الاكتفاء قبل التصدير

> «الأيام» صالح علي السباعي:

> منذ زمن بعيد للتصدير أسس وضوابط وحسابات، بحيث لا يؤثر التصدير لأي مادة مهمة على حياة الناس، ومعظم الدول التي تقوم بالتصدير هي في الواقع دول منتجة، تشبعت أسواقها بالمواد الغذائية وغيرها وشبع السكان حيث الأسعار شبه مستقرة، وفوق هذا يتم تخزين نسبة من هذه المواد تحسباً لتقلبات الزمن، بعد ذلك يتم التفكير في مرحلة التصدير، لأن هدف أي حكومة في العالم هو إشباع السكان أولاً، وهذا ما كان يجب أن يحدث في بلادنا ذات الموارد المتعددة، إلا أن ما يحدث في أسواقنا هو العكس، ندرة وغلاء فاحش يزداد كل يوم، والسبب أننا نقوم بتصدير ما لدينا من مواد دون أن نوفر استقرار أسواقنا المحلية، لأن التركيز لدينا على كلمة دولة مصدرة، وصدرنا كذا وكذا. نكتب تقارير دون أن نذكر فيها ملايين المواطنين الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن شراء أبسط المواد الضرورية مثل الخضار والفواكه والعسل الجيد، حيث تعتبر الأسعار مرتفعة بل أكثر ارتفاعاً من معظم دول المنطقة، علماً بأن هذه المواد التي تصدر إلى الخارج تباع بأسعار منخفضة في الخارج لأن المنافسة هناك قوية، ومع ذلك الكل يريد أن يصبح من المصدرين إلى الخارج، ومنذ أربعين عاماً والناس يسمعون عن إنجازات وزارات الزراعة والثروة السمكية، ولكن الواقع غير ذلك، حيث تقلصت الرقعة الزراعية وها هي تغزوها الغابات الإسمنتية والتصحر وتحتضر النخيل جماعياً، أما الأسماك فواقع الحال يتحدث عن نفسه، وهاهي أسعار السمك تتساوى مع أسعار اللحوم، رغم أن الأسماك المباعة في أسواقنا من النوع العادي، أما الأسماك الجيدة مثل الشروخ والقشريات الأخرى تذهب إلى الخارج وكأنها محرمة على المواطن وحلال لغيره. كل هذا الغلاء ونحن دولة شواطئها على محيط يفترض أن تكون الأسماك أرخص من أي مادة غذائية، ولكن مشكلتنا أننا نريد أن نصدر ونحصل على الدولار، وها نحن نقوم بتصدير ما نحن بحاجة له من الغذاء، وهذا ما فعلناه ولا زلنا نفعله وعقدنا الاتفاقيات المختلفة ومنحنا التصاريح لتأتي شركات الأسماك من الخارج إلى بحارنا لشفط المراعي والأسماك والتراب من قاع البحر، وهذه المشكلة سيكون تأثيرها واضحا مستقبلاً وقد نبحث عن الأسماك ولا نجدها كما حصل في دول عديدة وبوادر هذه المشكلة بدأت تظهر من الآن ومن السذاجة الاعتقاد أن لدينا آلية لمراقبة أعمال الشركات السمكية، وكما يبدو أن المستفيدين من هذه الحالة كثيرون وعلى حساب السواد الأعظم، وإذا لم تكن هناك رقابة وتوفير احتياجات السوق المحلي أولاً وبقي الحبل على الغارب، فإن أحوالنا لن تتحسن وسنبقى كالذي يطلق النار على قدمه ثم يتألم، علماً بأن أكثر الذين يتعاملون مع التصدير تبقى دولاراتهم في الخارج ولا يستقطعون منها سوى نسبة من سهل مهمتهم، وما يحدث من استنزاف للثروة السمكية ماذا كان العائد منه على البلد سوى حرمان المواطن من الأسماك، أما النخبة فهم لا يشعرون بهذا الحرمان لأنهم اعتادوا تناول اللحوم وكثرة اللحوم ربما سببت لبعضهم الإعاقة، وهناك من يعاني من إعاقة النظر لأنه لا يرى ما يحدث في الأسواق، والبعض يعاني من إعاقة السمع لأنه لا يسمع أصوات المعدمين، وآخر يعاني من إعاقة الحركة لأنه لا يتحرك ولا يفعل شيئاً لتحسين الواقع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى