وداعـــاً معـروف

> عبدالقوي الأشول:

>
معروف حداد
معروف حداد
قبر الغريب سقاك الرائح الغادي ** حقا ظفرت بأشلاء ابن حداد .. عذراً لهذا التحريف في البيت الشعري.. ففرط حزننا برحيل أعرق وأقدر صحفي عرفته عدن، بل اليمن بصفة عامة منذ ما قبل ستينات القرن المنصرم عميق، وقبل أن نكون نحن زملاء مهنته قد تخطينا حدود بداياتنا الاولى في مجال مهنة المتاعب..امتلك راحلنا العزيز الأب الصحفي معروف حداد حضوراً ومجداً واسعاً في بلاط صاحبة الجلالة.

عاصر مراحل زمنية مختلفة ومثل بعقله النير واحداً من أعلام التغيير.

رحل أشهر فرسان الصحافة..غريباً في وطنه، احتضن الثرى جسده الطاهر، ملفوفا بقناعاته التي لن يبلغها أي منا.

في ذلكم الحي العتيق بحارة القاضي عدن عاش ومات صاحب المجد الصحفي والحضور المميز، بل أحد أعلام الصحافة في بلادنا.

في مبنى أثري لا تتعدى مساحته الأربعة أمتار يشيرون إلى منزله، تلك الامتار الأربعة هي كل ما امتلكه الرجل في حياته بداخل ذلكم المسكن المتواضع.

ظل قلب الرجل ينبض بهموم ومعاناة أهله وناسه.

معروف حداد صحفي ضليع وكاتب متميز وموسوعة معرفية لا حدود لها، محلل سياسي بارع.. بل ويجيد الانجليزية نطقاً وكتابة، قدرات وعطاء..عاش معها الرجل حياة قاسية لم تشفع له سنوات مجده الصحفي ولو بنزر يسير من العرفان..بل وبما يمكنه من مداراة آلامه خصوصا في سنوات عمره الأخيرة، حين داهمته الأوجاع وبدأ يعاني مشكلة ضعف البصر.

مرات كثيرة شاهدت بها أستاذي معروف وهو يحاول تجاوز مشكلاته الصحية، يتحامل على نفسه يحاول كعادته قطع المسافات بقدميه وكأنه يريد ان يقول ها أنا مازلت قادرا على فعل ذلك.

درجة من التفاؤل وقدر من السمو والاعتزاز ربما لا نجد لهما مثيلا إلا عند الأب العزيز وأمثاله من خيرة الرجال ممن فقدناهم تباعاً.

كنا معشر زملائه نقول في لحظات تذمرنا وشعورنا بقدر ما نعانيه جراء الإلغاء والتهميش والجحود والنكران..وكل دروب المعاناة التي نعيش في أتونها دون رحمة.. نقول..لسنا بأكثر من معاناة معروف.

صمت معروف أبلغ من أن يوصف.. فهالة حضوره الصحفي والجماهيري.. لم تشفع له ربما لأنه اختار عن طيب خاطر تلك المكانة التي أيقن أنها تليق بمسيرة عمله الصحفي.

لم يشأ النط من خلال قلمه إلى بلاط العطايا والنعم التي أسبغت على من هم أقل شأنا منه بكثير، حين فاضت روحه إلى بارئها..لم يترك سوى حزمة أوراقه وحسرة أبناء مدينته بل وبسطاء مجتمعه.. حقا كم أنت شحيح وقاس أيها الزمن الرديء على كل من تقف ثوابتهم وقناعاتهم عند حدود النزاهة والعفة وقول الحقيقة.

فها هي امتدادات المدينة والوطن اللذين أخلص لهما معروف وحمل همومهما في أجندة أولوياته يودعان واحدا من أثرى رجالاتها البسطاء، عاش حياة زهد عجيبة، عشق طقوسها، تعاليمها، نواهيها..صفات هذبت روحه، ورسمت معالم الطبيعة على محياه طيبة لا تخطئها عين..بل قدراً من السمو والتواضع.. ويقينية مطلقة بفناء الأشياء والأرواح.

فأي روح أثيرية شفافة تلك التي تلخصت في ذات معروف الصحفي الإنسان.

حقا إنها حياة تستحق أن تعاش..بل لقد عاشها الرجل بجدارة وغادرها بنقاء لا حدود له.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى