«ايدن بورن بيبل»

> سعيد عولقي:

>
سعيد عولقي
سعيد عولقي
يا أيها «الايدن بورن بيبل» أخاطبكم بتعابير لغة أجنبية لعل اسمها- اسمنا - الإنجليزي فيها والمخلوط بالعربي وغير العربي طبعنا بالمدينة وطبعها بنا.. لأن المدينة الكوزموبوليتانية التي عشناها ونعيشها وأخلاقياتها التي اكتسبناها عبر السنين تجعل التعبير أدق والمعنى أصدق.. قولوا لي فأنتم أدرى مني واسمي دليلي: من هم العدنيون وأين كان أو بقي منهم من ينتسب إلى ثلاثة أو أربعة أجيال؟ ولماذا نعذبهم ونتعذب معهم بوهم التميز عمّن ليسوا منهم - منا- وامنحوني الفرصة لأحاول الاجتهاد بالإجابة فنحن نستحق ما نجد! هل قلت لكم إننا أنانيون؟ نحن كلما استعذبنا دور الجلاد كان وطء الضحية علينا أكثر إيلاماً لأننا لا نملك إلا أن نكون الضحية بحكم طبيعتنا الكوزموبوليتانية المكتسبة فينا وانجذابنا إلى الأصول والجذور الكامنة بداخل جيناتنا وما يولده فينا هذا من صراع وتمزق.. ويخلقه هذا الصراع والتمزق من ضعف.. دائماً نحن الوادعون الطيبون المستكينون.. تحملنا المدينة في شوارعها ونحن نحمل إليها في دواخلنا البوادي والجبال والقفار.. والغربة.. إما اليمن.. وإما المهجر.. هؤلاء العدنيون.. نحن.. أما جئنا بسلالتنا القريبة المدى من مختلف أنحاء اليمن أو جئنا من مهاجرنا؟ أو هاجرنا إلى عدن منذ البداية في سلالتنا الأولى الوافدة من الخارج؟

لقد جاء زمن ادعى فيه غير اليمني أنه أكثر عدنية من العدني.. وكانت شهادة الميلاد وسجلاته هي الشاهد والمرجع.. ومع ذلك فهي لا تقدم إلا الإثبات الذي لا يتجاوز الأجيال الثلاثة أو الأربعة بالكثير إلا نادراً جداً.. ولأننا جميعاً أبناء آدم وحواء فأنا لست بصدد إجراء فرز عرقي أو اثني - كما يقولون الآن - للأجناس.. أنا فقط أريد أن نتذكر معاً حقيقة بسيطة وبديهية واضحة كل الوضح لا لبس فيها ولا غموض هي أن العدنيين يمنيون في أصولهم أو مهاجرون إلى عدن بسلالاتهم.. كوّنوا بوجودهم في عدن هذا الخليط الموزاييكي الذي أعطى للمدينة طابعها الكوزموبوليتاني المتسامح وأخلاقياتها الجميلة. وبذوباننا هذا في بعضنا البعض تشكلت شخصية المدينة.. وشكلت معها شخصيتنا:«ذي ايدن بورن بيبل».

ومع مرور الزمن وتزايد الاندماج واختلاط المريج لا يستطيع أحد أن يقطع- برغم ذوبان الكل في الكل- بميلاد نسيج متماسك الخيوط متقن الحياكة.. متين الصنع اسمه «قبيلة عدن!» سيضحك عليك الناس إذا قلت بذلك.. لأن عدن لا تكون هي عدن إلا بعدم كونها قبيلة! وبغير ذلك تكون مسخاً مسخوطاً لا ملامح له ولا معالم.. وناقصة التكوين عديمة الشخصية.. سيكون هناك دائماً: عدنيون إلى حد ما.. مسافات ومقاسات وأبعاد.. نتاج طبيعي للكوزموبوليتانيا يحرم «العدنيين» من أن يكونوا قبيلة مثل أحسن أو أقل القبائل.. وهذه فضيلة أكثر من كونها نقيصة، لكنها أضرت بأهل عدن أكثر مما نفعتهم.. وكثيراً ما تجد بيننا من يخرج رافعاً صوته إلى أعلى مدى صارخاً بالقول:«ياليت عدن كانت قبيلة.. كان بايكون الكلام كله ثاني» والحق أن للقول منطقاً في زمن المنافع المائع هذا الذي يعيش في غابته الإنسان بالاستقواء القبلي.. حتى بدون منطق قانون الغاب الذي يعيش به الحيوان الذي يزداد رقياً عن الإنسان مع مرور القرون.

وكما تفعل مدن الكوزموبوليتان من هذا النوع في كل الدنيا بناسها، فعلت بنا عدن ما فعلت.. غرست بداخل أعماق كل منا نمطها.. نمذجتنا على شاكلتها. وفي غفلة منا ومن باقي اليمن والعالم.. في غفلة من كل الناس عدنا لنتحسس أصل الأرض فينا.. نحاول أن نتذكر الرضعة الأولى وأول الأولى من أمنا.. فكانت عدن هي كل ما نرى وكان كل ما يأتي إلينا هو ما يصلنا بها ومنها.. هل نحتاج حقاً أن تكون عدن قبيلة؟ أشك كثيراً.. انظروا إلى البحر.. إلى اهتزاز الأصالة في القبيلة التي نريد العودة إليها أو عودتها إلينا.. إلى سرب الحمام فوق قباب «أبان» و«الهاشمي» لقد اهتزت فينا الأصالة وتزعزع الصدق وتبعثرت البراءة.. أضعنا عذرية المرعى وبح صوت نشيد الماعز في جبالنا وهدأ صوت البحر.. وقعنا في أسر نمط مبتكر متعدد القوالب والوجوه والطباع.. إصبعنا فوق الزناد تقيس درجة الشيزوفرينيا في خريطة جيناتنا القبلية.. نحن لا نشبه هذا العصر وهو يشبهنا.. لنخرج كلنا من جلودنا بحثاً عن الانتماء.. جرياً وراء الملاذ، هروباً من بقية القبائل والأزلام.. هروباً من براءتنا البكر.. هروباً حتى من العذرية.. والتبتل.. نجرى وراء بوليس ليحمينا والقانون لا يحميه.. تضيع منا المدينة فنبحث عن القبيلة.. نهرب إلى الوهم وسط المروج الخضراء الخالية من القبائل.. والحدود.. هيا يا أيها «الايدن بورن بيبل» إلى أين؟ إلى حيث توجد المسافة بين الولادة والموت.. إلى الخط المرسوم على اللوح المحفوظ والحرف المنقوش على صخرة الأبدية مأمورين.. ومحكومين.. «ايدن بورن بيبل».. هات السوط يا جدي فلعل لي أحفاداً أجلدهم به!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى