وصفت بمدينة البنائين..صنعاء ..مدينة خالدة تربض على صفحات مثيرة من دراما التاريخ المليء بعناصر الاثارة

> «الأيام» شائف الحدي:

> إنها صنعاء.. تاج الجمال ودرة المدائن ولؤلؤة التاريخ وياقوته التراث ومستودع الحضارات وجوهرة العمارة وارض البنائين ووردة الحضارة وتحفة الزمن وغانية الدهر ومنجم الأسرار ومتحف الآثار وآية المجد وأنشودة القاصدين، تبدو على أبنيتها العتيقة آثار المجد الغابر، الذي يشي بماض عريق. وتتصف المدينة أكثر وضوحاً بطراز جمالها وزخارف مبانيها وجوامعها، والتي تسمو منها المآذن الشاهقة إلى كبد السماء. حيث إنها غدت مدينة خالدة وكأنها تربض على صفحات مثيرة من دراما التاريخ، فضلاً عن فصول الحضارات المليئة بعناصر الإثارة التي تختزل بها المدينة، لأنك حينما تغرد في رحاب أغوارها تحس أن المدينة تنتمي إلى الماضي، بأكثر من انتمائها إلى الحاضر، بل انك عندما تغوص في عمق تاريخها وتتوغل في غور زمنها الثري بنفائس سفر شموخ كبريائها العميق، يساورك إحساس عميق أن عامة الناس فيها يواصلون الحياة على بقاياها وذكرياتها ومنابع كنوزها الممتدة في عروق الأزمنة السحيقة إلى يومنا هذا، فمدينة صنعاء متحف حي لم تستطع إن تمحوه رياح عوادي الزمن الغابر عبر آلاف السنين.

ولهذا نجد أن بخور أعماق التاريخ الطويل لهذه المدينة مايزال يفوح برائحته التاريخية في كل زوايا الطرقات، ولدى كل بوابة منزل وسوق، وعند كل صرح وبستان ورابية ..«الأيام» واصلت الإبحار طوعاً واستقل قلم كاتبها قارباً ليمخر به عباب أغوار التاريخ لهذه المدينة ذات الثلاثة آلاف عام من الحضارة والفن والأصالة، لتقدم للقارئ والباحث الكريم رسالة إعلامية أكاديمية سامية دون عناء عن مدينة صنعاء القديمة، نكهة الماضي وآية الجمال.

مدينة محصنة
كان لصنعاء القديمة سور حصين يحتضن أرجاءها، إلا أن أجزاء منه اختفت في يومنا هذا ويبدو أن عوامل الزمن سبب في ذلك.

ومع ذلك فإن مدينة صنعاء صاحبة التاريخ المفعم بالمآثر الخالدة اتفق مؤرخو التاريخ على أنها كانت مدينة محصنة منذ القرن الثاني قبل الميلاد، وكان الملك اليماني- شعر آن اوتر- هو الملك الذي بنى في صنعاء قصوراً مترابطة وأقام عليها سوراً عظيما إيام حكم الملك- إليشرح يحضب - احد الملوك الذين تناوبوا في حكم صنعاء في ذلك الزمن.. وصنعاء إلى يومنا هذا مازالت تحتفظ بالكثير من معالم أسوارها التي كانت تحيط بها، وكانت هذه الأسوار تقيها من ضربات ومهاجمة الأعداء لها حيث إن سور صنعاء القديمة لا يزال يحتفظ بأبراج المراقبة التي استخدمت في دق جرس الإنذار بقدوم العدو.

وظيفة الأسوار
تعد الأسوار من المقومات البديهية التي من خلالها يمكن المحافظة على المدينة من أي هجوم مفاجئ، وبما أن مدينة صنعاء لديها سور كبير يحيط بها فقد كان يتخلله أبواب عديدة تفتح بالصباح الباكر وتغلق عند قدوم جنح الظلام حتى يكون الذين في داخلها بمأمن وعزلة عما يدور في خارجها من أحداث.

ولذلك فمن الملاحظ إن أسوار مدينة صنعاء القديمة وأبراجها الدائرية الشكل لم تمت بسهولة بل أنها حافظت على نمط بنائها الهندسي التي بنيت من أجله حسب تصاميم مسبقة للسلم والحرب وقد يكون لكل برج وظيفته الخاصة به.

أبواب مدينة صنعاء القديمة
ذكر المؤرخون أسماء الكثير من الأبواب التاريخية لمدينة صنعاء القديمة اشتهرت بها كثيراً وهي في حقيقة الأمر لا تختلف عن الأسماء الحالية وان كان بعض الأبواب لا نجد له اثراً، ولكن المدينة لديها أبواب حية على غرار رسم الأبواب الدارسة التي اندثرت بفضل التوسع العمراني التي شهدته المدينة خلال عدة حقب زمنية، وابواب صنعاء هي: (باب اليمن.. باب القصر.. باب القاع.. باب الروم.. باب شعوب.. باب السباح.. باب ستران.. وقيل أيضاً أنها كانت تسعة أبواب بإضافة بابي البلقة والشقاديف).

ما هي القصبة؟
قد يدور في خلد القارئ سؤال عن معنى كلمة (قصبة) سيما وأننا قد أوردناها في الحلقتين السابقتين.

والقصبة هي في نظام تخطيط المدن الإسلامية تعني المدينة المسورة التي تنشأ عادة على مرتفع أو بقعة مستوية فسيحة وينشئون عليها الحصون أو الأبراج للمراقبة والحماية، فإذا اقتحم العدو الأسوار يلجأ أهل القصبة أي المدينة إلى الحصون ويستمر الجند في الذود والدفاع عن الحصون.

فن العمارة الصنعانية
وهذا الفن الذي تتسربل به مدينة صنعاء القديمة لا يوجد في أي بقعة من بقاع العالم والمتمثل في النقوش والرسوم والزخارف الموجودة على البناء وخاصة صناعة القمريات والرخام والتي لازالت معالمها حتى اليوم واضحة على نوافذ منازل مدينة صنعاء القديمة.

تميز منازل صنعاء
تتميز منازل مدينة صنعاء القديمة بوجود غرفة في عاليها تسمى (المفرج) تطل نوافذها على جميع الجهات حيث يستطيع المرء رؤية المدينة من جميع الجهات، كما أن منازل صنعاء تتميز عن غيرها بوجود آبار للمياه تستخدم للشرب والزراعة، وكانت هذه الآبار تزود المدينة بالمياه أثناء أوقات الحروب العصيبة والحصارات التي شهدتها المدينة عبر مراحلها التاريخية التي مرت بها.

هذا الجمال يقتل العربا!!
يقول الداعية الإسلامي د. عائض القرني، عن مدينة صنعاء القديمة من أنشودة طويلة أنشدها حينما زارها:

صنعاء صغنا لك الأشعار والكتبا

لك الوفاء فلا تبدي لنا العتبا

على جفونك قتلى الحب قد

حتى الذين بقوا قتلى ومن ذهبا

رواية السحر في عينيك أغنية

والحسن في وجهك الوضاح قد سكبا

ليت الهوى ترك الارواح سالمة

فهو الذي رد بالالحاظ ما وهبا

إن كنت تبكين يا صنعاء من وله

فقد سكبنا عليك الغيث والسحبا

استغفري أنت مما تفعلين بنا

هذا الجمال اليماني يقتل العربا

العمارة السكنية لصنعاء القديمة
يعرف البيت الصنعاني التقليدي بأنه مربع التخطيط مرتفع جداً يشبه البرج في اغلب الأحول ويصل حد ارتفاع الكثير من المنازل إلى خمسة ادوار، وفي بعض الأحيان إلى سبعة أدوار وفي الدور الأخير من المنزل توجد حجرة واسعة أو أكثر تسمى (المفرج) والأدوار السفلية في المنزل الصنعاني تبنى من الحجر المنحوت الأسود. أما الأدوار العليا فتبنى من الآجر للتخفيف عن حمل المنزل. كما أن المنازل تبدو متواصلة فيما بينها ولكنها منفردة تؤلف وحدة معمارية مستقلة عن المنازل المجاورة، وتزخرف المنازل بالجص الأبيض بأسلوب متفرد وفريد تتميز به العمارة اليمنية عن غيرها. أما شبابيك المنازل فإنها تتميز عادة بان اعتابها منخفضة حتى تتيح الرؤية بسهولة للأشخاص الجالسين.

والشباك التقليدي صغير يغلق بدرفتين من الخشب، وفوق الشباك يوجد عقد زخرفي مملوء بمادة شفافة من المرمر النقي أو الزجاج الأبيض الصافي أو المتلون، وهذا العقد الزخر في يتيح دخول الضوء إلى المكان عند غلق الشباك الخشبي، ويوجد بين كل عقد فتحة صغيرة مستطيلة للتهوية تسمى (شاقوص) وتغطى أسقف المنازل من أسفل بطبقة سميكة من الجص الأبيض.

ختاماً
الا يشفي غليل القارئ والباحث الكريم ما أوردناه عن مدينة صنعاء القديمة صاحبة الثلاثة آلاف عام من الحضارة والفن والتي من خلالها عاشت على ظهر الأرض واستحوذت على قلوب البشر؟

وربما المزيد من البحث والتعمق في تاريخ المدينة سيكشف لنا أشياء كثيرة عنها مازالت بحاجة إلى عدة عقود زمنية قادمة لتقديم شرح كامل ومفصل عن هويتها، ولعل السنين القادمة ستبين لنا الكثير مما تخفيه مدينة صنعاء القديمة عن اسرار ملكة سبأ وملوك قصر غمدان التتابعة- الذين فاقت شهرتهم إطلاق الخيال - الذين يمكن من خلالهم أن تغير مدينة صنعاء صياغة ابجديات التاريخ البشري من جديد، لكونها أقدم مدينة على وجه الأرض ولازالت تخفي الكثير من أسرار أسفار الحضارات البشرية التي مرت عليها! أخيراً..

إن تاريخ مدينة صنعاء القديمة أوسع من أن تحتويه آلاف الكتب أو تدركه مفردات سئمناها من التكرار.

ولهذا يقول التبع الملك اليماني احد اشهر ملوك قصر غمدان:

إن قحطان إذ بناها، بناها

بين برية وبين بحار

إن آثارنا تدل علينا

فانظروا بعدنا إلى الآثار

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى