تجارة المواشي.. ازدهار الماضي وتدهور الحاضر (2-2)

> فردوس العلمي:

>
جانب من المواشي
جانب من المواشي
رحلة تحمل الكثير من التساؤلات وترسم الدهشة على الوجوه بمجرد أن تحط رجلك خلف بوابة كبيرة متهالكة لترى أمامك مساحة ليست شاسعة وليس فيها غير غرفة صغيرة عبارة عن متر في مترين يجلس داخلها حارس هذا الموقع، كما يوجد بقربه قارب غارق لسنوات طويلة وآخر رسا على نصف المساحة وتسمع فيه خوار الأبقار المتراكمة فوق بعضها البعض .. هذا الموقع الذي ليس له ملامح واضحة يطلق عليه المحجر البيطري، الذي يعنى بفحص المواشي الواردة للوطن، وهو أقرب ما يكون لمزبلة تزكم رائحتها الأنوف، فهو بعيد كل البعد عن أن يكون حتى زريبة للمواشي وليس محجرا بيطريا يعني بفحص المواشي كما يقال .. ولمعرفة أسباب تدهور الوضع في هذا المحجر التقت «الأيام» بالجهات المعنية، فماذا قالوا ؟

ولمعرفة هموم التاجر الصومالي الذي يقول لنا بمرارة: كل شخص يأخذ فلوسه: صاحب الزعيمة، الوكيل، الجمارك لا أحد تضيع فلوسه سوى التاجر الصومالي الذي لا يجد من ينصفه.

< ولمعرفة المزيد التقيت بالأخ يوسف عبدي، يعمل في تجارة المواشي منذ عام 1997 في عدن يقول: «نعاني الكثير من الصعوبات، ولا يوجد اهتمام، فليس هناك محجر صحي بالشكل المطلوب، ولا يوجد سوق، اضافة الى غلاء الضرائب المفروضة على الرأس الواحد، والجمارك لا تفرق بين الرأس الذي يباع بـ 5.000 والذي يباع بـ10.000 .. وفي السابق كانت الضرائب ثلاثة أنواع (ماخري، بربري ومتوسط) وكل نوع تختلف ضريبته عن الآخر، والآن كلها بسعر واحد، إضافة الى المماطلة الشديدة في تحصيل مبالغ التجار الصومالين من قبل تجار يمنيين، حيث يتسلمون منا المواشي وعند تسديد المبلغ لا نجدهم، وهناك الكثير من تجار المواشي الصومال ظُلموا ولهم أكثر من ستة أشهر يطالبون بمبالغهم، ومن ضمنهم التاجر علمي الذي يطالب بمبلغ مليوني ريال ولا يستطيع ان يحصلها، ونحن لا نستطيع الذهاب الى المحاكم، والتاجر اليمني اختفى عن الانظار. ومشكلتنا الاساسية عدم وجود ضمين معتمد عند بيع المواشي .

< ويوافقه الرأي زميلة على يوسف قائلاً: «هناك الكثير من التجار الصومال ضاعت فلوسهم وهم يرغبون بالعودة الى بلدهم بعد ان يئسوا من استرجاعها، ونحن نطالب بإيجاد حلول حتى لا يواجه التجار الآخرون نفس المصير، فهناك تاجر آخر فقد 150 ألف دولار.. مشاكلنا كثيرة أبسطها بقاء المواشي لأكثر من عشرة أيام فوق (الزعائم)، وأتمنى أن يتم توسعة المحجر البيطري وإيجاد سقائف لتحمي المواشي من أشعة الشمس، كما نطالب الحكومة اليمنية بأن تضبط التجار اليمنيين الذين يأخذون حق التاجر الصومالي دون وجه حق. وأضاف: «اليمن والصومال دولة واحدة، نتمنى أن نجد الحلول المناسبة لما فيه المصلحة العامة».

ولمعرفة التعرفة الجمركية اتجهت الى مكتب جمرك ميناء عدن، الجهة المناط بها تحديد التعرفة الجمركية للمواشي، فالتقينا الاخ عصام أحمد شاكر، مدير جمرك ميناء عدن الذي طرحنا عليه جملة من الاسئلة منها: ما هي الاجراءات المتخذة إزاء العجول الميتة .. فبادرنا بسؤال هل المواشي الميتة تبقى في الزعائم حتى دخولها الى حرم الميناء أو ترمى في البحر؟ فمن الممكن أن يقول التاجر كان عندي حسب الوثائق التي بحوزته مثلا 100 رأس، وهناك عشرون ماتت أو ربما انزلت في ميناء آخر فهذا لا يهمنا، فكل ما يهمنا العدد الذي يصل إلى حرم الميناء.

أوضحت له أن السؤال يخص العجول التي تموت داخل المحجر البيطري أو الزعائم اثناء وقوفها في الميناء لإنهاء الإجراءات.. فأجاب: «المواشي تنزل فوراً من الزعيمة خاصة الاغنام والماعز ما عدا العجول وهذا حسب اللوائح المعمول بها، فنحن لسنا جهة اختصاص بل جهة تنفيذية .. والمحجر البيطري غير مؤهل لهذا أعطت لنا وزارة الزراعة توجيهات بعدم نزول الابقار الى المحجر، ولكن بعد استصدار أوامر يتم إنزال الابقار. والبضائع التي تصاب بالتلف تعاد رسومها بعد اتخاذ اجراءات منها فتح محضر ومذكرة منا إلى مصلحة الجمارك ومنها الى وزارة المالية، والتي بدورها تحول المبلغ إلى البنك المركزي، وهذه إجراءات تتخذ قبل فتح التاجر بياناً جمركياً، ولكن إذا حدث التلف بعد فتح البيان وخروج البضاعة من حرم الجمرك فليس لها أي اعفاء فالمحجر البيطري ليس في إطار الحرم الجمركي» .

ويوكد الاخ عصام أن أسعار الضريبة الجمركية في جميع منافذ الجمهورية مركزية وتعتبر سلطة سيادية لا تخضع لأي جهة داخل المحافظة . وعن قيمة الضريبة الجمركية يقول الاخ عصام: « يصل سعر البيع للرأس الواحد من الاغنام والماعز الى 28 دولارا وقيمة الجمرك مع الضرائب الأخرى تصل الى 1227 ريالا للرأس الواحد، بينما يباع في السوق بـ 13 ألف ريال، والعجول يصل سعر بيع الرأس والذي تحدد به الضرائب الى 150 دولاراً، والرسوم الجمركية مع الضرائب الأخرى تصل الى 6561 ريالاً، أي يصل سعر الرأس من العجول مع الجمرك والضرائب الأخرى الى 184 دولاراً، ويباع في السوق بـ 60 أو 70 ألف ريال» .

سألت الاخ عصام لمن الحق في تنظيم العلاقة بين التجار اليمنيين والصومال أثناء عملية البيع، خاصة مع وجود شكوى من التجار الصومال بضياع أموالهم.. قال: «القضاة هم من ينظمون هذه العلاقة ويعطون لكل واحد حقه، ولكن مع طول اجراءات التقاضي وعدم حصول التاجر الصومالي على الوقت الكافي يقع الظلم عليه ويضيع ماله كما يقال».

وفي ختام حديثه يقول عصام احمد شاكر، مدير جمرك ميناء عدن: «مع تحسن الوضع والاستقرار في الصومال، نتمنى أن تكون هناك علاقة تعاون وتنسيق بين وزارتي التجارة في البلدين الشقيقين» .

لملمت اوراقي وذهبت الى جهة أخرى لوضع النقاط على الحروف، ولمزيد من المعرفة عن هذا المحجر البيطري، التقيت بالأخ ماهر الشعيبي، مدير إدارة الرصيف في ميناء عدن وطرحت امامه قضية المحجر وسألته: ما خططكم لتأهيل المحجر البيطري؟ فأجاب: «نشاط السواعي هو بداية نمو وازدهار ميناء عدن في عام 1800م حيت كانت تنقل البضائع بين دول جنوب غرب آسيا وجنوب افريقيا وميناء عدن، وفي عام 1850م اعلن ميناء عدن ميناء حراً، وهو الأمر الذي ساهم في ازدهار التجارة بشكل كبير، حيث كانت تأتي السفن الخشبية من الهند وجيبوتي والصومال وسلطنة عمان، وكانت اهم البضائع التي تحملها تلك السواعي: الاغنام، الابقار، اللبان، السمسم، البهارات، الاقمشة، السكر، الارز والدقيق» . وأضاف: «كانت السواعي تحتاج الى غاطس لا يزيد عن 2 متر، ومع ازدياد حجم السواعي ازداد عمق الغاطس حتى 6 أمتار، وأصبحنا نُرسي الزعائم الكبيرة في رصيف خاص من ارصفة المعلا يدعى (رصيف المنعطف).

وبعد ازدياد النشاط الملاحي للسفن الخشبية وكبر احجامها وازدياد أعدادها خلال السنوات الماضية وصلت نسبة الزيادة عام 2005م الى 220 زعيمة مقارنة بالعام 2004م الذي بلغ عدد السفن 119 زعيمة، وبلغت نسبة الزيادة 44% ووصلت كمية البضائع الى 2497 طناً بزيادة قدرها 66% عن السنوات السابقة».

وعن الإجراءات المتخذة من قبل إدارة الميناء لتطوير المحجر البيطري قال: «قامت ادارة الميناء بوضع خطة لتطوير ارصفة السواعي ورصيف المواشي في نهاية 2005م على امل تجهيز الممر المائي والحفر والتعميق، بما يتناسب وحجم الزعائم الحالي وكذا تجهيز أرصفتها خلال العام 2006م لمواكبة النشاط المتزايد والحيوي، اضافة الى الجهود الكبيرة التي تبذلها ادارة الموانئ في تحسين خدماتها والتسهيلات التي تقدمها من حيث إنشاء سقائف جديدة ومكاتب وإدخال التيار الكهربائي لرصيف المواشي مع خدمات المياه، ونأمل في المستقبل القريب إظهار هذا المرسى بصورة جيدة قادرة على تقديم خدمات ملموسة للمصدرين والموردين عبر السفن الخشبية».

< آخر محطة لهذا الموضوع كانت مكتب المهندس عبدالرب جابر الخلاقي، مدير التسويق والإعلام في ميناء عدن، الذي تحدث إلينا قائلاً: «فيما يخص المحجر الصحي ظهر طلب لهذه الخدمة حديثاً من قبل كثير من التجار يرغبون في تحفيز خدمة استقبال المواشي، فالمنفذ الر ئيسي لهذه الخدمة حالياً هو منفذ المخا.. وهناك عدد من الطلبات تصل الينا لهذه الخدمة خاصة في مواسم الاعياد، وإقامة محجر بيطري للاستثمار بـ 5 ملايين ريال يحتاج الى مبرر اقتصادي قوي وإقامة محجر بيطري يجب أن تتوفر له متطلبات صحية ضرورية، وحتى الآن لم توضع دراسة دقيقة أو علمية لهذا الامر».

ويوضح المهندس الخلاقي: «كان من المفترض ان تكون هناك دراسة، وقد كان لنا لقاء مع قيادة الميناء بضرورة إعداد دراسة متكاملة تحدد من خلالها فعالية المحجر وجودته الاقتصادية وتحدد فيها الجهات المستفيدة منه والتي من الممكن أن تساهم فيه.

فمن حيث الرسوم مثلاً نحن نحصل كرسوم سيادة 5 ريالات فقط على الرأس الواحد من الاغنام والماعز، إضافة الى حوالي 7 ريالات على الرأس الواحد من الابقار، وهذا لا أعتقد بأنه مبرر اقتصادي ودافع لاستثمار مبلغ كبير وإنشاء هناجر خاصة بحسب مواصفات خاصة تتطلبها وزارة الصحة. والسؤال الذي يفرض نفسة كم سيكون عدد الطلبات وحجمها ليكون هناك مبرر استثماري ودافع لهذا المشروع؟ ومن هم المستفيدون والتجار؟ من هم المتعاملون مع هذا النشاط؟ فإذا تم البناء من قبل مصلحة الموانئ قد تدير الموقع وزارة الصحة من خلال صحة البيطري وصحة الموانئ بحكم التخصص». وأضاف: «لا بد ان يقاس حجم المحجر البيطري بما يتواكب مع شحنات المواشي التي من الممكن أن تستورد، فالمسألة ليست ارتجالية .

الكثير من التجار يطالبون بوجود منفذ آخر لاستيراد المواشي، ويقولون لماذا نذهب الى المخا من الضروري إيجاد محجر آخر.. وقد كلفنا من قبل المدير العام بالنزول وإعداد دراسة وإيجاد مساحات، ومن الشروط الاساسية ان تكون الدراسة معمولة بالشكل الصحيح لكسر أي احتكار يضر بالمواطن ويضر بالنشاط الاقتصادي، ونحن مع هذه الفكرة على أن تكون مدروسة بشكل صحيح وعلمي لوضع الحلول المناسبة.

ونحن حالياً نواجه إشكالية حيث صرفت الارض بإيجار رسمي لشخص آخر ونحن لا نستطيع ان نقتطع منها مساحة إلا إذا جلسنا معه وافهمناه أن هذا للمصلحة العامة، وإذا اقتنع فلا يوجد مانع، إضافة إلى وجود الدراسة المناسبة فنحن كإدارة للميناء نرى إذا كان لا بد من انشاء هناجر فلا بد ان نرصد المشروع ضمن المشاريع الاستثمارية للعام القادم لتنفيذه. ولكن هناك طريقة أخرى، وهي أن يأخذ القطاع الخاص زمام المبادرة، مثلاً نوفر نحن المساحة وهو يبنى الهنجر ويدير الموقع أو يكون عبر المحافظة يفرضها كبرنامج رئيسي ويدعمنا للحصول على المخصص من قبل المالية». وأضاف: «حصلت اشكاليات كثيرة وشد وجذب لمنع دخول المواشي خاصة الابقار وتدخلت قيادة المحافظة وتم السماح بإنزال الأبقار الى المحجر. لهذا نحن نقول لا بد من كسر الاحتكار . ونحن ليس لدينا أي اعتراض على ذلك كفكرة، ولكن نعود ونقول لا بد من إعداد دراسة تتبلور علمياً واقتصادياً وتُعكس كمشروع وتدرس من قبل مجلس الإدارة، وإذا أقرها نبحث عن مصادر التمويل لها .

في ختام هذا التحقيق الذي أخذ منا الوقت الطويل، لنا همسة في آذان بعض السكرتيرات وحراس بوابات المديرين العامين: لا تشوهوا صور إداراتكم بإصدار التعليمات دون الرجوع لمدرائكم، وكونوا واجهة يعتمد عليها، إذ لم تصنع الأبواب لتغلق في وجوه الزائرين لدوائركم .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى