أيــام الأيــام..ممارسات السلطة الخاطئة والخطيرة

> محمد عبدالله باشراحيل:

>
محمد عبدالله باشراحيل
محمد عبدالله باشراحيل
يقال إن العدل أساس الحكم، وطبيعي بزاول هذا الأساس يزول الحكم، ولقد انهارت امبراطوريات عظمى وسقطت ممالك ودول ذات شأن وهوى معها ملوكها وحكامها نتيجة لغياب العدل فيها. وانعدام العدل يأتي إما بقصد وهي الحالة التي يكون هدف الحاكم من الاستيلاء على السلطة الثراء والهيمنة له ولحاشيته دون مراعاة لمصالح الأمة، وهنا تنطبق على الحاكم المقولة «إن كنت لا تستحي فافعل ما شئت»، أو قد يأتي انعدام العدل من دون قصد الحاكم، وذلك عندما تحيط به بطانة أو شلة فاسدة تزين له الأمور وترسمها له في صورة وردية وتظهرها له من زاوية واحدة تبهره بها، وتخفي عنه حقائق الزوايا الأخرى المظلمة، وهي بدورها تعيث في الارض فسادا. وبدرجة أساسية يأتي انعدام العدل في ظل غياب الدولة بمفهومها الحضاري والمؤسسي والقانوني، الأمر الذي يقود إلى ممارسات خاطئة وفادحة تجاه الوطن والمواطنين من قبل المتسلطين.

وفي بلادنا ومع تفشي الفساد الذي تعترف السلطة بوجوده فإن هناك ممارسات خاطئة وخطيرة - وما أكثرها - تهدد كيان المجتمع ومصالحه الحيوية وتنذر بالانهيار، وبعض نماذجها تتمثل في الآتي :

أولا: الاتجاه الخطير والممارس الذي يربط الوظيفة بالولاء للحزب الحاكم كقاعدة، ويفترض أن تكون القاعدة معتمدة على المؤهل العلمي والخبرة والعطاء ويكون الاستثناء للولاء، فالوطن للجميع. وفي رأينا إن الاستمرار في تطبيق هذا المبدأ له خطورته وتأثيراته على الوحدة الوطنية وعلى تعطيل التنمية التي من أهم عوامل دفع عجلتها الاستخدام الأمثل للموارد البشرية، والعكس صحيح.

ثانيا: الجمع بين الوظيفة القيادية وممارسة النشاط الاقتصادي والتجاري الخاص، وفي هذا الصدد يلاحظ أن بعض المسؤولين القياديين لديهم شركات تجارة ومقاولات وخدمات وغيرها، ويستغلون مواقعهم في إزاحة المنافسين لهم كونهم يملكون سلطة شبه مطلقة، والسلطة شبه المطلقة مفسدة شبه مطلقة، وهذا لا يجوز بل ومرفوض.

ثالثا: الاستمرار في نهب الأراضي من قبل المتنفذين أو تمليكها بمساحات بالكيلومترات لأبناء المسؤولين والمشايخ، ولا يحصل هذا إلا في المحافظات الجنوبية والشرقية.

رابعا: حكر المنح الدراسية الجامعية في الخارج بتمويل من الدولة على أبناء المتنفذين في السلطة، بينما كان في عهد حكم السلاطين والاستعمار يرسل المتفوقون الأوائل ومن مختلف فئات المجتمع، فالمعيار هو التفوق وليس القرابة من السلطان أو الشيخ. والحال نفسه ينطبق على المتفوقين في الجامعات الحكومية اليمنية إذ يلاحظ أنهم لا يوظفون في جامعاتهم ومن ثم لا يستطيعون مواصلة دراساتهم العليا لأن المعايير مختلفة ولا يعتمد التفوق كمعيار.

خامسا : إعطاء فرص للعمل في المشاريع التي تنفذ من قبل شركات أجنبية في المحافظات إلى أبناء وأقارب المتنفذين والموالين للسلطة من دون مراعاة للقرار الصادر والمنظم لهذا الشأن والذي تضمن «أن يتم توظيف 80% على الأقل من العاملين من أبناء المحافظة التي ينفذ فيها المشروع» وواقع الحال أن التوظيف في المحافظات الجنوبية يتم بصورة معكوسة.

سادسا: شبه احتكار للمقاولات الإنشائية والطرقات على مقاولين مرتبطين غالبا بمصالح في المركز بوزارة المالية، وعند رسو المناقصات على مقاولين محليين توضع أمامهم العثرات المفتعلة والعوائق المصطنعة، ولعل خير مثال ما حصل في محافظة حضرموت عندما تدخل المحافظ الأستاذ عبدالقادر هلال مشكورا وكسر الاحتكار وأشرك المقاولين الحضارم في المناقصات المتنافسة، التي سبقت الاحتفالات بعيد الوحدة الخامس عشر بالمكلا، وبعد تنفيذ هؤلاء المقاولين مشاريعهم حسب المواعيد المتفق عليها وفي زمن قياسي، لم تدفع لهم وزارة المالية بصنعاء مستحقاتهم المنصوص عليها في العقود المبرمة مع المحافظة تحت مبرر أن تلك العقود تجاوزت السقوف الموضوعة للأعمال الإنشائية، ومع بروز المشكلة كونت لجنة صلح واضطر المقاولون إلى الموافقة على استلام المبالغ التي كانت أقل مما هي واردة في العقود حتى لا يضيع كل شيء، علما بأن القاعدة القانونية تقول «العقد شريعة المتعاقدين» ولكنها لا تطبق على الجميع، ووزارة المالية في المركز تكيل بمكيالين.

والممارسات الخاطئة للسلطة كثيرة ويصعب حصرها، وهذه غيض من فيض، وختاما فقد سمعت عندما كنت أشاهد أحد برامج قناة الجزيرة أن جمعية الرفق بالحيوان في بريطانيا قد ضغطت على الحكومة لصدور قانون خاص بحقوق الحيوانات وقد نصت إحدى فقراته على تحديد كمية الطعام اللازم وساعات العمل والراحة للحمير التي تستخدم لأغراض سياحية في بعض المناطق لأنها كانت مستغلة من قبل مالكيها.

واستفساراتنا متى تسود المساواة وعدم التمايز بين المواطنين ويبزغ فجر العدل؟ ومتى سيحصل المظلومون على حقوقهم في العمل والثروة كما حصلت الحمير على حقها في الطعام وساعات العمل في بريطانيا؟

إننا نعيش عالمين عجيبين ومتناقضين، عالما ظالما للإنسان وعالما رءوفا رحيما بالحيوان .. سبحانك يا رب!

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى