حسين زيد بن يحيى: كيف تتجاوب عدالة القضاء مع حكمة الصحافيين وتفكيرهم

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
نلاحظ بعض الملاحقات الأمنية وتكييف القضايا من قبل النيابة العامة وكذلك بعض الأحكام القضائية الصادرة بحق بعض الصحفيين تكشف عن تراجع خطير عن المبادئ الديمقراطية التي اعتمدتها وحدة 22مايو دفاعاً عن حرية الرأي والتعبير. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر بما انتهت إليه نيابة أبين الجنائية من تحقيق وتكييف غير قانوني لمقال نشره الأستاذ حسين زيد بن يحيى.. وتحويل المتهم الكاتب إلى القضاء في قضية قذف أضر بالحقوق المالية لبعض الأفراد. مع أنه كان من الممكن وفق القانون الرد على ذلك بتصحيح ما نشر بشأنه في الصحيفة وأن يطلب الشخص المعني من المسؤولين في الصحيفة نشر التصحيح خلال مدة معينة حددها القانون (المادة 63 من قانون الصحافة والمطبوعات). وقد أرست الشريعة الإسلامية ومعظم القوانين الوضعية مبدأ حق النقد.

والحكمة في ذلك تتجلى في كشف الأعمال التي تضر بالمصلحة العامة ورصد الفساد والانحرافات التي يقوم بها بعض الموظفين، وذلك لمحاسبتهم قانوناً ولضمان سلامة تماسك المجتمع وبنائه بناءً سليماً. وفي هذه الحالة ينصرف النقد (الذي تعتبره وجوه الدولة بأنه قذف) إلى تصرفات بعض المشتغلين بأجهزة الدولة والتي تضر بالمصلحة العامة. والواقع أن نقد الأعمال أو الكسب غير المشروع إنما يتوجه لذات الأشخاص أصحاب هذه التصرفات.

وإذا كان قانون العقوبات رقم (12) لسنة 1994م قد أوضح في مادته رقم (293، ثالثاً) عدم قبول دعوى السب «إذا كان القصد منه إبداء الرأي في مسلك موظف عام بشأن واقعة تتعلق بعمله الوظيفي وبالقدر الذي يفيد في كشف انحرافه». وهذا الطعن في أعمال الموظف العام نص على شرعيته القانون واعتبره صورة من صور النقد.. لأنه لا مصلحة للكاتب سوى حماية المصلحة العامة. وعملية نقد تصرفات الموظف العام المخلة بالمصلحة العامة وبالبناء الاجتماعي تصب في مصلحة الناس. من هنا نفهم مقال الأستاذ حسين زيد بن يحيى ، الذي استعمل فيه حق النقد في مواجهة موظف عمومي. وإذا كان قانون الجرائم والعقوبات اليمني قد نص صراحة على ممارسة حق النقد في مواجهة موظف عام (المادة 293)، فلا يحق لأي جهة تحويل النقد إلى جريمة قذف لأن حصول ذلك يصطدم بالقانون الذي يقر النقد ثم يعاقب عليه. وهذه العملية التي غالباً ما تستخدم في البلدان المهتزة تجرد حق النقد من كل قيمه الدفيعة.

وقد أكد فقهاء القانون وعلماء الشريعة الإسلامية في أكثر من تفسير «أنه يجوز توجيه النقد لأعمال أو تصرفات أو آراء الشخص العام - سواءً كان موظفاً عاماً ومن في حكمه أم لا - التي تتعلق بالمصلحة العامة، ولو تضمن هذا النقد ما يمكن أن يعتبر قذفاً أو سباً أو إهانة) وشريطة أن يكون الموضوع الذي يوجه إليه النقد موضوعاً متعلقاً بالمصلحة العامة ويهم جمهور المواطنين. وأنه يجب عند مناقشة أمر من أمور المصلحة العامة أن يدلى كل صاحب رأى برأيه حتى يتبين الغث من السمين وتتبين الحقيقة واضحة. فإذا ياشتد النقد وخرج اللفظ في هذه الحالة إلى النقد المُر وجب أن يُغتفر ذلك لصاحب الرأي ما دام وجهته المصلحة العامة.

والأستاذ حسين زيد بن يحيى ومن خلال مقالته المعنونة «مدير وقوة وعشور سلطاني» كان يستهدف تزويد القراء بالأنباء التي تهم المصلحة العامة وحملهم وشجعهم عبر هذا الطريق المشروع على تبادل الرأي فيما يهم مصالح الناس كافة، وهذا الأسلوب الصادق أعطاه حقاً في أن ينتقد المصلحة الفردية في سبيل المصلحة العامة. وقد تقدم المحامون بعدد من الدفوع في هذه القضية المنظورة من قبل محكمة زنجبار الابتدائية. وفي مقدمتها بطلان قرار النيابة العامة الخاص بإقامة الدعوى الجنائية ضد الكاتب حسين زيد بن يحيى نيابة عن المدعى بالحق المدني (الموظف العام). وإذا كان هناك أي وجه للدعوى والتحقيق ضمن اختصاص النيابة العامة رفع الدعوى الجنائية في الجرائم المنشورة في الصحف وتباشر التحقيق في هذه المعلومات المنشورة حسب القانون، كما أن مواد الاتهام في هذه الدعوى ضد الكاتب الصحفي حسين زيد بن يحيى تستند على أحكام قانون الجرائم والعقوبات الصادر عام 1994م والتي تضع قيوداً صارمة على حرية النقد والنشر.

وهذا الاتهام سيترتب عليه آثار سلبية خطيرة على حرية الرأي والتعبير والانتقاد لحماية المصلحة العامة. ونأسف لتمسك الحكومة بالنصوص العقابية للصحفيين علاوة على ما أضيف إليها من عقوبات بعد تكييف النقد بنصوص غير قانونية إلى قذف وسب. فإن أعمال هذه الاتهامانت الباطلة تهدد المصلحة العامة وتحمي الفساد من النقد البناء وتهدد بسجن الصحفيين الذين ينظرون بقلق بالغ إلى ما تسفر عنه مداولات المحاكم بشأن قضايا النشر والنقد.

ومازال الكتاب والصحفيون يطالبون السلطات إعادة النظر في القيود القانونية كافة على حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير وتشجيع النقد الذي يصب باتجاه حماية المصلحة العامة، واعتبار حسن النية واعتقاد الناقد- الذي يتحول بنظر السلطات إلى قاذف- بمشروعية عمله سبباً كافياً للإباحة ونقل عبء الإثبات على الخبر المطعون فيه بالكذب إلى النيابة العامة أو من يدعي بكذب المقال أو الخبر المنشور بواسطة الصحافة، ووضع حدود دقيقة للتفرقة بيت التعرض للحياة الخاصة للمواطنين من جانب والشخصيات العامة والموظفين العموميين من جانب آخر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى