وداعاً محمد ناصر جابر

> علي هيثم الغريب:

>
محمد ناصر جابر
محمد ناصر جابر
من خصائص الحياة الاجتماعية الحالية النظرة التاريخية إلى الأحداث الماضية والمسائل المطروحة على بساط الواقع اليوم. ويشتكي البعض أحياناً من فرط انتقاد تجربة العقود الماضية منذ 13 يناير 1966م وحتى 13 يناير 1986م.. وهي المرحلة التي عاصرها فقيدنا محمد ناصر جابر، الذي عاش مشرداً حتى وافته المنية في مكة ودفن فيها.. غير أن ذلك الانتقاد ليس سلبياً فقط، بل إنه يقدر في أحوال كثيرة من الأسف ولم يحظ بالتقييم، ويعيد النظرة الموضوعية إلى كثير من الأسماء والأعمال أمثال محمد علي الجفري، والحبشي والمكاوي وغيرهم التي نُسيت أو نُبذت بغير وجه حق. وكان من المناسب جداً تذكير الناس بالعبر الأخلاقية الدقيقة لذلك الصنف المميز من المناضلين الشرفاء، الذين جسدوا فكرة التضحية بالنفس من أجل الحرية، ومن أجل تلك الأفكار العظيمة التي آمنوا بها من يوم دخولهم متراس السياسة وحتى يوم وفاتهم.. إن المدى الروحي هو ما ميز رجال مرحلة الثورة في شتى أشكاله وكما قال الأخ الشاعر أحمد محمد حسين (شوقي)، في مرثاته في الفقيد رفيق دربه محمد ناصر جابر:

عودتنا من معاني الصدق ملحمة ** ومن شموخ الوفاء ما صد أعادينا

كنا نناديك إذا ما صابنا خطر ** وكنت والله أعظم من يلبينا

وتظهر في لوحة هذه المرثية (معادلة مناضلي عدن) صورة العالم المتغير الذي اتخذ في تلك المراحل هيكلاً جديداً، ومبادئ جديدة كانت خصماً للانسجام.. ولكن كان الرجال أكثر وفاءً لبعضهم البعض وللأفكار التي يحملونها.. وكانت من دوافعهم الإحساس الحي بطرق النضال الخاصة بذلك الزمن.. كانت لإحساس أولئك المناضلين ألوان وانعطافات عديدة تتدفق بإحساس جمال الحرية والعزة والنشامة.. وبلغ الجفري والحبشي والمكاوي وفيصل وقحطان الشعبي وسالمين ومطيع وجابر وغيرهم ذروة التعبير عن الفكر وحياة النفس العميقة في بناء الوطن.

وأخذت تنشأ في نفس الوقت منظومة وافية لصراعات الماضي في سيرة حياة الناس الذين يبحثون ليجدون صيغاً فكرية تتماشى ومفاهيم الحاضر. إن كل تلك الصراعات المتنوعة والحزينة التي ظهرت بعد ثورة أكتوبر هي أساس لكثير من حلول الحاضر.. أرغمنا عليها واقع حال العالم في تلك المرحلة.. ومن الطبيعي أن اتجاهات أخرى من ماضينا وفي حاضرنا أتت بثمار قيمة، لاسيما في فهم الحياة الواقعية. وأدق طريقة لتجسيد الحياة نراها في أعمال التسامح والتصالح المتسمة بروح التجديد التي تتميز بها محافظات الجنوب اليوم أكثر من أي مدينة أو قطر عربي.

والفقيد جابر كان يجسد تلك اللوحة مثقفاً من موقع التلميذ، ولم يكن متعصباً لمنطقة أو قبيلة، ولا منغلقاً داخل رأي واحد، إنما كان منفتحاً أمام الآراء الأخرى، حريصاً في نفس الوقت على هويته وشخصيته وقناعاته بالحياة. تلقى جابر تعليمه في أول الأمر على يدي والده الشيخ ناصر الميسري. وعندما رحل إلى عاصمة الجنوب عدن استكمل علمه ومعرفته على يد أبنائها الأفاضل. وكان للفقيد جابر أصحاب يجلسون حوله حيث ألهمته موهبته القيادية حب الصدق والإخلاص. يذكر لنا (شوقي) هذه الألفة في مرثاته آنفة الذكر:

إن الرفاق الذي كنت لهم وطناً ** تعصف بهم نائبات الدهر ناعينا

ينعون من كنت مفخرة لهم ذهبت ** ويبقى الذكر من أفعالكم فينا

وداعاً يا محمد! إنا لله وإنا إليه راجعون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى