الوحدة اليمنية بعد 16 عاماً بين الواقع والطموح

> «الايام» م.محسن علي عمر باصرة:

> منذ فجر التاريخ واليمن في ركب الحضارة الانسانية حامل لمشعلها رائد لقافلتها نحو دروب النور والهدى، فقد أسهم اليمانيون في بناء العالم القديم وإقامة حضارته وهو ما يمنح اليمن بعداً حضاريا لضرب جذوره في أعماق التاريخ. ولما أشرقت شمس رسالة الإسلام كان اليمانيون في مقدمة المسارعين في الاستجابة لدعوته وتلبية ندائه عن طواعية واقتناع وغدوا في ظل الإسلام قوة موحدة تسهم في إطار أمة الخير في نشر رسالة الإسلام والدفاع عنها، وأصبحت اليمن مركز إشعاع فكري وفقهي لم يزل أثره منتشراً حتى اليوم في أرجاء المعمورة.

حتى في عصر الانحطاط الذي حل بالعالم الإسلامي ظهر في اليمن علماء أفذاذ ومصلحون أوطاد حملوا على عواتقهم الدعوة للصلاح والإصلاح والتجديد وتنقية الفكر من الشوائب، خاصة التخلف والعصبية والجمود، ففي الثلاثينات تبلور الخط التجديدي على يد قلة من الرواد الذين بذلوا جهوداً لإصلاح الاوضاع التي كانت تعيشها اليمن، تارة بالنصيحة المسددة أو بالكلمة الطيبة والمقالة في الصحيفة أو خطبة الجمعة عبر المنبر المسجدي، نثراً وشعراً، أو بالثورة المسلحة والقوة تارة أخرى، فكانت ثورة 1948م ثم حركة 1955م وانتفاضة 1959م وفدائية 1961م ثم أتى نصر الله تعالى ليلة 26 سبتمبر 1962م وهيأت أسباب ثورة 14 أكتوبر 1963م وبزغ فجر الاستقلال في عام 1967م، وعقب انتصار الثورتين سبتمبر وأكتوبر برزت مهام جديدة تتركز في الحفاظ على سلامة المسار الثوري من أن تنحرف به موروثات الملكية المستبدة في الشمال أو مخلفات الاستعمار في الجنوب، وكان لا بد من الانتقال الى مرحلة بناء الدولة ولكن ظلت قيادتا الشطرين تتجاذبها أفكار الشرق والغرب حتى عادوا إلى جادة الصواب من خلال العودة الى بناء الدولة، وكان الشرط اللازم والمقدمة الصحيحة لذلك هو إعادة تحقيق وحدة اليمن المشطر وتحققت وحدة الدولة اليمنية في 22 مايو 1990م، وإذا كانت الوحدة هذه تحققت بالحوار بين الشريكين الأساسيين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني وكذا التفاعل الجماهيري ومثلت بعداً حضارياً عظيماً أكسب النهج الشوروي الديمقراطي عمقاً وجعله الخيار والسبيل الوحيد الأمثل لحماية الوحدة وبناء المستقبل، وبعد أن تحققت الوحدة أصبحت اليوم وسيلة بعد أن كانت غاية ووجدت غايات جديدة أمامها وأولويات أبرزها:

- الحفاظ على الوحدة نفسها وإنهاء كل آثار التشطير.

- ترسيخ أسس الدولة الحديثة وتنمية التجربة السياسية القائمة على التعددية الحزبية والنهج الديمقراطي، تحقيق التنمية الشاملة والعادلة بين جميع أرجاء الوطن والمواطنين.

واليوم ونحن نحتفل بذكراها الـ 16 من عمرها المديد مازلنا وسنظل نعد الوحدة فريضة شرعية كفريضة الصلاة والصيام والحج وضرورة بشرية للحياة الاجتماعية دعا إليها الاسلام وأكد عليها القرآن الكريم وترجمتها سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم{إنّ هذه أُمّتكم أُمّةً واحدةَ وأنا ربُّكم فاعبدونِ}.

ولقد جاء الإسلام ليوحد المشاعر والعواطف، فلا مجال في الإسلام الحق لمشاعر الحقد والتمييز بين الطبقات ولا لمشاعر العصبية المناطقية أو القبلية أو السلالية. ولقد ضم مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة المنورة تحت سقف واحد أجناساً وألواناً لم يحسوا إلا بشعور الأخوة والمحبة الجامعة، فهذا الفارسي سلمان والرومي صهيب والحبشي بلال والغني عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف والفقير كأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر ومنهم البدوي والحضري والمتعلم والأمي والأبيض والأسود وصاحب النسب ومن دونه، كلهم إخوة في ظل راية العدل والمساواة والحرية. واليوم مطلوب منا ونحن نحتفل بذكرى الوحدة في زمن الشتات والفرقة أن نعمق مشاعر المحبة ضد الكره، والإخوة ضد التمييز، والعدل ضد الظلم والاستبداد والدكتاتورية، أن نسعى لنبذ الأحقاد والضغائن وأن نتحرر منها، التي للأسف الشديد بدأت تتسرب الى نفوسنا وحياتنا وتحل محل الأخوة والوحدة الإسلامية، فالوحدة مظلومة بسبب تعليق كل أخطاء البشر عليها حكاماً وصغاراً وكباراً متنفذين وغير متنفذين، فالوحدة عزة ومنعة، نريد أن نعمقها في النفوس قبل الأرض وننبذ كل من يشوهها وكله بعد أن نعمق القيم، قيم الحرية التي ترفع عن الإنسان كل القهر والإذلال وأن نشيع فيه العدل من خلال إعطاء كل ذي حق حقه أكان فرداً أو جماعة أو تنظيماً سياسياً بلا طغيان ولا بخس، نحن بحاجة إلى العدل في الحكم وهو الذي يحمي الوحدة من التمزق، وفي مقدمة العدل تعزيز مقومات العدل الاجتماعي.

وأن نعمق وننشر فيه المساواة بين كل فئات المجتمع فليس هناك فئة أعلى من فئة أو قبيلة أعلى من قبيلة، فالحاكم أخو المحكومين والراعي أخ لرعيته. أما الثروات التي سخرها الله تعالى فينبغي أن تتوزع دون تمييز وبمعايير يرضى عنها الجميع صاحب الأرض التي بها الثروة وغيره ويحس الجميع أنهم متساوون في المواطنة لا مطلع ولا منزل، فيسود روح الإخاء والتكافل، ولكي نحافظ على وحدتنا اليمنية من معاول الهدم الداخلية أو اللافتات الخارجية، فلا بد من حمايتها من الظلم والفساد والعبث بالثروات، الفساد المالي والإداري والظلم، ظلم الجهل وظلم النفس البشرية والضمير وخراب الحياة والاخلاق والسلوك، وأن ننهي المحسوبية والرشوة والمحاباة وشراء الذمم وإساءة استخدام المال العام وأن نحافظ على الوحدة اليمنية من الاستبداد وأننا لم ولن نقبل أن تكون الحرية والتعددية ديكوراً للحاكم، لذا فإننا في أحزاب المشترك قد وضعنا في مشروعنا السياسي والوطني أنه لا بد من تعزيز الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية من خلال:

إزالة الآثار السلبية للصراعات والحروب والنزاعات السابقة ونتائجها بما في ذلك آثار 1978م وحرب صيف 1994م وإيقاف كل الممارسات الضارة بالوحدة اليمنية وتحقيق مصالحة وطنية تعززها، إصلاح كل الاختلالات السياسية والاقتصادية والثقافية باعتبار ذلك ضرورة لبناء الدولة اليمنية الحديثة، تحريم إشاعة وممارسة الكراهية والدعوة إليها ومناهضة التمييز والتفرقة بين المواطنين على أساس مذهبي أو سلالي أو مناطقي أو حزبي، تحريم الدعوة الى العنف والتحريض عليه وإشاعة ثقافة الحوار والتصالح والتسامح والتضافر.

ولتكون احتفالاتنا بهذه المناسبة في كل عام ونحن نسعى لتعزيز البناء المؤسسي للدولة اليمنية الديمقراطية الحديثة، دولة النظام والقانون والعدل والتكافل الاجتماعي، ولنجعل من احتفالاتنا كل عام من خلال ماذا حققنا من التنمية الشاملة والمستديمة، وهل هناك شراكة حقيقية بين الوطن والمواطن في الداخل والخارج وبين اليمن والعالم؟ ولتكون احتفالاتنا كل عام بالوحدة اليمنية المباركة وماذا حققت اليمن من أمن واستقرار وسلام في المنطقة والعالم وبما يعزز العلاقة على المنافع والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

إننا نتمنى أن تظل - وستظل - الوحدة منجزاً تاريخياً عظيماً عانق حلم الأجيال اليمنية ويجسد طموحها الوطني والاجتماعي وتطلعها لمستقبل آمن ومستقر.. إننا منتظرون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى