يافع.. هبة المطر

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
يافع هي هبة المطر، يحييها إن جاد فيفترُ ثغر الزمان حين ترتدي الكساء الأخضر، «وتكاد من الحُسن أن تتكلما» وديانا وجبالا ومدرجات ومنحدرات سحيقة وذرى تطاول السُحب وتعانقها شاكرة أو عاتبة أو شاكية أو غاضبة، وحين يشحُ المطر حدَ الهجر وأحيانا حدَ الطلاق فإن الأرض تتجهم ومعها يتجهم الإنسان والحيوان، وحتى الرياح تطارد بعضها البعض في الشِعاب وما بين البيوت مثيرة غبار الأرض الظمأى في عيون الناس لعلهم يستمطرون فتهدأ حين الغيث وتتحول إلى نسيم بليل ينعش الأرواح ويسعد الليالي الملاح، فلا يكون للناس حديث غير حياة الأرض بعد موتها وكيف اهتزت وربت، وكيف عزفت موسيقى المطر، وأول سؤال يطرحه المهاجر المتصل من الغربة: خبروني عن المطر، فإذا كان الجواب بالإيجاب، تتصل الأسئلة عن مقادير المطر والأطيان التي سقيت.. ياله من خبر سعيد يعطي للاتصال معنى جميلا يشارك فيه الخيال والحنين وحب الأرض، ولهم في تقدير كميات المطر مصطلحات دقيقة وكذلك في أنواعه بين رَشَاشْ لدموع السحب العابرة تؤدي التحية فقط و«هزجة» أو «هزجتين» للسحب الأكثر كرما بقليل و«مقلاحي» لتلك التي سقت الأطيان دون أن ترويها حتى الثمالة و«داجن» أو «داجنة» لذلك المطر المحبب الخفيف الذي قد يستمر ليلة بأكملها تشربه الأرض بهدوء دون أضرار ولا تراب يجرف إلى الشعاب وصولا إلى السيل وحتى وادي «بنا» لتغذية دلتا أبين «مصائب قوم عند قوم فوائد» وما أفلته الفم تلقفته اللحية، وهناك المطر الكثيف العنيف «المدرار» يضرب الأرض بقسوة فيفجر «الأودان» ويجعل «الأعبار» أثرا بعد عين، فتُفجع المدرجات في الجبال حيث ينهار بعض منها يعود بناؤه إلى آلاف السنين ورهّمته أجيال متعاقبة، بينما يفرح وادي بنا ويسعد بالسيول القادمة إليه من كل فج وصوب.. الخلاصة: هناك علاقة حميمة بين الناس في الهضبة اليافعية التي خدَدتها الأمطار عبر ملايين السنين، فقد كانت رتقا ففتقتها البروق والسحب، وبين الأمطار مانحة الحياة والمبشرة بالخير و«لايعرف الشوق الا من يكابده».

زرت يافع في العيد، ونسيت «هجري» كله في لحظة، ورجعت ما أحلى الرجوع إليه.. الطريق عبر لحج وردفان أجنحة طائر تطوي الأرض طيا، وكنت أغني لها: «فوق الجبل حيث وكر النسر فوق الجبل»، لقد مشيت تلك المسافة على قدميَ أربعة أيام بلياليها إلى عدن، والآن أربع ساعات إلا، لقد خضعت الجبال لعنفوان الإنسان وعبقرية المهندسين والعاملين وها هي سيلة «وطز» التي كانت تنخل السيارات نخلا قد أراحت واستراحت وامتد بمحاذاتها جسر متين يصل إلى أعلى «يهر» حيث يبدأ «نقيل الخلا» الذي كانت قافلة الجمال تتطلع إليه من السيلة فتصدر أصوات استغاثة «ضعيج» بعد أن خبرت صخوره وملاويه ونالها من تعبه فوق ما نالها من تعب الزمان ومكابدة الهوان في خدمة الإنسان... (للموضوع صلة).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى