وجاء في سياق المادة الصحفية لهذا الموضوع أنه مثلت عدن والجنوب العربي في ذلك المؤتمر( المؤتمر الأول لنساء آسيا وأفريقيا) كل من السيدة ماهية نجيب والسيدة قدرية زين الحازمي، وكانت قد رحبت بهما بهية كرم، سكرتيرة المؤتمر.

وقد كانت السيدة ماهية نجيب والسيدة قدرية زين الحازمي ضمن اعضاء وفود نساء آسيا وافريقيا اللواتي زرن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في منزله فجأة ودون موعد سابق، وفي هذا اللقاء قال جمال عبدالناصر : «إنني سعيد أن أرى أعضاء مؤتمر المرأة الآسيوي الأفريقي. أنا سعيد بهذه المفاجأة أن أرى نساء أفريقيا وآسيا على غير موعد. إنني اشعر بسعادة هذه الروح التي أراها. أرجو لكن النجاح في مؤتمركن . أن منزلي هو بيت العرب والشعوب الأفريقية والآسيوية».

وتمنى الرئيس جمال عبدالناصر لعدن والجنوب العربي كل تقدم عندما صافحته ماهية نجيب وقدرية زين وطلبتا منه أن يسمح لكلتيهما باخذ صورة معه فوافق .. كانت ماهية على يمينه وقدرية على يساره.

رجاء لقمان .. رائدة في حقل العمل المختلط
في العدد الرابع من مجلة فتاة شمسان الصادر يوم السبت 1 ابريل 1961 الموافق 15 شوال 1380هـ نشر هذا الموضوع مع صورة : «رجاء لقمان أول آنسة عدنية تعمل في حقل التلفون .. والمسؤولة عن الاتصال الخارجي وهي تصل عدن بالعالم الخارجي على أمواج الأثير.

حينما تتصل عواصم العالم بعدن يكون صوتها الرقيق هو أول صوت يرد (راديو تلفون عدن في الخط).

هذه هي الآنسة رجاء لقمان، رائدة أخرى من فتيات شمسان في حقل العمل ..فلقد كانت رجاء أول آنسة عربية عدنية تتقدم للعمل في إدارة التلفون وما لبثت أن أصبحت رائدة لغيرها من اللواتي التحقن بسلك إدارة التلفون أو اللواتي انخرطن في حقل العمل المختلط في الإدارات والشركات وهي الآن رئيسة الفتيات العاملات في إدارة التلفون.

سألتها «فتاة شمسان» عن شعورها عند بدء اشتغالها فقالت : في البداية كان الحياء يغلبني ولكنني بتشجيع رؤسائي استطعت أن اتغلب على شعور الحياء والرهبة وعندما عهد إليّ بعملي الحالي في قسم الاتصال الخارجي أبديت الخوف من الفشل .. ولكن رئيسي طلب مني أن لا اتسرع في الرفض وأمهلني أسبوعاً لأفكر وأتمرن .. ولم ينته الأسبوع حتى قبلت العمل. سألتها : والآن ما هو شعورك، فردت: عادي جداً ..أصبح العمل مثل شربة الماء».

إقبال الفتاة العدنية على العمل
وفي نفس العدد ينشر موضوع عن إقبال الفتاة العدنية على العمل، فقد طلبت إدارة السكرتارية في إحدى الشركات ثلاث عدنيات للعمل، وكذلك شركة قهوجي، وكان مشروع التعدين في شركة البس توظيف الفتاة العدنية وأيضا الإدارات الحكومية المتعددة والمستشفى والشركات الأخرى، وشركة خطوط عدن الجوية والتي كانت قد طلبت 11 فتاة للعمل كمضيفات وكاتبات في الإدارة.

حق المرأة السياسي
في العدد الخامس من هذه المجلة الصادر يوم الأحد 1 مايو 1961 الموافق 17 ذو القعدة 1380 هـ تكتب مواطنة عدنية عن هذا الجانب من تاريخ الحركة النسائية في عدن: «أثناء زيارة وزير المستعمرات المستر أيان ماكلود وانعقاد المؤتمر الصحفي سأله الأستاذ محمد علي لقمان عن حقوق المرأة العدنية السياسية وعن إعطائها حق الترشيح والتصويت.

وقد أجاب الوزير على أنه خلال السنتين القادمتين سوف يطرأ تغيير يخص المرأة.

ونحن نقول إننا من الآن نريد أن ننال حقوقنا السياسية وأن جميع بلدان العالم تنال المرأة حقوقها كاملة إلا نحن ليس لنا حقوق مثلما للرجل، ونحن يا وزير المستعمرات ويا حكومة عدن لنا حقوق كثيرة لم نتحصل عليها مثل بقية الأمم، أولا التعليم فتعليم الفتاة في عدن لا يعادل مستوى تعليم الولد. وكذلك المرأة في عدن والجنوب العربي مهضومة الحقوق في أشياء عديدة فهل من العدالة والديمقراطية أن نعيش بعد منتصف القرن العشرين ونحن مسلوبات الحقوق الاجتماعية والسياسية».

هذه بعض الصفحات من تاريخ الحركة النسائية في عدن، وهي وإن كانت لا تلم بأحداث مختلف المراحل وتتصل حلقاتها بكل العوامل المسببة دفع أفعال التغيير الاجتماعي نحو التحرك الموضوعي وتحويل الفكرة إلى عمل، فهي تقدم رؤية ومحاولة ذلك الجيل من النساء الرائدات في حقل الحقوق الاجتماعية للمرأة العدنية، والتي جاءت من مكانة عدن كمدينة عرفت أسس التقدم والاتصال مع العالم الخارجي حتى تفرز مثل هذه المستويات من الأعمال القائمة على دعائم المعرفة وفهم الآخر، وذلك من صفات عدن المدينة والتاريخ والإنسان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى