الجامعة في عصر ثورة المعلومات والاحتياجات المجتمعية في ظل اقتصاديات

> د. محمد عبدالهادي:

> يمثل التعليم بعداً هاماً لأمن الشعوب وتقدمها واستقرارها، وهو ما يتأكد من خلال الدور الذي يلعبه التعليم في إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع.

فالتعليم العالي يعد من أهم المؤسسات التعليمية المعنية بمد المؤسسات الانتاجية والخدمية للمجتمع بخريجين من ذوي القدرات المهنية المؤهلين تأهيلاً عالياً للقيام بالمهام المناطة بهم.

فالجامعة مؤسسة تعليمية، ثقافية، رفيعة تؤثر وتتأثر بالمحيط الاجتماعي الذي نشأت فيه، فهي من صنع المجتمع من ناحية، وأداة فاعلة في احداث تغيير جوهري في البنى الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، المهنية والسياسية من جهة اخرى، ومن هنا لا يمكن الفصل بين التنمية والتعليم، فهما مفهومان وثيقا التداخل والتكامل، فالتنمية في المحصلة الاخيرة غايتها رفاهية الانسان وتقدمه.

ومن أجل أن تكون هناك كفاءات علمية رفيعة ومهارات فاعلة ومتميزة تؤدي دورها في خدمة المجتمع ورفد السوق باحتياجاته المطلوبة وفقاً لمواصفات العصر ومتطلباته، نرى أن الجامعات التي تواكب التطور العلمي والتقني والمعلوماتي تتجه صوب التخصص الدقيق في مختلف المجالات، من منطلق ان التعمق في التخصص الدقيق يقود صاحبه إلى اكسابه مهارات عالية يتم تغذيتها باستمرار، وإلى متابعته للتطورات الجديدة وبشكل دائم لاقتناء معارفه العلمية والمعلوماتية خدمة لاغراض المجتمع والتطوير المستمر للعملية التعليمية ومناهجها والخطط الدراسية النظرية والعملية.

في حين نرى أن الجامعات العربية باستثناء القليل منها -حكومية وخاصة - لا تزال تعاني من مشكلة تدني المستوى العلمي في كلياتها وتخصصاتها المختلفة، ويعود ذلك كله إلى أسباب رئيسية أهمها عدم ربط مخرجات التعليم الجامعي باحتياجات السوق، مما ادى إلى انفصام بين الجامعة وحاجة السوق وتطلعاته، وإلى الرتابة والتقليد في طرق التدريس، وللوسائل الايضاحية العتيقة المستخدمة وعدم ملامسة المناهج التعليمية الجامعية للواقع وللاحتياجات المجتمعية.. وضعف التدريس النوعي وتحديداً للمجالات التي ترتبط اساساً بهذا النوع من التأهيل للمهارات وتنميتها باستمرار، مما يفرض هذا الواقع على الجامعات العربية، ومنها الجامعات اليمنية الحكومية، لمواكبة هذا التطور النوعي البدء أولاً في عملية إحداث انقلاب حقيقي في شكل ومضمون العملية التعليمية واتباع أسلوب حديث عند وضع المناهج الدراسية الجامعية المتطورة لتتجاوز حال الواقع الذي يتسم بعدم ارتباط هذه المناهج بالواقع لا من قريب ولا من بعيد، بمعنى اقرار منهج تعليمي حديث ومتطور يستوعب الطفرات التي احدثتها مجالات التطور العلمي التكنولوجي والتقني ويربط التعليم الجامعي بالعمل المنتج، ووضع آليات تعكس طبيعة التخصص النوعي وتراعي الجانبين النظري والتطبيقي في مجرى العملية التعليمية برمتها.

وهذا الفعل هو القادر على اظهار وظيفة الجامعة الحقيقية ودورها في المجتمع من ناحية، وتنمية امكاناتها المادية لتفي باحتياجاتها الضرورية من خلال الاعتماد على برامج التنافس في سوق العمل من ناحية أخرى، وإلى الحركة الفاعلة في خلق علاقات تعاون نفعي متبادل وشراكة اقتصادية مثمرة مع الشركات والمؤسسات والادارات الخدمية والانتاجية والمراكز البحثية والدراسات، واتباع اشكال وأساليب وطرق متعددة للتعليم الجامعي النافع يمكنها من تنمية مواردها المالية لسد احتياجاتها العلمية ذات الاغراض المتنوعة، ويقلل من اعتمادها الكلي على الاعتمادات المالية للدولة والتي في كثير من الاحيان تعيق اداءها وحركتها ورسالتها.

فالجامعات العريقة صاحبة الاسم اللامع في عالم التعليم الجامعي الرفيع بمختلف مجالاته وتخصصاته انتهجت اسلوب التعليم الجامعي المواكب للتطورات العلمية المتسارعة وتقنيات طرق التدريس الحديث ورسمت خططا استقلالية من خلالها يتم زيادة مواردها المالية واعتمادها على ذاتها وتكوين شخصيتها الجامعية باستقلالية دون قيود او توابع.

ومن هنا جاءت اهمية انعقاد ورشة الاعتماد وضمان الجودة لمؤسسات التعليم العالي، والتي عقدت مؤخراً من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتعاون مع المركز الوطني للمعلومات والاعتراف في بريطانيا والمنظمة الالمانية للخدمات الاكاديمية وبمشاركة رؤوساء الجامعات ونوابهم، كبداية عملية هامة لمعالجة اوضاع التعليم الجامعي في بلادنا وتغيير فعلي لكل ما درجت عليه العمليات التعليمية في العقود الماضية، لتتحول التغييرات في المناهج الدراسية والمهارات العملية الى هياكل وأدوات جديدة توظف التقنية الحديثة المتطورة في خدمتها، وتفرض وسائل ومداخل وآليات جديدة للتعليم، لتأهيل كادر يستوعب في سوق العمل لديه الكثير من المواصفات المؤهلة للعمل.

وبهذا تكون الجامعات اليمنية قد خطت الخطوة الأولى على طريق أولويات الاصلاحات التعليمية الجامعية المطلوبة.

استاذ الإعلام المساعد - جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى