حجاج الخشعة

> عبدالقوي الأشول:

>
عبدالقوي الأشول
عبدالقوي الأشول
«الجسد كما يبدو لا يستعيد حياته المنهوبة لمجرد ذلك. ربما يعرف الجسد كيف يقاوم الجمود كيف يتعلم السباحة والرقص عاجلاً أم أجلاً، كيف يحكم الفضاء ويشكل الأشياء لكنه لا يعرف بلسمة جراحه الغائرة بسهولة، الجراح العميقة تحكم الجسد تقهره وتذمره في الغالب».

(رواية طائر الخراب) حبيب سروري

فأي جراح أعمق من تلك التي تنال من كرامة المرء وتحط من قيمته وتجرح أعماق أعماقه.. بتلك الأفعال الاستعلائية الاستكبارية التي بدأت بسحل الجندي القعقوع ولم تنته بدوس الجندي صائل، وما تلاها من استنكار و احتجاج ومطالبة لمحاسبة الضابط الذي أقدم على مثل ذلك الفعل الإجرامي المتنافي مع كافة الشرائع والقيم المجرمة لنمط السلوك الاستعلائي الذي ميز مرحلة ما بعد العام 1994م.

حادثة اهتز لها الوجدان الإنساني.. وعلى استحياء وعدت الجهات المعنية بمحاسبة الفاعل.. لنفاجأ بعد ذلك بعقوبة السجن لمدة عام.. قضاء عجيب ذلك الذي يقتص للكرامة البشرية بمثل هذا الحكم، وقيم عسكرية وسلوك انضباطي غريب ذلك الذي يجيز السحل والدوس للنفوس التي كرمها الخالق فلم تكد تمضي فترة زمنية غير طويلة حتى نفاجأ بالمسلك الاعتباطي المستهتر نفسه، والانتقال من السحل إلى الدوس على كرامة رؤوس الرجال.. سوابق لم يشهد التاريخ لها مثيلا وإن كان سجن ابوغريب قد مهد لمثل هذه السادية العجيبة.

ولا أدري لماذا تم اختيار ردفان مهد ثورة 14 أكتوبر لمثل هذه الأفعال الشائنة، التي ترتكب ضد أبنائها.. فعل لم يكن يأتي تكراره من فراغ إطلاقاً وهو جزء من صورة الحقد الطافح لدى من ابتكروا هذا النمط من الإذلال لبني البشر، في مجتمع قبلي لم يعرف قط مثل هذه التصرفات المشينة ولم يقبلها بأي حال ومهما كانت مبررات الفاعل.. لا يوجد في قاموس الضبط والربط العسكري.. ما يتيح فعل ذلك، إلا أن الأمر كذلك عند من تعلن ألسنتهم جهاراً بالقول:

لنا الدنيا ومن أمسى عليها ** ونبطش حين نقدر باطشينا

حالات بطش عجيبة مريبة سيدفع الوطن فاتورتها الباهظة دون أدنى ريب.. بحكم ما تترك من بغض في النفوس وشرخ في نسيجنا الاجتماعي.. حقاً تجاوز الضالمون المدى.. ثم ألم يكن مثل ذلك السلوك نازياً.. ضابط يقف على جسد جندي، متحدثاً ببلاغة وعنجهية وزهو عن الضبط والربط العسكري.. ولو أننا قرأنا الوجه الحقيقي للصورة تكون ضابط يدوس بحذائه على رؤوسنا.. رؤوس من كانت الوحدة هدفهم الأسمى.. لتتلخص بعدئذ في حال من الإذلال والبغض والاستثناء لأبناء الطرف الآخر بصورة عامة.

حجاج آخر يخطب ويرغي وهو يدوس على هامة جندي بائس لا يملك قوت يومه.. أينعت الرؤوس في عهد حجاج الطائف حين خاطب أهل العراق.. معقباً تهديده بجز الرؤوس، بل إن حجاج اليمن أو هو حجاج الخشعة أشد مضاضة وبطشاً وتنكيلاً.. هو لا يجز الرؤوس.. ولكنه يوجه فعلته لجرح عمق الكرامة الإنسانية.. طائر خراب حقاً ينبش في جسم الوطن بخسة ونذالة ومكر وإمعان وأريحية مطلقة.

إنها وبحق الجراح العميقة التي ليس من السهولة بلسمتها..

الجراح التي تقهر الذات وتدمرها.

فهل فينا جميعاً من يقبل ذلكم القدر من الإذلال؟ وأي صورة أنكأ وأبشع من فعل استعلائي على هذا النحو لا ينم إلا عن ذات مريضة مفرطة في ساديتها تجاه من تظن أنه مستباح حتى النهاية.

فعل لم يكن عفوياً ولم يأت من فراغ.. أما ما يوطن لاستمراره.. فهو صمتنا والقبول بمخرجات الطرف الذي أظن أنه استمرأ الدوس على الرقاب وكأن من على وجه التراب ترابا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى