حـــالـة

> د. هشام محسن السقاف:

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
يحلو للبعض العيش في وهم كاذب وسادر يقود صاحبه إلى مهاوي البطولات الدينكشوتية حيث لا تكون الحقيقة إلا له، تأتيه من بين يديه ومن خلاف، فيضفي من يحب صفة (الكمال) و(العصمة) التي لا تكون إلا لنبي، ويرمي الجميع، جميع المخالفين لرأيه وجهله ولو كانوا بعدد الشعب كله ناقص واحد فقط، يرميهم بما اعتاده لسانه من القول الهابط والرخيص!

والحقيقة أنني وجدت تحليلاً منطقياً لحالة مرضية، صورها الأديب والصحافي الكبير إحسان عبدالقدوس في روايته (الطريق المسدود)، حيث البطل الشاب يعيش انكساراً داخلياً بسبب طغيان شخصية أبيه في محيطه الاجتماعي وصراعه للخروج من إسار هذه الشخصية حتى بارتكاب (الجريمة) كنوع من المخالفة الذاتية للخروج من البوابات المغلقة أو المفتوحة بتأثير (كاريزما) الأب وحضوره القوي في كل التفاصيل اليومية المحيطة بالبطل.

والفرق أن البطل في الرواية يحاول أن يتحرر بينما (اللابطل) في الرواية الحقيقية قد وجد متعته في العيش في ظل، بل تحول إلى ظل للشخصية الحقيقية بكل ما حملته من خير وشر، ليلغي (الشر) منها، وبالتالي يلغي حقيقتها البشرية دون أن يعي ذلك، في تغليب طفولي للعاطفة على حساب الحقيقة كما هي، وبسبب من استغراق العقل الباطن لمضاعفات التجربة المريرة للشخصية الحقيقية في فترة النمو المبكر للطفل الذي يستحضر التجربة- الآن- للانتقام منها، واعادة الاعتبار (على طريقته) لتلك الشخصية وإن بتعسف للتاريخ كتاريخ وللوقائع ولحياة إنسان يحتمل فيه الشر إلى جانب الخير كحال كل الناس :

وأيُّ خير بلا شر يلقـّحهُ طهرُ الملائك من رجس الشياطين

كما قال الجواهري العملاق في نونيته العصماء والشهيرة التي مطلعها :

حييتُ سفحك عن بُعد فحييني

يا دجلة الخير يا أمَّ البساتين

حييت سفحك ظمآناً ألوذ به

لوذ الحمائم بين الماء والطين

ويزداد (إنزيم) التفاعلات النفسية بالاتجاه ذاته، عندما تجد الشخصية المصابة فرصة للخروج من حالتها، والتعويض عما لحق بها، عن طريق الاتكاء على قوة (الشخصية الأساسية) أو الأم، والمقصود إرث تلك الشخصية، لتجد مكاناً لها في دائرة الضوء، ولكن سرعان ما يخبو ويخفت بعد أن استغله الآخرون لتأدية دور أشبه بما يقوم به كظل للشخصية الميهمنة بكل فيض العاطفة المخزون، ليصبح في (الدور) الجديد (ظلاً) جديداً لفترة محددة وبإغراءات مادية، يذهب جميعه بعد انتهاء المناسبة وطقوسها، ويغشاه النسيان، مما ضاعف الإحساس بالغربة من جديد، وبالتالي الاستعاضة بالعيش مجدداً في ثنايا (الشخصية المهيمنة) والدفاع عنها كتعويض عن النقص، والإتيان بذرائع وحجج واهية، ليظل (المطلق) مستمداً منها في هجومه على الخصوم (الوهميين)، (يضاف) إليهم هذه المرة الذين استحضروه من ماضي الشخصية الأساسية ليلعب دوراً مؤقتاً مدفوع الأجر كظل للشخصية الأخرى الحقيقية، ثم يضعونه في (رف) النسيان ليكون الهجوم هذه المرة على كل طواحين الهواء، كما فعل سرفانتس في روايته العالمية (دون كيشوت).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى