الانتعاش الاقتصادي مرهون بالتعجيل في تخفيض معدل الفائدة

> د. محمد حسين حلبوب:

>
د. محمد حسين حلبوب
د. محمد حسين حلبوب
من خلال التجربة الاقتصادية في الدول المعاصرة، اتضح أن الخروج من حالة الركود الاقتصادي، والانتقال إلى حالة الانتعاش، يتطلب من الحكومة المعنية اتخاذ اجراءات مالية منشطة، أهمها «زيادة الانفاق الحكومي غير التضخمي» و«تخفيض نسب الضرائب» وبالتوافق والتكامل مع ذلك، يجب اتخاذ اجراءات نقدية منشطة أهمها «تخفيض معدل الفائدة» و«تخفيض مستوى الاحتياطي المطلوب من البنوك، لدى البنك المركزي» ويعتمد مستوى ونوع الانتعاش الاقتصادي على التوقيت المناسب لهذه الاجراءات، ودرجة توافقها وتكاملها مع بعضها، ومدى تأثيرها في تحفيز الاستثمار.

وفي بلادنا، بعد عشر سنوات عجاف من الركود الاقتصادي الثقيل، بدأت الحكومة باتخاذ بعض السياسات «المالية» المنشطة للوضع الاقتصادي كان من أهمها:

1- إصدار عدد من القرارات الهادفة إلى تخفيض الضرائب والرسوم الجمركية، في يوليو 2005م.

2- زيادة الأجور والمرتبات لشريحة كبيرة من موظفي الدولة، من خلال نقلهم إلى الهيكل العام للوظائف والمرتبات والاجور.

3- زيادة الانفاق الحكومي في ميزانية عام 2006 بواقع 40%.

كما نتوقع زيادة تحويلات المغتربين اليمنيين، في دول الخليج والسعودية - بتأثير الزيادة الكبيرة في عوائد النفط لتلك الدول - وهذا سوف يضيف متغيرا ماليا إضافيا يعزز الاجراءات المالية الحكومية، التي تسعى إلى رفع مستوى الدخل الفردي لتنشيط الاقتصاد.

والملاحظ أن السياسات «النقدية» التي من المفترض أن يتم البدء بها لمواكبة تلك المتغيرات «المالية» قد تأخرت، ولا زالت الاجراءات النقدية الانكماشية (معدل الفائدة المرتفع، ومستوى الاحتياطي المرتفع) دون تغيير.

ونخشى أن تطول فترة التأخير، فيتلاشى الأثر الايجابي للإجراءات المالية، فلا يتحقق الهدف المطلوب تنفيذه وهو تنشيط الاقتصاد وتحفيز الاستثمار.

إن استمرار معدل الفائدة على مستواه المرتفع الحالي يعرقل الاستثمار الجاد لأنه يجعل القروض والتسهيلات المصرفية عالية الكلفة. وهذا سبب اضافي يدفع ما تبقى من المستثمرين الجادين إلى مغادرة اليمن والانتقال باستثماراتهم إلى دول الخليج والسعودية، خاصة مع تزايد علامات الانتعاش الاقتصادي وانخفاض كلفة القروض والتسهيلات المالية، بسبب تدني معدلات الفائدة في تلك الدول.

ان تأخر البنك المركزي في تخفيض معدل الفائدة سوف يؤدي إلى اتجاه السكان بمعظم الزيادة في دخولهم إلى «سوق القات»، وإنتاج القات والمتاجرة به مجال اقتصادي لا يمكن الارتكاز عليه لتنشيط الاقتصاد الوطني، لأنه لا يمتلك الارتباطات القادرة على تحفيز مجالات الاقتصاد الاساسية. كما أن ارتفاع أسعار القات، سوف يرفع من دخول منتجيه والمتاجرين به، وهذا هدف لا نعتقد أن الحكومة تسعى لتحقيقه.

إن قراءتنا للوضع الاقتصادي، تعطينا بعض المؤشرات التي يمكن خلالها التأكيد بأن تخفيض معدل الفائدة سوف يلعب دوراً هاماً في تنشيط الاقتصاد الوطني، أكثر من أي إجراء اقتصادي آخر، لأن تخفيض معدل الفائدة إلى مستويات مناسبة سوف يكون له تأثير كبير في تنشيط مجال البناء والتشييد الذي يمتلك ارتباطات قوية مع بقية المجالات الاقتصادية قابل للاستمرار والتطور، خاصة وأن لدى اليمنيين في هذا المجال خبرات واسعة، تم توارثها عبر الاجيال.

إن البناء والتشييد، في بلادنا، هو المجال الذي يمتلك مقومات كافية لمنافسة «سوق القات» على الدخل الاضافي للسكان. لكن ذلك يشترط مساهمة البنوك التجارية، ومنحها القروض والتسهيلات المصرفية للجمهور بفائدة معقولة، وهذا لن يتحقق إلا إذا اقدم البنك المركزي على تخفيض معدل الخصم (معدل الفائدة) لديه، لأن ذلك سيحد من «الاستثمار الطفيلي» لأموال البنوك التجارية، في البنك المركزي، وسيجعلها تتجه إلى استثمار الاموال المتوفرة لديها في مجالات أخرى أكثر خلقاً للوظائف وأكثر نفعاً للمجتمع.

لقد تعودنا على تأخر البنك المركزي (المسؤول عن السياسة النقدية) في اتخاذ القرارات المناسبة في وقتها المناسب، وهذه عادة لم تظهر الدلائل تخلصه منها. لكن قرار البنك المركزي «بوضع اليد» على ممتلكات البنك الوطني للاستثمار والتجارة «في هذا التوقيت بالذات» يجعلنا نعتقد بأن التهيئة لتخفيض معدل الفائدة قد بدأت، لأننا نقرأ قرار «وضع اليد» على أنه رسالة تحذيرية قوية توجهها الحكومة إلى البنوك التجارية «بعدم التجاوز في منح القروض والتسهيلات» حتى لا تزداد السيولة المحلية، إلى مستوى قد يؤدي إلى تدهور قيمة العملة المحلية.

وبالمناسبة، فإننا نعتقد أن تخفيض سعر الفائدة تدريجياً، نقطة ثم أخرى، بفارق زمني معقول، هو الاسلوب الامثل، لأن التدرج يعطي ايحاء بالثقة والاطمئنان، ويسهل التأقلم الاقتصادي مع التخفيض. بخلاف ما سار عليه البنك المركزي من أسلوب القفزات في تحديد معدل الفائدة (11%،17%،22%،27%،22%، ثم رست على 13%) لأن هذا يوحي بالرعونة والتخبط وذلك يعمق عدم الثقة وعدم الاطمئنان، التي تعتبر أهم معوقات الاستثمار في بلادنا.

اخيراً نقول: إن التعجيل في التخفيض التدريجي جيد، كما أن التأجيل حتى منتصف العام مقبول، أما التأخير أكثر فخطأ كبير.

استاذ الاستثمار والتمويل المساعد كلية الاقتصاد- جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى