كلمة طيبة..

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
إرضاء جميع الناس غاية لا تدرك، ومن رام ذلك فقد وهم وناطح المستحيل من صنف الغول والعنقاء والخلّ الوفي، فأما الغول والعنقاء فهما من بنات الوهم وثمرات الخيال، ومن هنا استحالتهما، وأما الخلّ الوفي فمسألة فيها نظر، لكثرة ما تلقّى الناس في ظهورهم من طعنات الأخلاء النجلاء ولقلة الأوفياء الذين هم أندر من الكبريت الأحمر، حتى أن يوليوس قيصر حين تلقى طعنة صديقه الأعز «بروتس» فَقَدَ كل رغبة في المقاومة والحياة لأنها لا تستحق أن تعاش بين أمثال هؤلاء الوحوش، وهناك شاعر عربي اعتبر منغصات الصداقة ضرباً من ثمن واجب الأداء ينبغي تقبله ولو على مضض فقال:

إذا كنت في كل الأمور معاتباً

صديقك لن تلقى الذي لا تعاتبه

وعلى عكسه كان ابو الطيب المتنبي صديق الفلوات وسمير الخيل ومُسمع الصم ومبصر العمي، وقد كان سيئ الظن بالجبلّة الإنسانية عموماً وفي أهل عصره على وجه الخصوص، وقد لخص تجربته في عالم الوحوش بالقول:

ومن عرف الأيام معرفتي بها

وبالناس روّى رمحه غير راحم

وثمة ثالث هو الأحيمر السعدي، وهو واحد من مدرسة أبي العلاء المعري التي ترى اعتزال لناس غاية المنى ومنتهى السعادة:

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى

وصوّت إنسانٌ فكدت أطير

وحين يشير القائل أو الكاتب أو الشاعر إلى مناقب الناس وفضائلهم فلكي يكونوا قدوة، وحين يغض النظر عن معايبهم فلكي لا يجرح الصورة الجميلة وإلا:

من ذا الذي ما ساء قط؟

ومن له الحسنى فقط؟

لقد انعكست صورة العربي النموذجية في سرديات الشعراء وبين دفّات ما أبدعه ملوك النثر وجبابرة القول الذين صنعوا نجوماً يهتدى بها في ظلمات الحياة:

ولولا خلال سنّها الشعر ما درى

بُناة العلا من أين تؤتى المكارم

وإلى من قال لي إنك تشيد بأناس لا يضمرون لك المودة، قلت إن كلاً يعمل على شاكلته، وأنا لا أجيد السباحة في المياه العكرة ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، وهل هناك ثواب أعظم من أن نقول في بعض الناس طُهرا فيقولون عُهرا، وكل إناء بالذي فيه ينضح. إن القلم ليرفع ويشفع ويحط ويمنع، وقد أقسم به المولى جل وعلا {نون والقلم وما يسطرون} وقد ولدت الإنسانية من إشراقة الحرف ولم تكن قبل ذلك شيئاً مذكوراً، وبين الناس وبعضهم ما صنع الحداد، ففلان الذي لم تذكره ولا تتذكره، يناصبك الشحناء لأنك نوهت بفلان الذي لا يطيقه ويتمنى لو يخبو ذكره في العالمين. ومع أنني شخصياً لم أعرف ما «فعل الحداد» في المثل السائر، إلا أن سخامته وكيره وناره النتنة والشرار المتطاير والطرق المتواصل لا يمكن أن تتمخض عن حديقة ورد وعصافير الجنان، وقديماً قالوا: من جاور العطار انتعش بعطره ومن جاور الحداد أنتنَ من سخامه واحترقت ملابسه من شراره.. هكذا هي الدنيا وهكذا هم الناس، ومع ذلك فإن كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.. وسامحونا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى