قنبلة موقوتة وانفجرت في السوق المصرفي!!

> د. محمد عمر باناجة:

> ظننت وظن معي كثيرون، أن البنك المركزي اليمني باتخاذه قراره المفاجئ بوضع اليد على إدارة البنك الوطني بتاريخ 7/12/2005م، إنما كان يدشن بداية مرحلة جديدة في ممارسته لدوره ووظائفه المنصوص عليها في عدد من القوانين وتحديداً منها قانون رقم (38) لسنة 1998م بشأن البنوك وقانون رقم (14) لسنة 2000م بشأن البنك المركزي اليمني، فاتحتها تعزيز دوره الرقابي والإشرافي على القطاع المصرفي وتصحيح أوضاع البنوك المحلية نحو رفع كفاءتها، وزيادة مقدرتها التنافسية قبيل انضمام بلادنا إلى منظمة التجارة العالمية.

لهذا كنت أرى - وكلي ثقة - أن القرار التالي لوضع اليد، الذي سيتخذه البنك المركزي بغرض استكمال معالجة أوضاع البنك الوطني - التي ما من شك للمركزي فيها قدر من المسؤولية - سيسعى المركزي من خلاله إلى تحقيق أكثر من هدف في آن واحد.

فبالإضافة إلى هدفه الأساسي - الذي ظل مغيباً في الفترة الماضية - المتمثل بتعزيز دوره الرقابي والتوجيهي تجاه البنوك، فإن البنك المركزي سيسعى من خلاله - أيضاً- إلى حفظ ماء الوجه للقطاع المصرفي، وتجنيب اهتزاز ثقة الجمهور بالبنوك وترسيخ سلامة السوق المصرفي، ليس هذا وحسب، بل والأكثر من ذلك كله سينأى البنك المركزي بقراره التالي من أن يكون سبباً في خلق مزيد من المثبطات للسياسة النقدية التوسعية، التي تستجيب لمسعى خطة الحكومة لزيادة معدلات النمو الاقتصادي.

ويقيناً، أن أي قرار لن يسعى البنك المركزي من ورائه إلى تحقيق تلك الأهداف، لن يكون الا مجازفة غير محسوبة في السوق المصرفي.

ولكن ما حيلتي؟.. ظننت ظناً فخاب ظني!!.. فقد صدر قرار مجلس إدارة البنك المركزي بتاريخ 25/1/2006م، قاضياً بتصفية البنك الوطني إجبارياً اعتباراً من 1/2/2006م. (إعمالاً للفقرة (أ) من المادة (49) من قانون رقم (38) لسنة 1998م بشأن البنوك).

وللأسف، لم تشفع عند مجلس إدارة المركزي كل المحاذير- التي لا أعتقد أنهم لا يدركونها - والتي ضمناها مقالنا بهذا الصدد، المنشور بصحيفة «الأيام» بتاريخ 9/1/2006م، حين قلنا بما معناه، أن قضية البنك الوطني كانت بمثابة قنبلة موقوتة في السوق المصرفي منذ أكثر من ثلاثة أعوام (.. بعد أن طفحت خروقاته حسب بيانات ومزاعم المركزي منذ عام2003م). فبينما كان الأمر يستدعي من المركزي إبطال تلك القنبلة من الانفجار تجنباً لآثارها التدميرية التي - ما من شك- ستطال، ليس فقط القطاع المصرفي وحده، بل والاقتصاد الوطني برمته. بينما الأمر كان يستدعي كذلك، وجدنا المركزي - بقراره - يفصح عجزه عن نزع فتيل القنبلة ويساهم بوصولها إلى نقطة الانفجار.

فالقرار بنصه ومضامينه وأهدافه لم يكن فقط مخيباً لظني، بل جاء مخيباً لآمال كل المصرفيين والمهتمين بالشأن المالي والنقدي الذين يخشون أن تقودنا بوادر تبعاته إلى المربع الأول الذي بدأنا منه برنامج الإصلاح الاقتصادي.

فمجرد سحب الودائع من البنوك، يترتب عليه خروج جزء لا يستهان به من الموارد المجتمعية من الدورة الاقتصادية واكتنازها، الأمر الذي يستدعي تعويضه بإصدار عمله جديدة، ويعني ذلك دعم التوسع بالعرض النقدي، ليواكب النمو الاقتصادي المنشود، من مصادر تضخمية، بدلاً من دعمه من مصادر غير تضخمية عبر القاعدة النقدية، وهكذا يطفح التضخم بمعدلاته العالية والمتسارعة إلى السطح من جديد، ويتوسع العجز في الموازنة العامة، ويهتز استقرار سعر صرف الريال مقابل الدولار والعملات الأخرى، وهذا ما بدأ يبرز في شهر يناير نظراً لحساسية سعر الصرف. فحسب متابعتي ظل سعر صرف الريال مقابل الدولار يسجل زيادة يومية قدرها 10 فلسات منذ 14 يناير 2006م وحتى 3 فبراير 2006م، ولم تتوقف سرعة التغير في سعر الصرف إلا بعد ما تدخل المركزي بتاريخ 4 فبراير بضخه 50 مليون دولار إلى السوق.

إن خطورة تبعات القرار ستتجلى بأكثر من مظهر وفي أكثر من موقع، والمساحة المتاحة لن تستوعب الخوض في شرح كل تجلياتها، ولكن ما أوضحناه في سياق الموضوع يكفي لأن يدق ناقوس الخطر. الأمر الذي يستدعي من المركزي الإسراع باستخدام ما يمكن استخدامه من أدوات نقدية على الأقل، للتخفيف من وطأة آثار قراره على متغيرات الاقتصاد الكلي.

أستاذ مشارك الاقتصاد المالي والنقدي - جامعة عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى