أصوات جديدة في الشعر الحميني

> «الأيام» عمر عوض خريص:

> أن يجعل الدكتور عبدالعزيز المقالح (الشعر العامي في اليمن) أطروحته لنيل درجة الدكتوراه هي شجاعة وجرأة يحمد عليها، خصوصاً في وقت كان فيه الشعر العربي في أوج قوته وأنصاره من أشد الأدباء والعلماء في الاستماتة في الدفاع عنه وعن لغته العربية الفصحى، في حين يمتد الغضب على شعر العامية ومحاولة نفيه ومحاربته، ومثله فعل الدكتور محمد عبده غانم رحمة الله في أطروحته (شعر الغناء الصنعاني)، فهم يدركون بأن الشعر العامي في اليمن يعد رافداً من روافد الثقافة الشعبية وله لدى اليمنيين مكانة خاصة في صناعته وتذوقه، وكوكبة الشعراء الذين أجادوا صياغته كثر، منهم شرف الدين وأخوه علوي والآنسي الأب والابن والمفتي والأمير القمندان وبن شهاب ويحيى عمر وحداد وهادي سبيت والمحضار وغيرهم الكثير الكثير، وها نحن في بداية الألفية الثالثة نرى في دوحة الشعر الحميني مواهب شابة تتفتح أكمامها، وتتلمس طريقها على درب الإبداع الجميل، وهي مواهب يتحتم علينا أن نحتفي بها ونشد من أزرها وقد لمسنا منها بوادر الاتقان والاجادة فيما تطرحه وتبدعه، وقد اتاحت الساحات الأدبية عبر الشبكة العنكبوتية أن تظهر بعض هؤلاء وتصقل مواهبهم حيث اتاحت لهم امكانية النشر والتعليقات والردود وإبداء الملاحظات من قبل المطلعين وعرض التوجيهات المستحسنة، وإذا كان الغزل يستحوذ على القسط الأكثر من انتاج هؤلاء الشباب إلا أن الاغراض الأخرى تطرح من حين لآخر حسب تداعيات المواقف وتفتق إلهام الشعراء.

ولا شك أن الغزل محبب إلى النفوس يستسيغه ويستحسنه كل من لديه قلب ينبض بين جنبيه، ويطربني قول الشاعر الشاب طالب باتيس النعماني (26 سنة) حين يقول:

قال بو راضي هلا بك هلا

يا حياة القلب من بعد الهلاك

مسكنك في العين يا سيد الملا

يا ملك قلبي ويا اغلى ملاك

مرحباً بك يالذي جبت الدواء

خاف صوب القلب بيفيده دواك

أبيات سلسة تنساب تلقائياً من فم قائلها، وإذا كان الشاعر في هذه القصيدة تقليديا إلا أننا نراه في قصيدته (كل شي له حد) يحاول تحديث الصورة الشعرية حتى تبدو أكثر مواكبة لعصره وزمانه.

وهنا يبرز سؤال: هل وفق فيما أراد؟.. يقول طالب:

يا صغير السن لا ترمي على بعيون سود

من رموش العين لا تطلق صواريخ السكود

لا تضويني مجندل في الكفن بين اللحود يومني لجلك وشانك بعت نومي والرقود

أعتقد أن محاولته هذه حاولت إحداث تلك الهزة لدى المتلقى وهو يرى (صواريخ السكود) تنطلق وتستقر في قلب العاشق، الا أن لي مآخذ على البيت اذ قال (من رموش العين) وهو هنا لم يوفق فالرمش لا يطلق ولا يحدق ولكنه يظلل، ولو قال (من نون العين) لكان أفضل.

أما الشاعر سالم بن سلم (طالب الطب بجامعة عدن) فهو يجيد غزل الكلمات وإن كان تقليدياً على نهج اسلافه الا أني أرى أن استعداده للتغير أكبر اذ أن المفردة لديه مطواعة وهي لا تشعرنا بالملل بل نتناغم معها في توافق وانسجام مثلما يقول:

باسير باتخبر عاواحد رحل

لي هو صبح من ضمن حلان القلوب

فارق محبينه وروح في عجل

والجرح وسط القلب ما حصل طبوب

كان (سالم) يزرع الأمل ويحلم بحب جديد يطرق ابواب قلبه، فزميله الشاعر عبدالله الجعيدي (25 سنة) مثقل بهموم العشق وهو كثير الشكوى وقليل الحيلة يعذبه هجر الحبيب ويتعبه طول الاغتراب يقول في قصيدة (غريب):

غريب الفرق ما بيني وبينه دائماً شاسع

أنا ترتيبي الأول وهو ترتيبه التاسع

في الود والوفاء والعاطفة والطيب والاخلاص

كما يشتكي من غربته اذ يعتبرها تشرداً لا تليق بالكرام يقول في (وعد الحر دين):

تربعنا على عرش التشرادي

وصار الحزن عندي والفرح عادي

ودمع العين شي رائح وشي غادي

لطف وارحم عبيدك يا عظيم الشان

ومثله أيضاً الشاعر الشاب أبو عبدالله مجمل، الذي ننتظر منه الكثير في قصيدته (حضرموت) شاكياً متبرما من غربته:

اماه شي مخرج من الغربة لنا

لما متى قد روس أولادك شيوب

قد طالت المدة وطول بعدنا

بعدك لقا فالقلب لنا عشرين صوب

أما الشاعر سعيد محمد علي باوزير فهو يقود تمرداً لذيذا في الشعر باستخدام المفردات وتنوعها المدهش في انسجام تام وذلك كما جاء في قصيدته بعنوان (منسجم فكري):

منسجم فكري وفكرك منسجم

واكتمي سري وسرك اكتمي

انقسم قلبي تقسم وانقسم

اقسمي هذا فؤادي اقسمي

لا ولا اظلم حبيبي وانظلم

في العشق زيدينا ومره اظلمي

وكذلك يتبعه الشاعر الواعد (رعد حضرموت) وهو كثير العطاء يمتاز شعره بالرقة وخصوصاً المغنى منه، وفي قصيدته (رسالة حب) يعلن رفضه بأدب وكبرياء:

سخرت كل وقتي لحبك

وشبكت دم قلبي بقلبك

وهملتني ورميت قلبك صوب غيري

هذه رسالة حب لك شكري وتقديري

إلى أن يقول في آخرها:

والوضع باقي ما تبدل حال

وكثير مثلي شاغلين البال

وقوافل العشاق بعدي ناهجة سيري

هذه رسالة حب لك شكري وتقديري

ويعدنا ايضاً الشاعر غازي عمر بن مهنا (25 سنة) بالمزيد المتقن على غرار ما طرحه من قصائد. وهنا في قصيدته (بعد ما غاب القمر) نراه يناشد من يحب قائلاً:

يعلم الله كيف نقضي الليل بعدك يا قمر

ظلم بعد النور نمشي في سراديب الغدر

عود لك منا السلام

عود بدد الظلام

دم وغيرك ما يدوم

شوق لك عم الخواطر والقلوب المحزنة

تعشقك مطلعك تترجاك انك تعلنه

رد لنا عذب الكلام

وارسم أجمل ابتسام

عاتقاسيم العموم

وتأتي الشاعرة الواعدة (عيون المكلا) (20 سنة) تزاحم اقرانها في الرسم بالكلمات، وتفجير اللغة وتتعرض للملمح الفلسفي تزين به بعض قصائدها.. الا أن في بعض الاحيان القليلة يخونها الوزن فلا يستقيم معها رغم جمال الفكرة وحداثة الرؤى، ومن ابياتها:

لصرخاتي صدى لا زال يتردد

ولبكائي نحيب حنق والا اسعد

غصب روحي تواصل مرغمة آهة الزفرات

بوادر الأمل بالكاد تتجدد

على مدار الزمن اسرار باتشهد

عليهم كلهم بعد ما رسلوا الينا عابر القارات هذه كوكبة من الشعراء الشباب نستبشر بتواجدها على ساحة الشعر الحميني ومن خلفهم شباب أيضاً لم يسع المقام لذكرهم وهم يستحقون ذلك.

ولعل الإشارة إليهم تعطيهم الدافع القوي في الثبات على طريق كتب عليهم أن يمشوها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى