يافع.. الدُّور والقصور

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
وعدت في زاوية الأسبوع الماضي أن أتحدث عن نماذج من مظاهر العمران في الهضبة اليافعية و«الوعد كالرعد والإيفاء كالمطر»..في قرية «مسجد النور» التي هي اسم على مسمى والمطلة على سوق 14 أكتوبر الشهير ينتصب بيتان حديثان متحديان لكل من يذهب ويجيء على الطريق العام الذاهب والآيب من وإلى عمق «الموسطة» وبلاد «المفلحي» ولا يمكن للمرء أن يمر بهما دون التأمل في مفاتنهما وذكر صاحبيهما «باعشوم» ومحسن عبدالرب الحريبي، الأول بدأ فحاز قصب الريادة والثاني رد فتفنّن وزاد، فكان له فضل الإجادة.

صعدت إلى بيت الشيخ محسن الحريبي المزود بمصعد كهربائي فوجدته آية مصروفاً عليها إلى الغاية، ويشعرك أنك تدخل إلى بيت «دولة» منذ أن تلج البوابة الذهبية المنقوشة وحتى المجالس الخارجية الأنيقة الباذخة الفرش أما نظام التقسيم الداخلي فجاء على شكل شقق متكاملة هي الأولى في هندسة البناء اليافعي، ومن على السطح الشاهق رأيت «الأقمرين» أقمر أهل سعيد وأقمر أهل رشيد، وقد أبت قرية «الطّف» المجاورة إلا أن تنافس، فنصبت حصنين شاهقين لأخوين مغتربين والحبل على الجرّار، فهذه بلاد منافسة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وكنت قد ذهبت برفقة الأخوين سالم وعلي صالح محمد فلم نجد الشيخ محسن وكنت على سفر، وفي اليوم التالي هاتفني سالم ليقول لي إن الشيخ الحريبي قد أرسل كبشين أقرنين رد التحية فقلت له: هذا يذكّرني بقصة الشاعر الجاهلي الحكيم زهير بن أبي سُلمى وصاحبه سنان الذي أقسم أنه في كل مرة يسلم عليه زهير سيصله بجائزة سنية، فخجل ابن أبي سُلمى من ذلك الكرم الحاتمي فأخذ يتجنب مجالس سنان حتى لا يسلّم فيعود محملا بالهدايا والقدايا وما خف حمله وغلا ثمنه حتى اهتدى إلى الحل لأنه لا يستطيع مفارقة سنان والابتعاد عنه فكان يدخل المجلس فيقول: السلام عليكم جميعاً إلا سنان وخيركم استثنيت، وكذلك هو الشيخ محسن لمن عرفه، وكان قد قرر أن لا يعود إلى هذه الجبال بعد أن أمضى في مغتربه نصف قرن ونيفاً وحين ساقه القدر إليها على كبر وقع في حبها كأنه عاد إلى الصغر.

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى

ما الحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يعشقه الفتى

وحنينه أبداً لأول منزل

من على جبل «ثمر» الذي تحيط به أربعة «مكاتب قبلية» إحاطة السوار بالمعصم كأنهم يخشون أن يصبحوا ذات يوم فيجدوه قد رحل، ذلك أنه كما يقال أعلى جبال يافع لأنه ناهض فوق جبال وهو في علو جبل النبي هود في هضبة صنعاء وبني مطر ويشبهه بنيةً وشموخاً وفي الليالي الصافية ترى منه أنوار عدن الزاهية التي أعاد إليها الدكتور يحيى النقيب «الشعيبي» رونقها وبهاءها وابتسامتها التي غاضت وسيعيد إليها بإذن الله محافظها الجديد أحمد محمد الكحلاني دورها وحيويتها ويضبط نظامها على الساعة التي ضبط عليها نظام صنعاء التي كانت شموساً فأسلست وصعبة فانقادت، ذلك أن الذهب من معدنه لا يُستغرب والمجرب لا يُجرب. من هناك رأيت على يساري في القعيطي البرج التوأم لأولاد عبيد ناصر: ناصر وحسن ومحمد وقد حافظوا في معماره على النسق، ووصلوا بين التوأم بما اتسق: جسر حجري لم يسبقهما إليه سوى آل بن شيهون في قرية «عرهل» وكان ذلك وما زلت في «المعلامة»، وبرج أولاد عبيد هو المرشح لجائزة اغاخان للعمارة الإسلامية حسب سلمى الدملوجي، أما على اليمين فرأيت برج عيال صالح محمد: سالم وعلي ومحمد على الطريق المنحدرة إلى البيضاء فصنعاء فهو هناك بشموخه والديوان المزجج بالكامل في الطابق الأعلى كأنما يستقبل ويودع بالحفاوة زوار يافع القادمين والخارجين من تلك البوابة.. وللحديث صلة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى