خواطر عن الأستاذ عبدالرحمن الجفري

> علي هيثم الغريب:

> على الرغم من مضي نصف قرن على ذلك اليوم الذي تعرف فيه الأستاذ محسن محمد بن فريد على رفيق دربه الأستاذ عبدالرحمن بن علي الجفري.. والذي التقاه ثانية بعد عامين في عاصمة المعز القاهرة واستمرت رحلتهما معاً إلى اليوم.. فإن ما سرده بن فريد في العدد (4784) من «الأيام» الغراء عبر بأفضل وجه عن حياة الأستاذ عبدالرحمن الجفري، ورسم صوراً إيضاحية عن حزب الرابطة في المنافي.. غاص بن فريد في الماضي بحيث أصبح أمامنا شيئاً ملموساً وواقعاً لحياتنا الحالية، بل وواقعاً أوضح، لأن الحياة المحيطة بنا حافلة بالتفاصيل و«الأصوات الغريبة» أما الماضي النظيف فينشأ كالماس في قاع المحيط.. يحاول الغواصون أن يجروه إليهم وينقوه من كل زائد يعكر نقاوته.. وأدركنا من خلال مقالة بن فريد لماذا دخل الجفري إلى حياته بحزم وأصبح قائداً له، بعد موت المعلم الأول محمد علي الجفري في أحد مستشفيات بغداد عام 1986م، ودفن بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة.. كان الأستاذ محمد علي الجفري خريج الأزهر ومؤسس أول دستور في الجنوب في محافظة لحج عام 1956م، يحلم مثله مثلنا اليوم ببناء «جمهورية العدالة» ثم عاش خيبة الأمل القاسية دون أن يخون مثله العليا. وبارك القرن العشرين وهو يودع فقيدنا محمد علي الجفري كقرن مستطلعي الحرية والإيمان العظيم بالمبادئ الإنسانية السامية. إذ في تلك المرحلة بالذات تكاثر في حرم النضال الوطني عدد أولئك الذين كانت تحدوهم المصلحة المادية والعنجهية والأغراض الجشعة الرخيصة. فراح ضحيتهم كوكبة من المثقفين أمثال فيصل عبداللطيف وقحطان الشعبي ومحمد علي الجفري وسالمين وعنتر ومطيع وغيرهم.. وبالعودة إلى مقالة بن فريد، نكتشف فيها بسهولة «آثار آخر بقايا عقول الستينات المتنورة» وبعد هذا المقال الصريح من رجل كان صديقاً لعبدالرحمن الجفري، وأدى واجبه مع حزب الرابطة ومع أبناء الوطن اليمني، وأمضى سنين مع الجفري بين مرافئ العالم بعيداً عن الوطن، يضحي بما يضحي من ماله وراحته.. يسافران (الجفري وبن فريد) من بلد إلى آخر لتوديع صديق فارق الدنيا وحزنها، وهم كثيرون تزدحم بهم مقابر الدنيا.. رفض الأستاذ عبدالرحمن الجفري أن يسعى في بناء مجد له على حساب اليمن وعلى أكتاف أبنائه.. من هذا نفهم أن أولى صفات القادة المدنيين هي وطنية صادقة ونزاهة بالمحاججة والتزام بالقضايا السياسية، فإذا قال صدق وإذا صمت صدق.. فأين هو المسؤول اليوم الذي يبذل وقته وتفكيره في سبيل أداء واجبه نحو وطنه، لا يفكر بمصلحة شخصية أو مجد أو جاه ذاتي فإنما يعمل لمجد الوطن وعزته.. هكذا كان الشأن في الجنوب، وقد برز فيها كثير من الخالدين الذين ساروا على هذا النهج وأقر لهم أبناء محافظات الجنوب كما أقر لهم التاريخ بالخلود.

وقد التزم الأستاذ عبدالرحمن الجفري نهج أستاذه محمد ومسلكه، يدل على ذلك تعامله مع المنفيين بعد عام الحرب، ولم يغره شيء فيجنح إلى التخلص من الآخرين، وقد خدم الهاربين خدمات نرى آثارها بأعيننا، وعلى الرغم من اختلاف العهود التاريخية (قبل الوحدة وبعد الوحدة) إلا أن الجوهر بقي بلا تغيير فكانت الحقوق الانتخابية وبعض الحقوق الأخرى في الجنوب محدودة، ومن الصعب التصويت لغير رجل السلطة أو الحزب. واليوم فإن عدم مساواة المواطنين أمام القانون أصبح أمراً مفعولاً. وفي الماضي كانت كل الحلول تقدم بتعبئة أيديولوجية، واليوم من يمارس السياسة يفكر دائماً وحتى عفوياً في بعض الأحيان في كيفية التوفيق بينها وبين التعبئة الجديدة، يعني ذلك أننا لا نزال في فخ التعبئة الخاطئة، وتعجز السلطة والمعارضة عن الخروج منه بسبب طريقة التفكير وارتباطه سيكولوجياً بإلغاء الآخر. ربما كان وما يزال الشيء ذاته الذي يعكر صفو حياة المجتمع اليمني أي البنية الاقتصادية المتخلفة التي ولى عهدها والبنيان السياسي الفوقي الذي فات أوانه والقائم على أساس أوامر مراكز القوى. وتوجد لدى أبناء محافظات الجنوب مطالبهم ومتاعبهم الخاصة التي هي نتيجة لكونهم تعرضوا لأساليب نهب وقمع وإقصاء بعد حرب 94م.

ومما يجدر ذكره أن الأستاذ الجفري يعيش فوق توقد الوطنية، متواضعاً صادقاً مستقيماً، لم نسمع يوماً ما بأنه تلفظ بكلام جارح، لا يحس بفارق بينه وبين أعضاء حزبه أو الآخرين. وكيف لا نتضامن مع الأستاذ الجفري وبن فريد ومبدؤهما شريف صريح، وغايتهما رفيعة، وهما لا يتقلبان في المبادئ ولا يجرحان من يصادقهما. ولم يقتصر نشاط الجفري وبن فريد على العمل في سبيل بناء دولة العدالة، بل اتجها إلى وضع الأسس النظرية التي من شأنها تكوّن الوحدة وتكوّن الديمقراطية، وأهم هذه الأسس: اليمن إلى أين؟! مشروع سلطات الحكم المحلي، ومشروع إصلاح النظام السياسي. فالمساواة ثمرة نضال مسالم وأخلاقي ووليدة جهاد إنساني مستمر، أما الوقوف عند نشر الاتهامات وشقشقة اللسان ومهاجمة الناس فليس ببناء ولا بديمقراطية. نسأل الله أن يشفي أستاذنا الجفري ويعود إلى أهله وأصدقائه وأن يبقيه مناراً للحق وركناً للعدالة ومصدر أمان لإخوانه من أبناء محافظات الجنوب سابقهم ولاحقهم ولليمن واليمنيين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى