المهراجا بن عبدان

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
في عاشر العيد الكبير الذي يوافق تقليدياً مهرجان قبائل «الموسطة» اليافعية في ملتقى «بين المحاور» الذي أخذ اسمه من تشعب طرقه إلى كل القرى المطلة على ذلك الوادي الفسيح من رؤوس الجبال المحيطة، ألقى نقيب يافع الشيخ عبدالرب أحمد أبوبكر النقيب كلمة مرتجلة ولكنها كانت وافية ضافية، وقد أسعد الناس وأضحكهم حين ذكر أنه رفض أخذ راتب من الدولة مما هو مقرر للمشايخ لأنه لا يمكنه أن يكون في خدمة سيدين في وقت واحد: الحكومة والناس، وإن من يقبض معاشاً سيكون لزاماً عليه دفع المقابل، وذكر أن اثنين وربما قال ثلاثة من «حمران العيون» قد توجهوا إلى صنعاء وادعى كل واحد منهم أنه الشيخ عبدالرب لقبض الراتب حلالاً بلالاً، ولا من علم ولا من درى، وكان الله بالسر عليماً، ولكن السر انكشف، وإذا اختلف السرق ظهر المسروق لأن الشيخ لا يمكن أن يكون اثنين وثالثهم هو بشحمه ولحمه الحقيقي. المأمور العميد حسين محمد قحطان عقب في خطاب أشاد فيه بالشيخ عبدالرب بما معناه أنه ليس من الحكمة عدم التعامل مع الجهات التي بين يديها مصالح الناس، تم التفت إلى الشعراء الذين كما يبدو قد أثاروا حنقه بكثرة انتقاداتهم العاصفة فقال «إن شاباً توجه إلى أبيه بالقول: أريد أن أقول شعراً، فأجابه الأب، لا بأس عليك، ولكن اشعر دون أن تبعر»، وهكذا فتح المأمور جبهة دون قصد و«عداوة الشعراء بئس المُقتنى». ومع ذلك فقد تقبل الشعراء الانتقاد بصدور رحبة كما بدا لي في الظاهر، أما ما في السرائر فلا علم لي، لا علم لي، لا أعلم.

من «بين المحاور» توجهت إلى قرية «دَير» العالية التي ترى ما حولها ومن حولها نزلاً في شِعب «ضيك» وقرى الجهاور وصولاً إلى السويداء في يهر وصُعدا عبر قرى مكتب المفلحي وحتى الجبل العالي اسماً ومسمّى والمطل على «العسكرية» وسهول ردفان أرض «الذئاب الحمر» كما كان يطلق عليهم الانجليز، وأمام دير وبجانبها قرى «مَنْقل» و«سَقَام» و«لكعوب» وعلى مبعدة «القُدمة» و«قُرْعُد» و«المصنعة» و«عرهل» وفي الأبعد جبل ثمر الذي سبق أن قارنته بما أسميته خطأ جبل النبي هود، والصحيح هو جبل النبي شعيب في نواحي بني مطر على مشارف صنعاء، وهو الذي تمتد رؤيته حتى جبل العر الذي يواجه مدينة «بني بكر» التي يجمع أهل يافع على أنها الأكبر في الهضبة اليافعية عمرانا وسكانا.

في «دير» توجهت إلى حصون عيال بن عبدان للسلام على عمتي سعدية بنت ناجي التي جاوزت المائة بعشر سنين وتبدو بذلك كمن عاش في ثلاثة قرون شهدت العجب العجاب من الأحوال والأهوال والتقلبات وقد قبلت الأرض بين يديها وفي رأسها وعلى قدميها، وقد كان سرورها بمجيئي لا يوصف فقد أخْبرْتُ أنها ثلاثة أيام وهي تسأل زائراتها الكثر ماذا ستقول لي عندما تراني.. ما شاء الله يا عمتي، بهذا العمر، ولا تقبلين أن تكلي نفسك إلى أحد، وهذه الذاكرة العجيبة التي غلبت الزمن المتمادي، حدثتني عن أبي وعن أبنائها الثلاثة وأصغرهم يقترب من السبعين والذي ترملت عليهم منذ حوالي ستين عاماً ورفضت بكل محبة الأم أن تكلهم إلى غير عطفها وحنوها ورعايتها، وهم الآن يتسابقون إلى إرضائها كما نحن أولاد أخيها. في بيت ابنها الاوسط محمد حسين القريب من محل إقامتها وفي بيت ابنها الكبير صالح انتقلت إلى عالم آخر من فن الجمال المعماري ذكرني بقصر مهراجا زرته في ميسور القريبة من بنجالور في الهند، ثلاث عشرة غرفة فسيحة، كل واحدة مزودة بحمام خمسة نجوم بالماء الحار والبارد ولم أر في حياتي كميات الزهور التي رأيتها هناك، وخزانات مملوءة بالمياه تكفي لثلاث سنوات من الاستخدام، أسطح متعددة كالشرفات ودواوين خارجية ومطبخ منحوت يتسع لعشرين، أما الفرش الباذخ فحدث ولا حرج.. قلت لابن عمتي.. مهراجا.. وفي يافع؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى