عندما بكى عمر

> صالح علي السباعي:

>
صالح علي السباعي
صالح علي السباعي
عند اقتراب أي استحقاق انتخابي، تزداد الرغبات لدى النخب، الكل يريد اقتناص الفرصة لصالحه، وتزداد الشعارات المرفوعة، ويكثر المنجمون والمداحون والهجاؤون وأصحاب المصالح، ويرى الناس وجوهاً مريبة غير معروفة، وتختفي وجوه اعتاد الناس رؤيتها، ويصبح الانتماء للحزب و(القبيلة) أشد التصاقاً من الوطن، وتكثر المناشدات والنصائح من القاصي والداني، والمبادرات من القريب والبعيد، وتظهر على السطح منافسة شرسة، شعارها الغاية تبرر الوسيلة بين من يريدون الصعود إلى أعلى والذين يقاومون النزول، وعندما يختلف الكبار يخاف الصغار من المجهول، ويبدأ القلق وتشح الأحلام وتتضاءل ويتأمل الكبار أنفسهم دون مناصب ويخشى التاجر والمستثمر على أموالهما واستثماراتهما ويخاف الرعيان الفاسدون من الاحتمالات ورد فعل الرعية ويتدبر المقتدرون أمر رحيلهم، ويتحول الناس إلى مشروعات مهاجرين والوطن إلى محطة سفر.

وكلما اقترب وقت الاستحقاق الانتخابي تنشط الأحزاب وتلعب لعبتها بين شد وجذب، ويلَّوح الكبار بالعصا والجزرة، بينما يبقى المواطن مغيباًَ عما يدور حوله، تماماً كالزوج المخدوع آخر من يعلم، تتجاهله الأحزاب والزعامات السياسية وكأن صوته تحصيل حاصل.. كل هذا القلق وهذه المشاعر التي يعيشها الناس سببها مصالح دنيوية زائلة مهما طال الأمر بها، وهي تحدث في بلادنا وبلدان مشابهة لكنها لا تحدث في بلاد الغرب.

وفي معظم دول العالم يعرف الناس أسماء المرشحين الجدد للمناصب الكبيرة حتى قبل بدء الدعاية الانتخابية والموافقة البرلمانية ويعرفون عن شخصيات المرشحين وقدراتهم القيادية، عكس ما هو حاصل لدينا، حيث الرؤية غير واضحة والاجواء ضبابية وهذا الامر يقلق المواطن الذي لا يدري ماذا سيحدث؟ ويخشى أن يجد نفسه في نهاية المطاف بين مفترق الطرق وحيداً يدفع الثمن. أما النخب وأصحاب الشعارات الرنانة والتضحية من أجل الوطن، فغالباًَ ما تنكشف أقنعتهم وقت الأزمات حيث يختفون ويبتعدون ويفضلون الموت مائة مرة مختفين عن الانظار بدلاً من مواجهة الموت مرة واحدة كما كانوا يزعمون على حد تعبير شكسبير.

إن الفرصة سانحة اليوم أمام الجميع لمن أراد أن يترشح ويخدم الوطن، فلمَ يتردد البعض؟ هل هو الخوف من الفشل؟ أم أن هناك أشياء أخرى جعلت البعض يتهيب تحمل المسؤولية ومع ذلك سيقدر الناس من يعتذر عن تحمل المسؤولية لصعوبتها لأنها فعلاً ليست سهلة.

وقد روي عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز، أنه بكى عندما تولى الخلافة فلما سألته زوجته عن السبب قال: «لقد توليت الآن أمر المسلمين وفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعاري المجهول والمقهور والمظلوم والغريب والأسير والشيخ الكبير، وعرفت أن الله سبحانه وتعالى سألني عنهم جميعاً فخشيت أن لا تثبت لي حجة فبكيت».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى