الخميس, 22 مايو 2025
116
زداد حدة المشهد السياسي الداخلي، لا سيما في الجنوب، حيث يواجه مجلس القيادة الرئاسي اختبارًا مصيريًا وَسط تراكم الأزمات الاقتصادية والخدماتية التي أنهكت المواطن، مع فقدان متسارع للثقة الشعبية. ما بين خيارَي الاستقالة الجماعية أو الاستمرار في إدارة الأزمة بالفشل ذاته، مع تصاعد المخاوف من انهيار شامل.
لم يعد خافيًا أن مجلس القيادة الرئاسي، ممثلا برئيسه وأعضائه، يعيش أزمة شرعية متنامية، مع تآكل رصيده الشعبي بسبب عجزه عن تقديم حلول واقعية لانعدام الخدمات الأساسية وانهيار العملة وارتفاع معدلات الفقر ومظاهر الجوع في بعض المناطق. ما يزيد الوضع تعقيدًا هو تحوُّل المجلس إلى رمز للجمود، بينما تتفاقم الاحتياجات اليومية للمواطنين، بعد أن تحول إلى إدارة وهمية تعيد إنتاج الأزمات بدلاً من إنهاءها.
أصبح أمام المجلس خياران لا ثالث لهما في ظل الوضع الراهن، أما الاستقالة الجماعية وهي خطوة قد تَفتح باباً لمرحلة انتقالية تُدار فيها السلطة عبر كفاءات سياسية واجتماعية قادرة على إعادة ترتيب الأوراق، وتجنب السقوط في فوضى تُعيد المشهد إلى مربع الصراعات الدموية، لكن هذا الخيار يبدو مستبعداً في ظل هيمنة حسابات المصالح الشخصية لأعضاء المجلس والصراعات الداخلية فيما بينهم.
و أما الخيار الآخر وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً، حيث يختار المجلس مواصلة إدارته الفاشلة للأزمات، وعجزه عن تحقيق أي اختراق ملموس، ما يعني استنزافًا متواصلاً لبقية مقومات الاستقرار، وتمهيد الطريق لانهيار قد يأتي بقوى أخرى إلى الواجهة، ويُشعل تمردًا شعبيًا في الجنوب.
مما لا شك فيه أنه لا يمكن فصل قرارات مجلس القيادة عن السياق الإقليمي والدولي. فالجميع وإن بدا صامتاً أمام تدهور الأوضاع، إلا أن صبره على استمرار الفشل قد ينفذ، لا سيما مع تزايد الضغوط الإنسانية التي تُهدد بتفجير الأوضاع ما يعني مجاعة، فوضى، هجرة غير نظامية وتوسيع رقعة نشاط قُوَى الإرهاب الإخوانية والحوثية التي تراقب بارتياح ترنح المجلس، وتبحث عن فرصة لملء أي فراغ سياسي أو عسكري، في وقت يُعاني شعب الجنوب من حاجة ملحة لقيادة غير مترهلة وموحدة تمنع انزلاقه نحو الهاوية.
الملف اليمني والجنوبي، بكل تعقيداته، يحتاج إلى جرأة في اتخاذ القرار. فاستقالة المجلس ليست حلمًا مثاليًا، لكنها قد تكون الخطوة الأولى نحو تفكيك نظام فشل في إدارة المؤسسات الواقعة تحت سيطرته، بينما يمثل التمسك بالسلطة استمرارًا لسيناريو مؤسسة الشرعية الفاشلة. السؤال الأكبر هو، هل يمكن للضغوط الشعبية والدولية أن تُجبر المجلس على اختيار طريق المغادرة الطوعية قبل فوات الأوان؟ الإجابة مرتبطة بمدى قدرة القُوَى الفاعلة داخلياً وخارجياً على تحويل حالة اليأس إلى فرصة للبدء من جديد.
الكرة ليست فقط في ملعب مجلس القيادة، بل أيضاً في ساحات المجتمع الدَّولي والإقليمي والقوى المحلية التي يجب أن تدرك أن استمرار الوضع الراهن هو إعلانٌ غير مباشرٌ عن دفن آخر أمل في إنقاذ ما تبقى من حلول سياسية.