قيل هش فقولوا إمبعاع

> سعيد عولقي:

>
سعيد عولقي
سعيد عولقي
أضم صوتي إلى صوت واحد مواطن طيب ومحترم ومسكين وإبن ناس كان من سكان حارتنا العتيدة بيّض شعر رأسه من كثرة ما شاف في بلدنا الحبيبة من تحولات وتقلبات وتبدلات ولا أقول تطورات حتى لا تفهم الكلمة هنا بعكس معناها.. يعني انه التطورات مش في كل الحالات بالضرورة تكون إلى الأحسن.. وزيادة في التوضيح لازم الواحد يعترف انه حصلت بعض التطورات الايجابية ويمكن الكثير منها خلال العشر سنوات الماضية أو أكثر.. لكن السلبيات اللي حصلت بالتزامن معها كانت كثيرة وكبيرة إلى حد مخيف جعلها تطغى بقوة على الايجابيات وتغطيها وتحجبها عن النظر، بل وتطمرها حتى انها تكاد تمسح معالمها وتمسخها إلى درجة الضياع.. فعندما يبصر الناس بعد طول حرمان بصيص نور وشعاع ضياء وسط الظلام يستبشرون بالفرج ويفرحون.. لكن عندما يرافق ذلك أو يتبعه ركل من الاقدام على الظهور فإن نور العيون سرعان ما يخبو ويخفت ويحل الظلام فجأة ومن جديد ولا يبقى في ذاكرة الكرامة الانسانية غير وجع الركل على الظهر.. وحتى في سياق برنامج اطعام الفم لكي تستحي العين فإن المسألة تمنى بالفشل التام عندما تطال النيل من كرامة الانسان وتبلغ حدود اهدارها.. يذهب طعم الغذاء ومرة أخرى لا يبقى في الذاكرة سوى وجع الركل على الظهر!

وما يحدث مع الأفراد يحدث كذلك مع الجماعات والعشائر والقبائل والمناطق والأحزاب والتنظيمات والمنظمات والجمعيات.. وحتى مع الدول طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار الفروق الذاتية والموضوعية لكل دولة وظروفها وملامسة هذه الظروف لما يخدش الحياء وينال من السيادة الوطنية واستقلالية القرار السياسي ويمس الكرامة أو يداعبها ويلاعبها ويهاوزها ويلاوزها في اطار اتفاقات وصفقات وبرامج مرسومة ومعلومة مثل النفط مقابل الغذاء والأرض مقابل السلام والإكس مقابل التكس وهكذا.. سلم واستلم وسلم الله سالمينا.. هذا على مستوى الدول، أما على مستوى الأحزاب والقبائل والمناطق فنحنا بانقول لهم هش ولازم يقولوا امبعاع وكل جماعة خشي رأسها يا تقول امبعاع وتمشي ساني يا نروّي لها العين الحمراء.

أما على مستوى الأفراد فكل واحد حر في نفسه وحقه من ملك ومال ونار وشرار وأرض وعرض وكبرياء وشرف وكرامة.. طبعاً الحرية تأتي أولاً.. لكن والله اللي يشتي الدحّة لا يقولش أحّه واللي يطعم الحالي لا بد ما يدندل مشافره.. أما اللي ماعندوش فما يلزموش.. واللي عنده ويشتي أكثر فأهلاً به يتفضل يدخل بس بشرط.. ما يقولش كرامتي وشرفي وعود الكبريت اللي مايولعش غير مرة واحدة وغير هذا من الكلام البالي والفارغ اللي راح وقته وزمانه وانتهى أوانه.. الآن خلاص مافيش وقت لهذي الخزعبلات.. ما في إلاّ قاح بقاح قرّحوا (...) الرباح.. هات وخذ.. سلم واستلم.. ادفع وشل.. خارج عمرك واطلع باشا.. خلي الراني جنب الغلام.. امسك كراول وفك الأسبيك.. تشتي الديمن جيب الهتين، وبكذا بايمشي اللعب حالي زي العسل.. حاآآآلي يا عسل نوب!

قلت لابن حارتنا السابق الذي هدته النوائب وأجهزت عليه صروف الزمن الغادر : «ولكن يا صاحبي.. ويا جاري العزيز.. اذا فقد الانسان كرامته فإنه يفقد قيمته ووزنه ويصبح خفيفاً بلا ثقل.. تتقاذفه هبات الريح على الأرصفة.. وتكنسه أي مقشة!» هب في وجهي صائحاً وهو يمسك بتلابيبي ويهزني بقوة قائلاً: «أهبل.. أنت أبله.. لم أكن أظن انك أبله إلى هذا الحد.. أنا لا أحدثك عن الكرامة لأنني أعرفها وأملك من مخزونها الكثير.. انما أحدثك عن لقمة عيش نظيفة تسد الرمق!» وقبل أن يحني رأسه ناظراً إلى الأرض في انكسار لمحت في عينيه دمعة قهر يداريها بكبرياء.. حاولت مساعدته ببعض ما في جيبي من نقود فزجرني بحزم.. وقبل أن يمضي سمعته يردد بصوت تخنقه العبرات قائلاً: «ألا لا نامت أعين الجبناء!».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى