أزمتنا في ضعف الإدارة وقوة الفساد وغياب الثواب والعقاب

> «الأيام» شكاوى المواطنين:

>
نجيب محمد يابلي
نجيب محمد يابلي
من المسلمات البديهية أن هناك ارتباطا أو علاقة عضوية بين التشخيص والعلاج، فإذا تناغم الأول مع الثاني تحقق الفلاح والصلاح، وإلا فالويل والثبور لأصحاب المعاناة، سواء كانوا مرضى أو أفراد مجتمع، وتوخيت من خلال هذه المقدمة الدخول في قضايا الإصلاح الإداري والمالي، السياسي والاقتصادي.. سأكتفي بعرض (4) نماذج تعري الواقع المأزوم لأوضاعنا:

1- نهب رواتب (35) مدرساً في محافظة أبين
نشرت «الأيام» خبراً في عددها الصادر في 29 سبتمبر 2005م عن اعتصام (35) مدرساًُ في محافظة أبين أمام مبنى «الأيام»، وتحدث الأخ عادل عوض أحمد نيابة عنهم الذي أوضح بأن قائمة المستغيثين بفخامة الأخ رئيس الجمهورية وعددهم (35) مدرساً بدءاً بالأخ فضل عوض صالح وانتهاءً بالأخ فريد ناصر الشدادي، وظفوا خلال العام 2003م.

لم يستلم المدرسون المنكوبون رواتبهم حتى يومنا هذا، رغم وفرة المستمسكات التي بحوزتهم منها صدور فتوى وزارة الخدمة المدنية والتأمينات في 20 ديسمبر 2003م وقرار مكتب الوزارة في المحافظة بالموافقة على توظيفهم اعتباراًَ من 1 ديسمبر 2003م. القضية طالتها توجيهات فخامة رئيس الجمهورية رقم (165) بتاريخ 22 يناير 2006م، ومذكرة رئيس الوزراء في 5 فبراير 2006م التي وجهها إلى نائب رئيس الوزراء وزير المالية بصرف المستحقات المالية للمنكوبين الـ (35).

تبين من خلال ملفهم أن هناك عجزاً في المصرح ويقابله قيام مسؤولين بوزارة المالية بسحب وفورات المصرح للفصلين الأول والرابع. هناك صور لصكين أحدهما بـ(712,947) ريالاً والآخر بـ(92,683) ريالاً وهو دليل على شمولهما لرواتب المدرسين المنكوبين ومن مظاهر الفساد ظهور أسماء المنكوبين الـ(35) ضمن كشف رواتب المدرسين في المحافظة لشهر يونيو 2004م.

لماذا سارت القضية في هذا الاتجاه المشين؟ لماذا لم تتخذ الإجراءات الرادعة في حينه، إذا توخينا الصلاح والإصلاح؟

2- محمد علي الصماتي بين يدي الله شاكياً
نشرت «الأيام» استغاثة أسرة الراحل الكبير محمد علي الصماتي بفخامة رئيس الجمهورية في عددها الصادر في 27 فبراير 2006م، حيث عرضت الأسرة في سياق الاستغاثة السجل النضالي الوطني الناصع البياض لعميدها والاستخفاف والغبن الذي مارسته اللجان المكلفة بتقدير الاستحقاق بوسام من الدرجة الثالثة لوالدهم عام 1998م وظروف البؤس والهوان التي عاناها راحلهم الكبير محمد علي الصماتي.

ملف قضية محمد علي الصماتي -رحمه الله- حافل بالوثائق التي تشهد بعظمة الرجل وطهارة يده وعدالة قضيته التي نصرها العديدون وفي مقدمتهم الأخ نائب رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأخ د. عبدالكريم الإرياني (رئيس الوزراء لاحقاً) ونائب رئيس الوزراء وزير المالية السابق الأخ علوي صالح السلامي، والسفراء السابقون في أثيوبيا الإخوة مروان عبدالله عبدالوهاب ومنصور عبدالجليل وعلي قاسم عبدالله والقنصل أحمد عمر.

الراحل الكبير محمد علي الصماتي، الذي منحه فخامة رئيس الجمهورية درجة وزير في العام 1992م وجه رسالة تمزق نياط القلب إلى الأخ وزير الزراعة والموارد المائية في 16 أبريل 1998م جاء فيها أنه شبه مسجون في أثيوبيا ولا يمكنه الامتثال لقرار الوزير بالعودة لأن المدير العام للشركة اليمنية الأثيوبية الزراعية المشتركة امتنع عن دفع مستحقاته ليفي بتسديد التزاماته تجاه الغير وهو المريض بالقلب.

مستحقات الصماتي بلغت (98) ألف دولار حتى مارس 1996م، على الرغم من أنه ظل يسير أمور الشركة الداخلية حتى يونيو 1998م وتقرر أن تقوم وزارة الزراعة بتسديد المستحقات من مصادرها وتم تسديد أقل من نصف المبلغ بعد أن داخت أسرته سبع دوخات لتصل إلى تلك النسبة الزهيدة وفوجئت عندما قيل لها: «أغلقي ملف المستحقات»، على الرغم من ورود أرقام مهدورة مستحقة على مؤسسات عامة وخاصة ليقع الفأس على رأس أسرة الصماتي، الذي لحق بربه شاكياً له ظلم العباد والفساد المستشري في البلاد.

إنه ظلم ما بعده ظلم!

خريجون جامعيون وضياع مضاعف
أن يخرج أبناؤنا وبناتنا إلى عالم المجهول بعد إكمال دراساتهم الجامعية فهي من المآسي المسلم بها، وأن يشتري أحدهم الوظيفة بالشيء الفلاني فهي أيضاً من المآسي التي تندرج في خانة الأمر الواقع، لكن أن يتخرج الطالب بدون شهادة جامعية فهي مأساة مضاعفة وسابقة صارخة في ناموس الجامعات العربية والأجنبية.

هالني ما سمعته من طلاب وطالبات جئن يشكين حالهن وقلن: منا طالبات منتظمات في كليات جامعية ومنا طالبات منتسبات للتعليم الموازي ويدفع أولياء أمورنا دم قلوبهم برجاء التخرج بالشهادة والانتظار الذي قد يقصر وقد يطول وتحدد ذلك ظروف كل شخص. تخرجنا في يوليو 2005م، وحصل الطلاب المنتظمون على مصدقات وبيان درجات، أما الطلاب المنتسبون للتعليم الموازي فلا مصدقات ولا بيان درجات.تألمت لسماع طالبات من التعليم الموازي وهن ينفّسن عن كربهن: ألا يكفي أن ننتظر المجهول لسنوات فلماذا يزيدون الطين بلة عندما يحجبون عنا الشهادة في أحسن الأحوال والمصدقات وبيان الدرجات في أسوأها؟. قالت إحداهن: «طرقت باب العمل فقيل لي: أبرزي ما عندك لتؤكدي أنك خريجة إدارة، وأدركت عند ذلك أن محدثي كان محقاً وكنت أنا المخطئة».كيف تفسر هذه الظاهرة الصاعقة من مؤسسة نموذجية وهي الجامعة؟ إنها مظهر من مظاهر أزمتنا!

4- بؤس جميل محمد هاشم و«علامة» التأمينات
جاءني حاملاً ملفه وكانت القاعدة ولاتزال أن يعد تظلماً ننشره في «الأيام» لكني وبعد الاطلاع على محتويات الملف، التي حفزتني على الاتصال ببعض الأشخاص في صنعاء بقصد الاستزادة وجدت نفسي مقحماً في طرق القضية لأنها لامست أوتار موضوعي. عرفت أشياء كثيرة من ملف قضية الأخ جميل محمد هاشم، قيادي محال إلى التقاعد من شركة «تيليمن». الرجل من مواليد 1948م وعام إحالته إلى التقاعد هو عام 2005م وبعملية حسابية بسيطة عرفت أنه قضى 65% من عمره في الوظيفة، وبدلاً من أن يخرج مبتسماً بعد هذا المشوار، خرج محبطاً، لأن معاشه الشهري مجمد منذ أغسطس 2005م وحتى يومنا هذا.

عمل الأخ جميل في خدمة مؤسسة الاتصالات السلكية واللا سكلية (قطاع عام) من يناير 1968م، وحتى فبراير 1992م (أي لمدة 24 سنة) ثم التحق بخدمة مؤسسة الاتصالات (قطاع خاص) من فبراير 1992م وحتى يوليو 2005م (أي لمدة 13 سنة ليصبح إجمالي فترة الخدمة 37 سنة).ثم ربط معاش الرجل التقاعدي طبقاً للمادة (58) فقرة (أ) من القانون والتعميم رقم (67) لعام 2004م وتحدد المعاش التقاعدي الشهري بـ(359) ألف ريال، إلا أن المكتب الرئيسي للمؤسسة بصنعاء اعترض وجمد معاش الرجل، الذي حدد بدائل تكفل استمرار معاشه وحفظ حقوق المؤسسة بإعادة أي مبالغ إضافية دفعت له.

لماذا أخفقت الهيئة العامة والمؤسسة العامة للتأمينات في حسم ما يسمى«تبادل الاحتياطيات» بينهما بالنسبة لاشتراكات التأمينات التي دفعها المؤمنون للهيئة خلال فترة خدماتهم السابقة والتي دفعوها للمؤسسة بعد انتقالهم للعمل مع القطاع الخاص؟

المعاش التقاعدي المستحق للرجل قدره (359) ألف ريال شهرياً ومدير عام المؤسسة يريد تخفيضه إلى (154,560) ريالاً، والذي يوازي ما نسبته 57% من المعاش المحتسب سابقاً، وإذا احتسبت المؤسسة في صنعاء معاشاً شهرياً لأحد المتقاعدين هناك ببيانات مماثلة بواقع 500 ألف ريال، ففي هذه الحالة سيشكل المعاش التقاعدي المحتسب سابقاً للأخ جميل ما نسبته 71% من المعاش التقاعدي لنظيره في صنعاء أو ما نسبته 43% من المعاش التقاعدي الذي يريده له مدير عام المؤسسة وذلك بالمقارنة بما يتسلمه نظيره في صنعاء.

الإنسان واحد.. الوطن واحد.. القانون واحد وإذا التزمنا بهذه الثوابت الأخلاقية سنضمن وطناً مستقراً ومواطناً آمناً!.. والله من وراء القصد!

نجيب محمد يابلي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى