غنائيات الشاعر الكبير عبدالله عبدالكريم يا سلام عليك يا حب

> أديب قاسم:

> زمن العجايب يا زمن ياللي أنت أغرب من خيال كلمة وفاء في دنيتك اليوم ولا تخطر ببال الدنيا فيك اتغيرت زي غابة مليان وحوش حتى القلوب اتلونت والناس خلاص ما يرحموش لا في محبة أو حنان ولا كلمة توحي بالأمان

أصبحنا نتمنى نعيش الود زي أيام زمان

في زمن تموت فيه الكلمة.. أو قل (تموت الكلمات في فم الأغنيات).. يظهر علينا الديوان الغنائي الجميل الذي انتظر طويلاً في الصف.. ديوان «يا سلام عليك يا حب» لشاعر الحب المعجون بتعب السنين، والحرف الممهور بريشة القلب، والكلمة الشفافة الرقيقة العذبة التي تمضي مباشرة إلى القلب.. ما إن تمس أوتار المزهر حتى ينبعث اللحن وحياً من الكلمات بنبض حروفها وخفق روحها وأنات جروحها، دون عناء ولا تعمّل أو تكلف، كأنما يتسقط صانع اللحن وحياً يتنزل بين أنامله، وينتشر في نبضات عروقه، ويسري في جنبات جسده مسرى الأحاسيس الرهيفة التي يذهب بها إلى القمر، فتنثال شعاعاً على القلب، ويسافر بها وراء الغيمات فتهمي بدمع الحبيب

وآه يا وجع الكلمات!..

آه.. يا تعب السنين !

آه يا زمن!

حتى الشفايف أصبحت تتمنى صدق الابتسام

كم يرتسم فيها العذاب وتقول عليها يا سلام

ويا ناس يا عالم يا بشر ياللي أنتوا كنتوا طيبين

فين القلوب الصادقة فين المحبة والحنين

أنا قلت موالي خلاص وانتوا متى باتفهموا

على شان تحبوا بعضكم وبدال ما تقسوا.. ترحموا

وتعيشوا باقي عمركم في ود يجمع شملكم

من غير ألم والاّ أنين أو شي يفرق بينكم

كان «عبدالله» يؤمن بضرورة انتشار المحبة بين الناس ولكنه شاهد تبخر هذا الحلم الجميل أمام تناقضات المجتمع الذي نعيش فيه!.. في زمن جفت فيه الدموع وقد تحجر فيه القلب.. ولم يعد للكلمة الشاعرة من وزن.. وإنّ من كثرة الضحك ما يميت القلب.. تضحك مما وممن؟ من أزاهير تغنى بها الشعر.. فاندثرت ولم يعد لها من كيان في الحدائق؟.. أم من عيون البشر في ليل تهاوت أنجمه.. فلم تعد الناس تنظر إلى السماء.. وهي تسير مكبة وجوهها على لقمة العيش؟! (وليس بالخبز وحده يحيا الانسان)! .. أم من موجة بحر لم تعد تقوى على حمل حبيبين في زورق يختال على النهر (أو البحر) من صنع أحلام الشباب؟.. أم من قمر لم يعد يضحك فينير دروب الحب.. ذلك القرص الميت الذي يسبح في قلب الليل، ولم يعد يبث أسراره، فينثر شعره الفضي فوق الأشجار ويفترش العشب.. بعد أن تصحرت القلوب!!؟

وإيش عاد بعد دا يا ليل.. يا مالي دنيتي أحزان

تجي تسألني عن حالي.. وأنت داري باللي كان

خلاص يا ليل أنا غلطان

وذنبي إننا هيمان

أصور حالي بالألحان

وأنا يا ناس.. أنا إنسان

هذا الإنسان.. لعله آخر الرومانسيين، وأنا أقتبس هذه التعزية من غلاف شريط كاسيت للمغني البريطاني وربما الاسترالي «انجلبرت همبردينك»:سLast of the Romantics بموسيقاه الساحرة.. بل وبكلمات الأغنية التي تتفطر بالطرب (والطرب يعني الحزن مثلما يعني الفرح).. وكان عبدالله عبدالكريم صاحب هذه الروح الرومانسية في الزمن اليمني.

زمن غير قلوب الناس..

زمن امتد من «الرفاق» حتى «الخُبرة» وقد حمل على «الرومانسية» حملة عمياء شاملة هي وكل اتجاه روحي أو مثالي. مرة قيل إنها تمثيل لبقايا الروح البرجوازية ومرة أخرى قيل إنها تعطيل عقارب الزمن فيما هي تخدر العواطف!.. ثم قيل إنها ليست من الدين في شيء! إذ هي من اللهو تميت القلب!.. حتى ظهر في الوسط «التقدمي»- الاشتراكي من يمارس نقد الصحة.. ويعيد الرونق للزمن الأغبر.. حيث هتف (محمود أمين العالم) ذو النزعة الإنسانية: «إن كل قصيدة حب حقيقي، هي قصيدة تقدمية، إن كل عمل فني يملأ قلب الإنسان بالحرارة والبهجة هو عمل تقدمي» وعلى أثره أزيل التناقض بين الرومانسية والواقعية ليهتف الجميع: إن الأغنية وكل إبداع هو عمل إنساني يضيف إلى وجدان الناس مذاقاً جديداً للحياة.

ذلك.. حتى وإن كان عبدالله عبدالكريم+ أحمد بن أحمد قاسم (ثنائي النغم والموقف) قد وقفا يتحديان الزمن:

إيش من جديد؟

إيش من جديد يا زمن قوللي إذاً في شي جديد أصل الحقيقة يا زمن.. لحظة أمل فيك ما تفيد

من ذا الذي عاش في دنيتك.. طول عمره متهني سعيد

ما فيش سوى كثر الدموع.. أو قلب متألم وحيد

إيش من جديد؟

دمعة هنا ونهده هنا.. وهناك تشوف قلب انظلم

بالصبر عشنا يا زمن.. نطوي أمانينا ندم

نمشي معك على خطوتك.. فوق درب مفروش بالألم

نشكي جراح نبكي اللي راح.. ونردد الأنّه نغم

وانت تزيد في قسوتك.. تزرع لنا أشواك وهم

إيش من جديد؟

قاسي علينا يا زمن.. ذُبنا معك حيرة وأنين

عشنا في حضنك تائهين.. عشنا حيارى عاشقين

أنت تمد كأس العدم.. نحنا نذوق مر السنين

اللي يقول لا سامحك.. واللي يقول الله يعين

إيش من جديد؟

وإنك إن تسأل: ترى أين ذهب الحزن؟.. يجيبك (عبدالله عبدالكريم): موجود عندي!.. ثم، أما من فرح أو (استراحة) يسلو بها القلب؟.. بلى، يفرح أهل الفن... وإن كان الحزن مقيما لا يبرح.. والجرح حقيقي مثلما أن النفق حقيقي وعميق!.. يمرحون قليلاً تحت الشمس .. أو تحت ضوء القمر:

أنا وحبيبي يا ليل

أنا وحبيبي يا ليل.. والحب وفرحتنا

زي النجوم لليل والنور لدنيتنا

ما شيين كذا ما شيين

على حب طريقه يطول

خلينا بس يا ليل نمشي كذا على طول

على طول كذا على طول

والفرحة فينا تقول

يا سلام على الدنيا والنسمة حوالينا

والجو صافي جميل نحييه ويحيينا

حتى القمر يا ناس نوّر ليالينا

نحنا نغني له أحلى أغانينا

نسهر معك يا ليل نردد الأنغام

على شان تطول يا ليل

وتروق لنا الأحلام

ونغني للدنيا.. للفرحة والجنة

وقلوبنا فرحانه.. بلقانا تتهنى

دنيا وحلاوتها

عشنا لفرحتها

من بعد شوق وحنين

عشنا لدنيتنا .. عشنا لها حبيبين

عاش عبدالله عبدالكريم زمن الفن الجميل.. والطرب الأصيل، كانت الستينات والفن في أوج ازدهاره منذ أن شرعت الأغنية تبحث لنفسها عن دور تؤديه في غمار تلك الحركة الشاملة للرومانسية.. وما كان ليتوقف عند ملامحها الأولى، فقد جعل الشاعر من شعره، إلى ذلك، مرآة لأماني شعبه وآماله وجسد ذلك في أكثر من أغنية ثم.. ليجد نفسه في خاتمة المطاف في زقاق!.. بعد أن "تشيأت" الثقافة والأدب والفن.. وغمرت تلك العاطفة الانسانية المشبوبة بالحب للأرض، للإنسان، للوطن، إذ ابتلع السوق كل شيء.. كل شيء !

«قائمة المطبوخات

المطبوعات المعروضات..

المرئيات المسموعات الملبوسات

يا صبيان السوق الحرّة

حيث يباع(...) بكأس زبيب

ما أرخص في السوق الإنسان»!

على أني وقد هتفت ببعض الروائع من أغنيات الشاعر الكبير"عبدالله عبدالكريم".. دون غيرها، فليس ذلك لأنها (الوحيدة) التي تستحق الوقوف عندها.. إنما قد عرضت لبعض أزاهير بللها ندى القمر.. وأبقيت الكثير ليجف تحت الشمس.. ولست ممن يحكم على طبيعة غابة كاملة بشجرة واحدة!

نجيب سرور «بروتوكولات حكماء ريش»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى