في الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات المُنددة بالتخلي عن القضية الفلسطينية، تبرز تناقضات ما يُسمى محور المقاومة، حيث تختلف أدوار إيران وحزب الله والحوثيين اختلافًا جذريًّا، رغم اشتراكهم في خطابٍ يرفع شعار تحرير فلسطين. هذا الاختلاف ليس نتاجًا لعوامل أيديولوجية فحسب، بل هو محصلة حسابات استراتيجية تخضع لاعتبارات الجغرافيا والسياسة والاقتصاد، وأولوية البقاء في لعبة القوى الإقليمية.
إيران، التي تُعتبر الراعي المركزي لهذا المحور، تتعامل مع ملف غزة بمنطق المتاجرة الثورية، الذي يجمع بين الخطاب الثوري وتجنب المخاطر المفتوحة. فطهران، التي تواجه حصارًا اقتصاديًّا متصاعدًا، وعمليات تخريبية تُنسب إلى إسرائيل داخل أراضيها، تدرك أن أي تصعيد عسكري مباشر قد يُحوّلها إلى ساحة مواجهة مكشوفة، خصوصًا مع تراكم التحديات الداخلية. حتى دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة يأتي ضمن استراتيجية الهجوم بالواسطة، التي تحقق لها تأثيرًا إقليميًّا دون تحمُّل تكلفة المواجهة المباشرة. هذا النهج لا ينفصل عن إدراكها أن دورها كقوة إقليمية يتطلب الحفاظ على توازن هش بين الثورية والواقعية، حتى لو أثار ذلك شكوكًا حول عمق التزامها بمعارك الآخرين.
أما حزب الله، فمعادلاته أكثر تعقيدًا. فالحزب، الذي يشارك في السلطة في لبنان، لم يعد ميليشيا عابرة للحدود فحسب، بل أصبح جزءًا من نظام طائفي هش، يحمل عبء إدارة دولة منهارة. هذا الوضع يفرض عليه مراعاة تكلفة أي مواجهة مع إسرائيل، التي قد تُعيد لبنان إلى حرب مدمرة، وتُفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يُعاني منها حتى مؤيدوه. حتى الاغتيالات المتكررة لقادته، واستهدافات مناطقه، لا تدفعه إلى ردٍّ مكافئ، ليس بسبب التراجع الأيديولوجي، بل لأن خيار الحرب بالنسبة له أصبح رهينة لمعادلة الخسائر المُحتملة، التي قد تُنهي دوره كـحزب مقاومة وقوة سياسية في آنٍ معًا.
في المقابل، يبدو الحوثيون في اليمن وكأنهم يعيشون في عالمٍ موازٍ لقواعد هذه المعادلة. فجماعة لا تدير دولة بالمعنى الكلاسيكي والدستوري، ولا تُحاسَب على أفعالها ومنها انهيار الخدمات أو انتشار المجاعة في المناطق الخاضعة لها، تملك ترفَ اتخاذ قراراتٍ عالية التكلفة، مثل استهداف وقرصنة السفن في البحر الأحمر أو إطلاق صواريخ نحو إسرائيل. هذه الخطوات، التي تُقدَّم كـدفاع عن غزة، تخدم في الواقع تثبيت شرعية الجماعة داخليًّا وخارجيًّا، عبر تحويلها من ميليشيا متمردة إلى لاعب إقليمي. لكن هذه "الترف الثوري" له ثمنه: فالسكان في مناطق سيطرة الحوثيين، الذين يعانون من نقص الوقود والغذاء وباقي الخدمات، يتحولون إلى وقودٍ في آلة التعبئة الأيديولوجية، حيث تُستخدم معاناتهم كأداة للابتزاز الدولي، أو كذريعة لتعزيز السيطرة عبر شبكات المحسوبية.
هذا التباين في ردود الأفعال يُظهر أن القضية الفلسطينية، رغم حضورها المركزي في الخطاب، تظل في الممارسة مجرد ورقة في صراع النفوذ الإقليمي. فإيران تريد إثبات أنها القوة العظمى في الشرق الأوسط، وحزب الله يسعى للحفاظ على مكاسبه في لبنان، بينما يحوِّل الحوثيون أنفسهم إلى أداة ضغط لا تُهمها العواقب الإنسانية. الخطاب "الطهراني" عن التضحية والفداء يصطدم بواقع أن كل فاعلٍ يزن مصالحه بِميزانٍ مختلف: إيران تزن ثمن المواجهة مع الغرب، وحزب الله يحسب تكلفة فقدان السلطة، والحوثيون يتبارون في سوق "الثورجية" لتعويض افتقادهم لشرعية الحكم.
في الأول والآخر، تتحول فلسطين إلى ضحيةٍ جديدةٍ ليس فقط للاحتلال الإسرائيلي، بل أيضًا لتناقضات حلفائها المزعومين. فمحور المقاومة، الذي يتغنى بوحدة الأمة، يكرس من خلال ممارساته انقسامها، حين تُختزل القضية الفلسطينية إلى مجرد ذريعة لصراعات جانبية، أو أداة لترميم شرعيات مهترئة. وفي الوقت الذي يُجبر فيه مدنيو غزة على دفع ثمن المواجهة مع إسرائيل، يُجبر مدنيو اليمن ولبنان وإيران على دفع ثمن لعبة الكبار، حيث الثورة خطابٌ، والمقاومة شعارٌ، لكن الشعوب دائمًا هي الخاسر الأكبر.
إيران، التي تُعتبر الراعي المركزي لهذا المحور، تتعامل مع ملف غزة بمنطق المتاجرة الثورية، الذي يجمع بين الخطاب الثوري وتجنب المخاطر المفتوحة. فطهران، التي تواجه حصارًا اقتصاديًّا متصاعدًا، وعمليات تخريبية تُنسب إلى إسرائيل داخل أراضيها، تدرك أن أي تصعيد عسكري مباشر قد يُحوّلها إلى ساحة مواجهة مكشوفة، خصوصًا مع تراكم التحديات الداخلية. حتى دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة يأتي ضمن استراتيجية الهجوم بالواسطة، التي تحقق لها تأثيرًا إقليميًّا دون تحمُّل تكلفة المواجهة المباشرة. هذا النهج لا ينفصل عن إدراكها أن دورها كقوة إقليمية يتطلب الحفاظ على توازن هش بين الثورية والواقعية، حتى لو أثار ذلك شكوكًا حول عمق التزامها بمعارك الآخرين.
أما حزب الله، فمعادلاته أكثر تعقيدًا. فالحزب، الذي يشارك في السلطة في لبنان، لم يعد ميليشيا عابرة للحدود فحسب، بل أصبح جزءًا من نظام طائفي هش، يحمل عبء إدارة دولة منهارة. هذا الوضع يفرض عليه مراعاة تكلفة أي مواجهة مع إسرائيل، التي قد تُعيد لبنان إلى حرب مدمرة، وتُفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يُعاني منها حتى مؤيدوه. حتى الاغتيالات المتكررة لقادته، واستهدافات مناطقه، لا تدفعه إلى ردٍّ مكافئ، ليس بسبب التراجع الأيديولوجي، بل لأن خيار الحرب بالنسبة له أصبح رهينة لمعادلة الخسائر المُحتملة، التي قد تُنهي دوره كـحزب مقاومة وقوة سياسية في آنٍ معًا.
في المقابل، يبدو الحوثيون في اليمن وكأنهم يعيشون في عالمٍ موازٍ لقواعد هذه المعادلة. فجماعة لا تدير دولة بالمعنى الكلاسيكي والدستوري، ولا تُحاسَب على أفعالها ومنها انهيار الخدمات أو انتشار المجاعة في المناطق الخاضعة لها، تملك ترفَ اتخاذ قراراتٍ عالية التكلفة، مثل استهداف وقرصنة السفن في البحر الأحمر أو إطلاق صواريخ نحو إسرائيل. هذه الخطوات، التي تُقدَّم كـدفاع عن غزة، تخدم في الواقع تثبيت شرعية الجماعة داخليًّا وخارجيًّا، عبر تحويلها من ميليشيا متمردة إلى لاعب إقليمي. لكن هذه "الترف الثوري" له ثمنه: فالسكان في مناطق سيطرة الحوثيين، الذين يعانون من نقص الوقود والغذاء وباقي الخدمات، يتحولون إلى وقودٍ في آلة التعبئة الأيديولوجية، حيث تُستخدم معاناتهم كأداة للابتزاز الدولي، أو كذريعة لتعزيز السيطرة عبر شبكات المحسوبية.
هذا التباين في ردود الأفعال يُظهر أن القضية الفلسطينية، رغم حضورها المركزي في الخطاب، تظل في الممارسة مجرد ورقة في صراع النفوذ الإقليمي. فإيران تريد إثبات أنها القوة العظمى في الشرق الأوسط، وحزب الله يسعى للحفاظ على مكاسبه في لبنان، بينما يحوِّل الحوثيون أنفسهم إلى أداة ضغط لا تُهمها العواقب الإنسانية. الخطاب "الطهراني" عن التضحية والفداء يصطدم بواقع أن كل فاعلٍ يزن مصالحه بِميزانٍ مختلف: إيران تزن ثمن المواجهة مع الغرب، وحزب الله يحسب تكلفة فقدان السلطة، والحوثيون يتبارون في سوق "الثورجية" لتعويض افتقادهم لشرعية الحكم.
في الأول والآخر، تتحول فلسطين إلى ضحيةٍ جديدةٍ ليس فقط للاحتلال الإسرائيلي، بل أيضًا لتناقضات حلفائها المزعومين. فمحور المقاومة، الذي يتغنى بوحدة الأمة، يكرس من خلال ممارساته انقسامها، حين تُختزل القضية الفلسطينية إلى مجرد ذريعة لصراعات جانبية، أو أداة لترميم شرعيات مهترئة. وفي الوقت الذي يُجبر فيه مدنيو غزة على دفع ثمن المواجهة مع إسرائيل، يُجبر مدنيو اليمن ولبنان وإيران على دفع ثمن لعبة الكبار، حيث الثورة خطابٌ، والمقاومة شعارٌ، لكن الشعوب دائمًا هي الخاسر الأكبر.