شجرة المسكيت (السيسبان) .. الظلم من الناس والانصاف من العلماء

> «الأيام» علوي بن سميط:

>
أخشاب وفحم مستخلص من المسكيت
أخشاب وفحم مستخلص من المسكيت
الصقت بشجرة (المسكيت) والمعروفة محلياً بالسيسبان كثير من التهم، بل وصل الحد بوصفها نبتة وشجرة شيطانية أعلن العامة من الناس الحرب عليها باقتلاعها وحصل ذلك بالفعل، ولكن الشجرة تعود وتنمو ولعل عدم معرفتنا بهذه الشجرة يعود لعدم رؤيتها بهذه الكثافة والانتشار السريع ربما خلال السنوات الاخيرة فيما كانت متناثرة وبأعداد لا تذكر قبل ربع قرن بوادي حضرموت.وجاء الالتفات اليها ولكن بعدائية على الرغم من اخضرارها إثر حصول كوارث السيول التي فتكت بعدد من منازل المواطنين خصوصاً شرق الوادي قبل اربع سنوات جراء كثافة وتواجد المسكيت في مجرى السيول الرئيسية والممتد من غرب شبام حتى وادي المسيلة.

زُرعت حول عدن في القرن الثامن عشر لحمايتها من العواصف الترابية

وفي غمرة القاء التهم جزافاً على الشجرة وظلمها لم نقف كمواطنين امام السبب الرئيسي لنموها الذي يبدو عشوائياً ثم لم نبحث عن ايجاد ولو حسنة واحدة لها وهي ممتلئة بالحسنات والفوائد، وأضحى السيسبان مشكلة تؤرق سكان وادي حضرموت ثم عدواً لم نستطع إيقاف غزوه وانتشاره السريع.

ومن هنا تلقف الاختصاصيون والباحثون من ابناء حضرموت هذه القضية وحركوا علمهم وانكبوا على دراستها وساعد في ذلك مشروع التنمية الريفية بالمحافظات الجنوبية ومحطة الابحاث الزراعية بسيئون، وفي تقديري الشخصي وبحسب علمي ان الجدية علمياً بدأت تتحرك بوادي حضرموت ازاء هذه الشجرة من 2000، 2001، 2002، وهكذا وضعت خطوات نحو استراتيجية لادارة شجرة المسكيت، الا انه يبدو ان كثيرا ًمثلنا من مناطق محافظات اخرى يشكون من هذه الشجرة، وهنا بدأت تتضح الرؤية بالبحث عن اساليب التعامل معها واستخراج الفائدة من (السيسبان) وتطهير المواقع التي تسبب مشاكل فيها كمجاري السيول، لذلك نظمت ندوة علمية على مستوى الوطن اليمني الاسبوع الماضي أبحاثها حددث الطرق العلمية بل استطاعت الندوة ولو بعض الشيء إعادة البراءة لهذه الشجرة بعد ان حاصرتها التهم ..

«الأيام» ومنذ ظهور تطور هذه المشكلة تتابع ما يدور بشأنها وحضرنا تلك الندوة التخصصية لننقل ونبين فيما اذا هي شجرة (شيطانية) أم (خضراء بريئة).

السيسبان أو السول - المسكيت - اسمه العلمي Prosopis Juli flora ويعرفها علماء الزراعة والنبات ومتخصصو الغابات والاحراش بأنها شجرة دائمة الخضرة اوراقها ريشية ذات اشواك ويزيد ارتفاعها عن 15 متراً وجذورها تتعمق الى باطن الارض 35 متراً ، تقاوم الجفاف وسريعة النمو وأعلى درجة حرارة يقاومها المسكيت تصل الى 46مٌ وتنمو على مختلف انواع التربة، ويعزو الكثير ممن سألناهم عن سرعة انتشارها دون ان يبذر بذرتها الانسان بقولهم إن روث الماشية (البعر) سبب في ذلك، فعندما تأكل الاغنام التي ترعى في الوادي قرون المسكيت والتي بها بذرات تخرج مع الروث، وحالياً تستخدم آليات صنعت خصيصاً وبمساهمة من مشروع تنمية المحافظات الجنوبية لجني القرون وتفتيتها لتغذية الاغنام بها، وربما تلك أول خطوة صائبة ومفيدة كغذاء ولإيقاف الانتشار أو الحد منه على الاقل.

< وعن اختيار المسكيت موضوعا لندوة علمية اشترك فيها عدد من اساتذة الجامعات والباحثين في محطات البحوث في عموم اليمن والهيئة العامة للبحوث واختيارها للانعقاد في سيئون .. قال لـ «الأيام» د. عبدالله سالم علوان، مدير عام محطة البحوث الزراعية بسيئون:

«بداية اشكر وزير الزراعة د. جلال ابراهيم فقيرة والاخ عبدالقادر علي هلال، محافظ حضرموت لرعايتهما الندوة ولمشاركة المحافظ شخصياً فيها، واختيارنا لعنوان الندوة (الادارة المتكاملة لشجرة المسكيت في الهضبة الشرقية) لم يأت من فراغ اولاً لانه في الآونة الاخيرة وإثر موجة من الآراء ومن اختصاصين تمثلت في رأي يؤكد اقتلاع هذه الشجرة وآخر يفضل الابقاء عليها وآخرون فضلوا التريث، ثم عاد الموضوع الى السطح مرة أخرى ووضعت علينا كمحطة بحوث من الجهات الرسمية والمجتمع استفسارات لاعطاء رأينا وتوفير معلومات علمية في ضوئها يمكن اتخاذ القرار فعملنا على اجراء الابحاث من قبل مختصين بالداخل والخارج وكانت الحصيلة إقامة الندوة لتدارس النتائج وما يمكن عمله بعد ان ظهرت فوائد اقتصادية واستثمارية، وعموماً وللتأكيد فإن شجرة المسكيت لا تراها إلا في الاراضي المهملة ومجاري السيول، وعملياًُ فانها لا تحتاج سوى ادارة فقط ووضع استراتيجية وطنية لذلك، وهذه أول ندوة على مستوى الوطن يشترك فيها اختصاصيون من مختلف المحافظات لمناقشة اكثر من 20 بحثا علميا حول شجرة المسكيت وعلى محاور فنية، زراعية، بيئية، ادارية، واجتماعية اي ابحاث شاملة حول الموضوع».

أول شجرة سيسبان بسيئون
في تقرير استشاري مقدم الى مشروع وادي حضرموت الزراعي وقسم الغابات بالأبحاث الزراعية اعده(النور عبدالله الصديق) استاذ بكلية الغابات بالسودان في 96م وترجمة احمد باطاهر، يذكر في الفصل الثاني: «إن أول ادخال لشجرة المسكيت الى وادي حضرموت بدأ بزراعة اشجار فردية منها في حديقة سيئون عام 65م والمدرسة القريبة منها في السنتين اللاحقتين لذلك العام». ويستطرد: «ومن المعتقد ان تلك الاشجار الاوائل في الحديقة هي مصدر انتشار الشجرة في مدينة سيئون وحواليها وبمرور الوقت انتشرت في الوادي بطرق ميكانيكية مختلفة» ويذكر التقرير في موقع آخر المجموعة النباتية بوادي حضرموت وأنواعها ولم يرد ذكر للمسكيت ضمن المجموعة بوادي حضرموت حتى 73-74م إلا أنه يقول: وبعض المزارعين ذكروا انهم قد شاهدوا بين 73-74م شجرة فردية منه - اي المسكيت - اسفل نهاية وادي بن علي جنوب شبام. اما عن دخوله الى اليمن عموماُ فيذكر المهندس محسن بازرعة، من محطة البحوث بالكود بأبين، في ورقته العلمية التي قدمها في ندوة سيئون بعنوان (ادارة وتنظيم نبات المسكيت في الجمهورية): «أدخل نبات المسكيت الى اليمن نهاية القرن الثامن عشر عبر زراعته في وحول عدن لحمايتها من العواصف الترابية والموسمية، ثم ادخل الى المحافظات المجاورة مثل لحج، ابين ثم الى شبوة وحضرموت كما ادخل الى محافظة الحديدة في عام 74م بغرض الحفاظ على الاراضي من الانجراف الهوائي وتثبيت الكثبان الرملية». حالياً اتضح لنا في «الأيام» وعند متابعاتنا عبر سؤال المواطنين او بتصفح الاوراق البحثية حول انتشار السيسبان او المسكيت، أن محافظتي ابين وحضرموت تشتركان في انتشار كثيف لهذه الشجرة وخصوصاً بعض مناطقها بل وتعانيان من مشكلة تواجدها على مجرى السيول. ففي دراسة م. احمد سالم باطاهر يقول: «تقدر المساحة المغطاة بشجرة المسكيت في المنطقة الممتدة من شبام الى السوم بوادي حضرموت 2697 هكتاراً وتتراوح الكثافة للاشجار على الجزء المحاذي للمجرى الرئيس من شبام غرب الوادي الى قسم بعد تريم بحوالي 88-508 هكتار، اما بوسط الوادي المجرى الرئيسي فالكثافة والتغطية غالباً ما تكونان عاليتين فهي تصل الى 489 شجرة للهكتار الواحد». أما في محافظة ابين فيحدد م. عبدالله قاسم مقرم، من المحطة البحثية بالكود انتشار الشجرة في وادي دوفس والمناطق المجاورة وتنتشر على مساحة 150 هكتارا وبوادي حسان على مساحة 205 هكتارات، أما احور فهي اكثر المناطق تأثراً بهذا النبات حيث ادخل في السبعينات بهدف ايقاف حركة الرمال وينتشر حالياً على مساحة 500 هكتار.

حرب على السيسبان
المسكيت شجرة اصلها ومنشأها اميركا بما في ذلك دول اميركا الجنوبية، وهناك استطاعوا التعاطي معها اقتصادياً واستثمروها. ولربما نظرنا اليها في وادي حضرموت وأطلق العامة عليها الشجرة الشيطانية والمتطفلة ليس أنها امريكية ولكن لنموها وكثافتها في المكان الخطأ هنا، أي بوسط مجرى السيل، وكانت السبب الاول في كارثة السيول وجرف المنازل بحسب افادة الاهالي لنا اثناء تحقيقاتنا التي نشرناها في «الأيام» عن الاضرار التي لحقت بالمناطق والقرى بمحيط تريم قبل سنوات. من هنا جذبت اليها الانظار وأصبحت مثار جدل وانتشرت ومازالت باقية على الجدران وبخطوط عريضة رسمها عدد من الشباب بعناوين بارزة (احرقوا هذه الشجرة)، ومع هذا الشعار الذي لم يستجب له مطلقاً إلا ان برامج مكافحة للحد من انتشار الشجرة في اماكن قد تجلب فيها أضرارا بدأت استخدامات للمكافحة بمشتقات البترول كإحدى الطرق لاقتلاعها، اذ تذكر ورقة علمية أعدها المهندسون احمد سالم، عوض علوان، وفؤاد عباد عن مكافحة الشجرة بالاراضي الزراعية ومجاري السيول : « اتضح من خلال المشاهدات على اشجار المسكيت بأن المشتقات البترولية: بترول، ديزل، كيروسين، زيت محروق لها أثر واضح على تثبيط التجدد الخضري للشجرة وموتها، كما أن الكيروسين هو أفضل تلك المواد ويفضل إضافته على سطح الاورمة بعد قطع الشجرة مباشرة وطريقة غسيل الاورمة هي الافضل من الناحية العملية.. كذلك فإن طريقة قطع الشجرة من مستوى الجذور فعاله أيضاً». كما قيمت دراسة أخرى لطريقة ثانية للمكافحة اجريت في تريم وبواسطة المبيد العشبي الجهازي المعروف بالجلوكونال ونفذ على الاشجار بمجاري السيول إذ وصل المهندسون: عبدالقادر علي حسان وآخرون إلى أن استخدام مبيد الجوكونال ورشّه بمعدل 30 ملم/ماء أدى الى مكافحة فعالة ومعنوية على النموات الجديدة للاشجار، ومن المكافحة الكيماوية فإن المكافحة الحيوية دخلت في نظام الحرب على المسكيت اذ يأتي في سياق ورقة قدمها م. احمد سيف عبدالحق، اختصاصي مكافحة حيوية في الجمهورية أن شجرة المسكيت اضحت في الحاضر مشكلة كبيرة وتمتلك نظاما جذريا عميقا جداً يمكنها من الاستفادة من المياه الجوفية مباشرة، وثبت بأنها تخفض فعلياً من المياه الجوفية مستنداً الى انها مثلاًُ بجنوب افريقيا وحيثما تنتشر تخفض سنوياً من المياه هناك 481 مليون متر مكعب. ويستطرد عبدالحق بذكر نوع مهم كعدو حيوي هو عبارة عن خنفساء تتبع لرتبة عمذية استخدمت في مكافحة شجرة المسكيت في استراليا وجنوب افريقيا وأعطت نتائج ممتازة، مؤكدا امكانية استخدام هذا النوع من المكافحة في اليمن نظراً لتسجيل تواجده في مناطق عديدة في لحج وعدن عام 87م والكدن ميفعة 1998م والكود 99م والحيمة 2001م سيحوت 2003م وذلك باستخدامه بعد اكثاره معملياً، وقد تم إكثار هذا العدو الحيوي على نطاق ضيق في مختبر المكافحة الحيوية بالادارة العامة لوقاية النبات ونشره في مناطق تواجد المسكيت في تهامة.

شجرة صديقة مفيدة
أثناء الندوة العلمية لهذه الشجرة حدثني د.عبدالله علوان عن فوائدها واستخدامات ها بعد ان بينت له ان فريقا كبيرا من الناس مازالوا يحشدون الحشود ضد السيسبان لاقتلاعه ففي جذوره يسكن الشيطان، ومع أنني شخصياً لا يمكن أن أتخذ موقفا دون معرفتي بكامل الموضوع إلا انني مع جرف وقلع هذه الشجرة من المجاري الخاصة بمياه السيول قبل ان تقتلعنا، أو على الاقل الحد من انتشارها.. فكانت إجابة مدير محطة البحوث الزراعية بسيئون د. علوان بشرح المزيد من فوائد الاستخدامات، مؤكداً لي أنه في بريطانيا يستخدمون ثمارها كبودرة وبلدان أخرى تصنع منها الكيكة، بل دخلت المسكيت في عدد من البلدان سوق الاستثمار وأضحت مصدر عائدات اقتصادية، شارحاً لي مزاياها على الواقع وبالملموس ومؤكداً انهم صنعوا نماذج مما ذكره، وأكد أن الاخ المحافظ هلال والاختصاصيين تذوقوا الكيكة التي صنعت من مسحوق بودرة منتج من المسكيت، والأهم من كل هذا فإن مركز نحل العسل بسيئون التابع لجامعة حضرموت اثبت قبل عامين في تجربة أجراها أ. د. محمد سعيد خنبش ود. محمد المداني نجاح استخدام ثمار وبذور المسكيت كبديل لحبوب اللقاح لتغذية نحل العسل، وأظهر بحث قام به كل من د. علي مشهور الجنيد ود. عباس احمد باوزير من كلية ناصر الزراعية بجامعة عدن، الفوائد المتعددة لشجرة المسكيت إذ يمكن استخدام اوراقها علفا للماشية، انتاج اخشاب البناء والاخشاب الصناعية منها، استخراج الوقود منها من الفحم بعد حرقها الى جانب الاستخدامات الطبية، ويحتوي المسكيت على كمية عالية من البروتين تصل في البذور الى 65.2% دهون 7,8% في البذور، 3.2% في الازهار، ووجد ان كمية البروتين والكربوهيدارات والنشأ تزيد في مطحون بذور المسكيت بمقدار 180%، 430% على التوالي منها في طحين فول الصويا ،كما اكدت الابحاث ان شجرة المسكيت مصدر جيد للسماد العضوي، ويقول كل من د. الجنيد وباوزير إنه يفترض التفكير جدياً لإيجاد ادارة مناسبة لهذه الشجرة والاستفادة من فوائدها المتعددة اسوة ببقية شعوب المعمورة وعدم النظر اليها من زاوية الضرر.

هل انصفناها؟
نحن في «الأيام» نرى أن الاستفادة القصوى مهمة إذ ان المسكيت ظهرت كشجرة ذات فوائد متعددة وعائد اقتصادي يحتاج لتنميته مثلما تنمو الشجرة وتنتشر.. هكذا حاصرت عدن شجرة المسكيت قبل عامين لغرض الحماية من العواصف، وقدمت الى ابين لمكافحة زحف الرمال فزحفت هي على مساحة 500 هكتار وفي جزء كبير من حضرموت اضحت تمثل كارثة، ولكن ربما تتحول الى فائدة بعد أن بينت هذه الندوة جوانبها خصوصاً الاقتصادية، ومع بعض الضرر الذي يأتي منها فإن الفوائد بدت اضعافاً مضاعفة، فقط نحتاج كما قال الباحثون إلى إدارة سليمة وتنفيذ ما أوصت به الندوة التي تعد الأولى من نوعها، ويؤمل من الندوة الثانية التي ستعقد في عدن لاحقاً استكمالاً لهذا الموضوع أن تفرد مساحة خاصة للأوراق الاقتصادية واستثمار هذه الشجرة المظلومة ربما حتى اللحظة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى