شاعران وشاعرة على طريق الإبداع

> «الأيام» عمر عوض خريص:

> وأما الشاعرة فهي (أميرة الوادي) شاعرة أكاديمية تعيد لنا في لقبها أمجاد نابغات العرب مثل (باحثة البادية) ملك حنفي ناصف و(بنت الشاطئ) الدكتورة عائشة عبدالرحمن، أما شاعرتنا فتمتد جذورها إلى سيئون وهي مسقط رأسها، وأما مدينة عدن فمكان إقامتها وميدان عملها، وهي تلميذة نجيبة للدكتورين: الخليفة والجبر، وربما يعد أحدهما كتابة مقدمة ديوانها البكر، وما بين يدي من قصائدها يخبر عن شاعرة متمكنة وموهبة قادرة على الإبداع الجيد والعالي، وهي لا تفتأ تشارك أخاها الرجل همومه القومية الكبرى وقضاياه وتنافح مثلما ينافح عنها بكل اقتدار وجدارة، فكانت في مقدمة قصائدها (حرب العراق) التي صاغتها (سنة الغزو الأثيم للعراق) كما حددت هي، وفيها تصف وضاعة الحرب وهمجية الغازي، تقول فيها:

الليل صمت والقلوب دعاء

والدرب قفر والبيوت ضياء

ومض الردى وهوى فأحرق وابتلى

هطلت دما وتناثرت أشلاء

وأصم أذن الكون وقع دويه

وعلا، فما سمعت به الاصداء

وترددت عبرات طفل حائر

وثوى الأسى وتساقط الشهداء

وهي بعد هذا وما ساقته من مشاهد يدمى لها القلب الحجر لا تستسلم ليأسها ودواعى إحباطها، بل هي مؤمنة بقوة وعزيمة أمتها وصلابة شعبها العربي الشقيق في العراق فتصفها:

لا، لم يمت شعب العراق وفيهم

عزم وإقدام، هدى وفداء

في قلب أصغرهم تضيء لآلئ

شرر تفيض إذا ألمّ قضاء

وقلوب أكبرهم براكين إذا

حمماً قذفن فلا تحد سماء

لله درها من شاعرة، أنى يأتي الرجال بمثل هذا، صلابة في الموقف ودفاعاً عن العرين، ونصراً ومؤازرة، وهي أيضاً لا تفوت أن تعلن إدانتها للمعتدين (الدنمارك) على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، فأوجعها ما فعلوا وأثار غضبتها، فقالت فيها:

أتاك باغ من الدنمارك مبتدراً

وباسم حرية التعبير مفتخراً

مستهزئاً برسول الله معتقداً

أن اختلاف الليالي يفسد القمرا

وأن رسماً يهز اليوم صورته

هيهات يجحد نور الشمس من نظرا

فشايعته رؤوس الكفر بائسة

بئس النصير وبئس العلج من نصرا

ولم تكن تشغلها هذه القضايا الكبرى فقط، بل تشغلها ايضاً قضايا مجتمعها وبهذه القضايا تلونت تجربتها الشعرية فغدت أكثر اتساعاً واتساقاً، وهي الأنثى التي تناغمت حروفها مع نضج رؤاها واكتمال تجربتها وصدق طرحها، وصارت هذه من أبرز سمات وخصائص شعرها، ترجمان ذلك في قصيدتها (عدوة نفسها) تصف إحدى بنات جنسها، وصف الخبير العارف، فتقول:

عدوة نفسها بلغت مداها

وفاقت نفسها صلفاً وتيها

تغامر كالشباب وقد تغالى

ترسم في الشذوذ خطا أخيها

تثرثر بالفراغ ولا تبالي

إذا ما جادلت رجلاً سفيها

تفاخر بالعطور وبالهدايا

وبالحلل التي لا ترتديها

وهي كذلك في قصيدتها (حبيبتي) وتعني بها صديقتها التي تحمل لها آيات الحب:

هواها أول في كل شيء

فلم يدع المجال لحب ثاني

وكيف أحب والاشواق حكر

عليها والعواطف والأماني

ثم يتجلى هذا الخط الشعري الجميل أكثر وأكثر في قصيدتيها (لبنى) و(فرهاد) تقول في الأولى:

ناعس مثل تهاويد الكرى

ذلك الطرف الكسير المتعب

ذرت القهوة في سودائه

وأحيطت بسود تلهب

ترتوي الأبصار من تحديقها

فيه والطرف الروي لا يتعب

ذلك طرف (لبنى) ترسمه لنا الشاعرة في لوحة جديدة، صورة لم نطالعها من قبل نصفق لها إعجاباً وتحية، وفي (فرهاد) نرى مشاعرها تنساب في أروع ما تكون على خطى (يا ليل الصب متى غده) وهي تنثال صدقا وحبا:

فرهاد الصدق ومعدنه

وصدى بالحب ألحنه

وربيع حلق بي فرحاً

بخيوط الطيف أزينه

فرهاد براءة عاشقة

تخفي الإحساس وتعلنه

وفي قصيدتها (رحلوا) تعاني مرارة رحيل الأحبة ومن ثم نسيانهم وتنكرهم وقد خلفوا وراءهم قلوباً معلقة بهم فما حفلوا بها:

حسموا بنبذ الحب أمرهم

ومضوا وأمر الحب ما حسما

بقيت مرارتنا تؤرقنا

من ذا بلادنا بالعذاب وما

ماذا فعلنا كي يجور بنا

قدر الغرام بقسمة الغرما

ومهما تنكر لها الاحبة إلا أن إيمانها بالحب يظل قائماً يفيض به قلبها ويغمر حياتها، فإن لم يكن واقعاً معاشاً فهو حلم وأمل تنشده، ففي قصيدتها (لعبة الحب) تقول:

وصرت أهفو إلى الأحلام أرغمني

على المنام ليلقاني محياه

كمن يراقب سطح البحر مضطرباً

بفعل غصن على التيار ألقاه

فأرجع الموج غصن الحب في أنف

رباه حتى اتساع البحر يأباه

يا لعبة الحب حسبي منك مكرمة

فقد أعدت إلى قلبي خلاياه

هذه الشاعرة (أميرة الوادي) في لمحة خاطفة عن شعرها، كما ألمحنا لزميليها، وعـسى أن تسـعفنا الايـام الـقـادمة فـي قـراءة المـزيد مـن شـعـرهم والكتابة عنهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى