وذاك الشبل زياد يبني في الأفق أحلامه

> «الأيام» علي محمد يحيى:

> في مغلف يحمل بين ثنايا دفتيه ما يزيد على التسعين صفحة من القطع المتوسط في طبعة أنيقة، كانت هي مجموعة زياد أحمد السقاف الشعرية، التي أهدانيها أخي وصديقي والده.. أهدانيها بزهو جميل تستشف من خلاله ذلك القدر العظيم من غبطة الوالد، وقد خط على صفحة فاتحته البيضاء: «أهديك المجموعة الشعرية لابني زياد (أحلام في الأفق نبنيها)».

وفي زمن كهذا كاد الإبداع والأدب بخاصة أن يحتضر، ولم يعد فيه للأمل من توقع، ظهر زياد بعد أن انقطع الرجاء.. جاء يحمل بيمينه إلى أبيه ولنا مجموعته الشعرية موسومة باسمه زياد، وهو لم يتخط بعد الستة عشر ربيعاً.. جاء كما قال ليجعل من الأحلام مشيدات محسوسة في ذلك المكان البعيد منا والقريب إليه، في الأفق.. ومن منا نحن يستطيع أن يدرك أفقه؟؟ قال كلمته الفصل وهو على يقين وثبات من أنه يعي ويدرك ما يقول لنا.. وبإصرار.. بأنه ليس هو وحده من يبني تلك الاحلام.. وفي الأفق تحديداً.

الحلم هو أول الطريق نحو الهدف، وهو الخطوة الأولى نحو الواقع، فمعظم الأشياء التي أدركناها بدأت أحلاماً، ثم أماني ثم فعلاً.. فتحققت.. يقول زياد:

ونسير بطرق

رسمنا مسالكها وحواريها...

فأين بنى شاعرنا الشاب أحلامه؟ وسار بطرق رسم مسالكها وحواريها مع تلك التي لم ينفك في مناجاتها في معظم قصائده وتخاطر معها أو حدثها وجهاً لوجه؟ الأفق كان هو مكانه الأسمى.. بناء الأحلام في الأفق فلسفة إنسانية تتعدى حدود المكان والزمان النسبي .. فالأفق لا حدود له ولا زمان له.. ولكنها رؤية فلسفية أزعم أنها لم تخرج عن منطق الجدل التي لها في التاريخ جذور منذ أن كان افلاطون وجمهوريته اليوتوبية المبنية على العقل والحلم والحب والرومانسية والحياة.. وفي أحلام نبينا يوسف وتأويلاته. أفلم تظهر إحداثيات الانسان على مدى التاريخ من اللا شيء إلى كل شي وإن لم تكن على امتداد العصور في بداياتها إلا أحلاماً؟

زياد يحلم لنفسه ولمحبوبته ولنا..

إذا طالعنا معظم نصوص مجموعة زياد السقاف نجده من خلالها ما انقطع يحلم بشأن حبه الجارف العرمرم وبعقلانية التلاقي، والعمل والمستقبل. يحلم كيما يبني عالماً له ولمعشوقته ولنا طبعاً.. حسبما يراه، وكيفما يجب أن يكون في أفق محيطه العدل للعيش فيه ببساطة لا ترهق.. وحرية لا تستباح.. وعواطف منثورة يشملها الحب.. يحلم زياد ويتمنى كما نحن نحلم ونتمنى وتزداد أحلامنا وتقوى أمانينا عندما تكثر الضغوط وتنفلت المظالم.. ولذلك ننفجر بالثورة نحو تحقيق بعض من تلك الأحلام والخيال والأماني في أوقاتنا الحرجة، ومنها وقت الحلم.

يقول شاعرنا زياد السقاف في قصيدته (دماء تبكي) :

وطارت طيور الأماني تبحث عن يوم

يفيق فيه كل نائم

لم تجد بين الأزمان يوماً

يفيق فيه رجل نام وهو يائس

سائم

فلا بد من إعدام يأس قتل فينا

حتى الأماني.. ولا للومة لائم.

والحب عند زياد في أحلامه.. مخلّد فاق الخصوصية، فوجوده عنده وجود سحري (ليس فيه معنى للكلمات سطحي) إذ إن اللغة عنده إحساس بالمعنى.. والمعنى ليس فيه أشياء المادة، ولكن فيه أشياء الإرادة. وفي معنى الإرادة يقول في قصيدته(تعاهدنا):

إن جعلنا من الحب خيوطاً تربطنا

سنستغيث بخزائن حبنا

فإن نفد الماء من البحر

ما نفد الحب من بحرنا

كلما مضى من الوقت شيءٌ

زادت صلابة القيود بيننا

وإن طفنا بالأرض سفراً

فإلى مكامن الحب مرجعنا

وإن سرت بنا الآلام ليلاً

فما للوجع أوصلتنا

فإن ذهبنا ورجعنا

فالذهاب والرجوع إلى بعضنا

وما من شيء جمعنا

سوى قدر للروح فاجتمعنا

قدر شاءته الأقدار لنا

فأبداً ما افترقنا ..

وقد تجلت هذه المجموعة الشعرية ببساطة اللغة التي استعملها الشاعر.. وهي لا تخلو أيضاً من صور بلاغية وفلسفية فاقت عمره وتجربته.. أما عن بناء وشكل القصيدة فإن ميله بها نحو الحداثية.. قد جعله أحياناً لا يستقر بها تماماً فيما بين التفعيلية والنثرية.. وهذا لا يعيب عليه ولا ينقص من قدر القصيدة فموسيقاها تشعر بها وتحسها ولا تنكرها مع أن عوده ما زال طرياً لم يقو بعد.. ولقد استأنست بانطباعات عدد ممن قرأوا له.. فقد كانت في معظمها استحساناً باستهلال فارس إلى ميدان الشعر يحمل دلالاته وملامحه وتجربته المتفردة بتؤدة.

لم يبق لي في الخاتمة سوى أن أحيط القارئ بأن زياد هو نجل الصديق أحمد السقاف المحرر الثقافي بـ «الأيام» وعمه هو الشاعر الكبير عبدالرحمن السقاف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى